أحداث وفاة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)
قد يكون فقدان الرسول منعطفاً مصيرياً بالنسبة للمسلمين كافة، كما يُعد حجر الزاوية لانقسامهم إلى فريقين:
الأول: المؤيدون لخلافة أبي بكر الذي تَعيّن في اجتماع السقيفة، وهم الذين خضعوا للأمر الواقع وشكّلوا الأغلبية فيما بعد وسمّوا بـأهل السنة والجماعة.
والثاني: الموالون لأهل بيت النبوة وعلى رأسهم علي بن أبي طالب عليه السلام، وهم الذين أصبحوا في الأقلية وسُمّوا بأتباع آل بيت الرسول (ص) وعرفوا بـشيعة علي.
مجريات ما قبل الوفاة
بحسب المصادر التاريخية ما إن ظهرت آثار المرض على رسول الله الذي توفي فيه، حتى طرأت للأمة أمور لم تكن في الحسبان. فبدأت مخالفات لأوامر الرسول تبرز إلى العلن في هذه المدة، والأمر يوحي وكأنه كان موضع ترقّب منذ زمن، من قبل بعض الشخصيات. الكتب التاريخية والسيَر من الفريقين تروي هذه الحوادث وحيثياتها إما بإسهاب أو باختصار.
جيش أسامة
لقد مرض النبي بالتزامن مع تأميره أسامة بن زيد وبعْثه على رأس جيش لمواجهة الروم، حيث قُتل أبوه قبل مدة في معركة مؤتة معهم. ولما مرض رسول الله (ص) مَرَض الموت، أوفد أسامة بن زيد بن حارثة إلى مقتل أبيه، فقال له: لقد وليتك على هذا الجيش، وإن أظفرك الله بالعدو، فأقلل اللبث.
وانطلق أسامة فلم يبق أحد من وجوه المهاجرين والأنصار إلا وكان في ذلك الجيش، منهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح وسعد بن أبي وقاص و... لكن حسب المصادر هذا الانتداب لم يطل أمده لأسباب، فتخلّفوا من الالتحاق إلى الجيش والانقياد لأوامر قائده الفتيّ المنصوب بأمر من رسول الله بالرغم من تأكيده على تجهيز الجيش والإسراع في بعثه.
النبي طريح الفراش
وقد اختلف في مدة مرضه، فالأكثر على أنها ثلاثة عشر يوماً، وقيل اثنتي عشرة ليلة. عن ابن إسحاق قال: ... ابتُدِئَ رسول الله (ص) يشكوه الذي قبضه الله فيه، إلى ما أراد به من كرامته ورحمته، في ليال بقين من صفر، أو في أول شهر ربيع الأول.
هناك رأيان، فيما يتعلق بالمكان الذي قضى رسول الله مدة مرضه فيه وقبض:
- الرأي الذي يقول بتمريض الرسول في بيت (أو حجرة) عائشة وبالتالي وفاته ودفنه هناك.
إن هذا الرأي يستند على العموم إلى الروايات المنسوبة إلى عائشة، ومنها رواية عن الشيخين (البخاري ومسلم) عن عائشة قالت: "إن مِن أنعُم الله عليَّ أن رسول الله (ص) توفي في بيتي وبين سحري ونحري (وفي رواية) بين حاقنتي وذاقنتي وأن الله تعالى جمع بين ريقي وريقه عند الموت، فدخل عليَّ عبد الرحمن وبيده سواك..." إلا أن الجمع بينها والرواية المنسوبة إليها أيضاً يوجب رفع أحدهما حيث قالت: ما علمنا بدفن رسول الله (ص) حتى سمعنا صوت المساحي ليلة الثلاثاء في السحر. وذكره الآخرون نقلاً عن مصادر أخرى.
- الرأي الذي يقول بمبيت النبي في بيت غير بيت عائشة، في اللحظات الأخيرة، وفوته ودفنه هناك، وفي ذلك يستندون إلى:
- ما نقل على لسان علي (ع) في كلامه وخطبه من أن نفس النبي (ص) قد فاضت وهو على صدر علي (ع).
