البث المباشر

جماليات روح الابوة الحسينية تجاه جميع الانصار

السبت 28 سبتمبر 2019 - 10:05 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- ما رايت الا جميلا: الحلقة 8

بسم الله وله أجمل الحمد والثناء جميل الصنع عظيم الآلاء ذي الجمال والنعماء، والصلاة والسلام على آباء خلقه الرحماء نبيه المبعوث رحمة للعالمين وآله الطيبين الطاهرين.
سلام من الله عليكم ورحمة منه وبركات عليكم أيها الإخوة والأخوات معكم بتوفيق الله في لقاء آخر من هذا البرنامج نستجلي فيها معاً مشاهد أخرى لأسنى مصاديق الجمال التي اشتملت عليها الملحمة العاشورائية الخالدة: الملحمة التي كان معلمها الأساس الجمال؛ جمال أبطالها في تجسيد أجمل قيم النور الإلهي، وجمال الصنع الرباني بهم وهم – صلوات الله ورضوانه عليهم أجمعين – عباده المخلصين، إذ جعلهم منارات لأحبابه يستهدون بفعالهم الى أبواب الفوز بمرضاته تبارك وتعالى وهم يرددون مع الصديقة العارفة زينب الكبرى مقولتها الخالدة عن عاشوراء وما فيها حيث قالت: ما رأيت إلا جميلا.
مستمعينا الأكارم، محور هذا اللقاء هو بيان بعض جماليات الروح الأبوية التي جلاها سيد الشهداء – عليه السلام – تجاه أصحابه؛ وجمالية إفتخارهم – رضوان الله عليهم – بالإنتماء إليه – عليه السلام – مقدماً على كل نسب وحسب.
نتأمل معاً في رجز هذا الفتى الأنصاري الغيور وهو عمرو بن جنادة الأنصاري الذي لم يتجاوز عمره الإثني عشر ربيعاً ونتأمل في موقف أمه وهي تقدم الحسين على ولدها، قال المؤرخون: 
(خرج شاب هو عمرو بن جنادة الأنصاري وكان قد قتل أبوه في المعركة وكانت أمه معه، فقالت له أمه: أخرج يا بني وقاتل بين يدي إبن رسول الله! فخرج فقال الحسين: هذا شاب قتل أبوه ولعل أمه تكره خروجه فقال الشاب: أمي أمرتني بذلك، فبرز وهو يقول:

أميري حسين ونعم الأمير

سرور فؤاد البشير النذير

علي وفاطمة والداه

فهل تعلمون له من نظير؟

له طلعة مثل شمس الضحى

له غرة مثل بدر منير


وقاتل هذا الفتى الغيور حتى قتل وجز البغاة رأسه الشريف ورموه الى عسكر الحسين – عليه السلام – فحملت أمه الصبورة المفجوعة، رأسه ومسحت التراب عنه وقبلته بحنان وقالت: أحسن يا بني يا سرور قلبي ويا قرة عيني، ثم رمت برأس إبنها رجلاً أراد مهاجمة الحسين – عليه السلام – فقتلته وأخذت عمود خيمته، وحملت عليهم وهي تقول:

أنا عجوز سيدي ضعيفة

خاوية بالية نحيفة

أضربكم بضربة عنيفة

دون بني فاطمة الشريفة


وضربت رجلين فقتلتهما فأمر الحسين – عليه السلام – بصرفها الى المخيم ودعا لها.. رضوان الله عليها وعلى ولدها وزوجها.
أيها الإخوة والأخوات، وصار هذا الفتى الغيور عمرو بن جنادة الأنصاري، أسوة لمن حضر في المعسكر الحسيني من الأرقاء الأحرار، فقد وجدوا في نسب الولاء لسيد الشهداء – عليه السلام – أعظم وسائل الإفتخار التي تغنيهم عن الإفتخار بالأنساب مهما كانت