- ما روي عن عائشة، التي أقرت بعدم العلم بدفن رسول الله (ص) حتى سماع صوت المساحي ليلة الثلاثاء في السحر.
- الرواية التي تقول بأنه ما دُفن نبي قطّ إلا في مكانه الذي توفي فيه، وكان مما أوصى به النبي (ص)، أن يدفن في بيته الذي قبض فيه و...
فعلى هذا من الممكن ابتداء مرض النبي (ص) في بيت، ولكن من المؤكد انتقاله إلى بيت آخر ووفاته ودفنه فيه. هذا فضلاً عن الفرضية التي ترى بأنه لا مانع في أن يكون مرضه قد ابتدأ في حجرة عائشة، ولكن يجزم في أنه (ص) قد انتقل منها إلى بيت آخر تسكنه فاطمة (س) ابنة الرسول (ص)، ووافته المنية هناك وفيه دُفن، لأنه حين صلاة الفجر (في اليوم الإثنين) كان لا يزال في دار عائشة التي كانت لجهة القبلة -حسب الروايات الواردة في صلاة أبي بكر- وقد رواه البخاري أيضاً.
فالتساؤل الذي طرحه البعض كالمعتزلي وغيره، وهو أنه كيف غُسّل وجُهّز ودُفن الرسول في نفس اليوم في بيت عائشة من دون أن تعلم كل ذلك -وهي تسكن البيت- يكون في محله، رغم أنه يأتي باحتمالات أخرى لتبريره على لسان الآخرين.
وتقول المصادر، بأنه (ص) خرج (في اليوم الأخير) فصلى بالناس، وخفف الصلاة، ثم وضع يديه على عاتق علي والأخرى على عاتق أسامة، ثم انطلقا به إلى بيت فاطمة (س) فجاءا به حتى وضع رأسه في حجرها... فيذكرون قضية استئذان ملك الموت، وبعد ما مضى الرسول (ص) في بيت فاطمة (س) آخر لحظات حياته ووافته المنية، فلابدّ وأنه قد دفن فيه، بحسب الروايات الواردة في تطابق محل موته ودفنه.
سبب مرض الرسول (ص)
من المؤرخين من يرى بأن العلة الرئيسية لمرض النبي (ص) المودي بحياته هو تسمّمه بالسمّ الذي دسّته امرأة من اليهود في طعامه يوم فتح خيبر انتقاما لذويها الذين قتلوا في تلك الحرب.
بحسب المصادر، في المدة التي أمضى النبي على فراش الموت في المدينة كان علي بن أبي طالب قد تولّى أموره، خاصة وأن الفترة تزامنت مع إرسال جيش أسامة لغزو الروم. فخرج الجيش وعسكر بالجرف فلم يبق أحد من وجوه المهاجرين والأنصار إلا كان في ذلك الجيش، وفيهم أبو بكر وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة الجراح وغيرهم.
حكاية صلاة أبي بكر
شهدت الأخبار التي خصت الصلاة نيابة عن الرسول في مرضه، بعض التناقضات وأثارت التساؤلات لكثير من المؤرخين والمحدثين حيث رءوا فيها من التجاذبات الداخلية ومحاولات لاستغلالها، ما يبعث على التأمل.
وصايا النبي والكتاب الذي لم يكتب
إضافة إلى المرات التي سبقت وأن أوصى على كثير من الأمور وفي مناسبات عديدة، أوعز الرسول صلي الله عليه وآله وسلم في فترة مرضه -الذي أدى إلى وفاته- إلى بعض ما سبق بوجه خاص، وأكد على بعض المستجدات أيضاً.
أهم ما أمر ليقضى في حياته
- تجهيز جيش أسامة وبعثه
- التصدق بالدنانير المتبقية عنده
- الصلاة بالناس نيابة عنه
أهم ما وصّى لما بعد مماته
- وصية النبي لعلي
- وصاياه حول تجهيزه ودفنه
رزية يوم الخميس
قالوا بأنه لما اشتد برسول الله وجعه قال: "إيتوني بكتاب (أو بكتف ودواة) أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده" أو "لا يَظلمون ولا يُظلمون"، وكان في البيت لغط، فنكل عمر، فرفضها رسول الله (ص). فقال عمر: إن النبي غلبه الوجع، (أو مدّ عليه الوجع)، (أو أن النبي يهجر)". وعندنا كتاب الله، (أو وعندكم القرآن) حسبنا كتاب الله.
فاختلف أهل البيت [من كان حاضراً في البيت] واختصموا، واختلفوا، أو كثر اللغط، بين من يقول: قربوا يكتب لكم، وبين من يقول: القول ما قال عمر... فقال (ص): "قوموا عني، ولا ينبغي عندي، (أو عند نبي) تنازع".
ويعرف هذا اليوم بيوم الرزية أو رزية يوم الخميس أيضاً، فكان ابن عباس كلما يذكر يوم الخميس الذي مُنع فيه الرسول من قلم وقرطاس (أو كَتِف) ليكتب الوصية يبكي ويقول: إن الرزية كلّ الرزية ما حال بين رسول الله (ص) وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب لاختلافهم ولغطهم.
أحداث الوفاة وما بعدها
المشهور أن رسول الله (ص) قد توفي في يوم الإثنين وتضاربت الأقوال في وقته؛ حين زاغت الشمس، أي ظهراً، وقيل قبل أن ينتصف النهار أيضاً في وقت دفنه فقيل دفن يوم الأربعاء، وقيل ليلة الأربعاء، وقيل توفي في الضحى وجزم به ابن اسحاق. وقيل الأكثر على أنه اشتد الضحى، وقيل توفي آخر يوم الإثنين.
تعتقد غالبية الإمامية أن النبي قبض في يوم الإثنين لليلتين بقيتا من صفر السنة 11 من الهجرة، وهو قول الشيخ الطوسي وغيره، ولو أخذنا ما ذكروه -بأن الرسول قد توفي بعد حجه بثمانين، أو بإحدى وثمانين يوماً- بعين الاعتبار، يتوافق مع ما عليه أغلب الإمامية، يعني 28 من صفر، هذا إذا كان مبدأ حساب الثمانين من يوم عرفة "فإن الحج عرفة" كما رووا.
كما تضاربت الأقوال في وقت دفنه أيضاً، فقيل دفن يوم الأربعاء وقيل دفن يوم الثلاثاء حين زالت الشمس. ويرى الواقدي بأن رسول الله دفن ليلة الثلاثاء. وعن عائشة، قالت: ما علمنا بدفن الرسول حتى سمعنا صوت المساحي ليلة الثلاثة في السحر. واتفق الزهري وابن كثير والعلامة المجلسي وابن سعد على دفن النبي في نفس اليوم الذي توفي فيه أي الإثنين من غير تحديد.
أين كبار الصحابة
مكان تواجد الصحابة والمقربين من رسول الله في لحظات اشتداده والتي يلفظ فيها آخر أنفاسه يحمل في طياته من الدلالات ما تساعد إلى استدراك القضايا المترابطة فيما بعد.
لحظة الوفاة
- تضاربت الروايات فيما يتعلق بمكان تواجد أبي بكر بن أبي قحافة حين وفاة رسول الله:
- على بعض الروايات أنه كان حاضراً عند النبي وعلى رواية كان قد ذهب لزيارة عشيرة من عشائر أهل المدينة.
- حسب روايات أخرى لم يكن أبو بكر حاضراً لا في المسجد ولا عند النبي ولم تذكر مكان تواجده بالتحديد حينذاك.
- على القول المشهور كان أبو بكر في السُّنْح خارج المدينة، فذهب سالم بن عبيد فأعلمه بوفاة رسول الله.
- بالنسبة إلى عمر بن الخطاب الظاهر أنه قد حضر عند البيت بمعية أسامة وأبو عبيدة الجراح، بعدما وصلهم الخبر بأن النبي (ص) على وشك الموت قبيل أن يغادروا المعسكر، ولم يكن عمر يصدّق بأن النبي (ص) قد قبض، وكان يتوعد الناس بالقتل، حتى أنه قال: "إن رسول الله لم يمت، ولكنه عرج بروحه كما عرج بروح موسى، ثم جاء أبوبكر وكان عمر يخاطب الناس فأمره بالصمت بعبارة: "على رسلك يا عمر" فأنصت، أو عبارة "أسكت" فسكت ابن الخطاب. ثم صعد أبو بكر فاستشهد بآي من القرآن الكريم، حتى فرغ منها ثم أردف: من كان يعبد محمداً قد مات ومن كان يعبد الله حيّ لا يموت.
- هناك روايات تدلّ على أن علي بن أبي طالب (ع) كان المصاحب الأخير للرسول وفاضت نفس النبي (ص) واضعاً رأسه في حجر علي (ع)، فبناء على هذا يعتبر آخر شخص عهد به الرسول (ص) قبل رحيله، ويتأكّد ذلك من خلال خطبه والروايات الدالة عليه، منها:
- إن علياً (ع) يقول: "فلقد وسدتك في ملحودة قبرك، وفاضت بين سحري وصدري نفسك، إنا لله وإنا إليه راجعون".
- ولقد قبض رسول الله (ص) وإن رأسه لعلى صدري، ولقد سالت نفسه في كفي، فأمررتها على وجهي ولقد وليت غسله (ص) والملائكة أعواني.
- ما رواه ابن سعد بسنده إلى الشعبي، قال: توفي رسول الله (ص)، ورأسه في حجر علي...
في تجهيز النبي ومدفنه
قام علي بن أبي طالب والعباس بن عبد المطلب بتجهيز النبي (ص). يقول العاملي بأن علياً وبني هاشم لم يحضروا اجتماع السقيفة يوم الإثنين، لأنهم كانوا مشغولين بجهاز رسول الله (ص). وما عدا هؤلاء، والأناس العادّيين من أهل المدينة، بقية الوجهاء من الصحابة بما فيهم من المهاجرين والأنصار، كانوا في سقيفة بني ساعدة.
قد ورد في احتجاج لعلي بن أبي طالب (ع) والمعروف بحديث المناشدة في يوم الشورى الذي قال: هل فيكم أحد غسل رسول الله (ص) غيري؟ قالوا: اللهم لا. قال: هل فيكم أحد أقرب عهداً برسول الله (ص) غيري؟ قالوا: اللهم لا. قال فأنشدكم الله: هل فيكم أحد نزل في حفرة رسول الله (ص) غيري؟ قالوا: اللهم لا. أو قال: فهل فيكم من كفن رسول الله (ص) ووضعه في حفرته غيري.
يعتقد الباحثون بأن دفنه (ص) كان نفس اليوم الذي توفي فيه عند العتمة، فإن تجهيز النبي وتغسيله وتكفينه ودفنه منذ أن قبضه الله لم يستغرق إلا نحو ساعتين، أو بضع ساعات.
في السقيفة
في اليوم الذي انتقل رسول الله (ص) إلى الرفيق الأعلى، أخذت وجوه من الصحابة تتناقش في سقيفة بني ساعدة لحسم أمر الخلافة بعد الرسول الأعظم. منهم الشيخان وأبو عبيدة بن الجراح من جانب المهاجرين وسعد بن عبادة وغيرهم من جانب الانصار.
ويذكر بأن ما جرى بين المهاجرين والأنصار في السقيفة كله قد وقع في بقية يوم الاثنين حتى الليل وشغلهم عن تجهيز رسول الله (ص) من تغسيله وتكفينه ودفنه الذي تمّ في نفس اليوم عند العتمة، وأنهم لم يعرفوا بدفنه إلا حين سمعوا صوت المساحي، فيتبين هنا بأن التجهيز لم يستغرق إلا بضع ساعات. والدليل على ذلك ما رواه ابن سعد والبيهقي عن عائشة، أو ما هو منقول عن الزهري الذي قال -نقلاً عن شيوخ من الأنصار في بني غنم-: سمعنا صوت المساحي آخر الليل، ليلة الثلاثاء، أو -بحسب ابن كثير- ما رواه سيف عن هشام عن أبيه قال: توفي رسول الله يوم الإثنين وغسّل يوم الإثنين ودفن ليلة الثلاثاء.
المصدر: ويكي شيعة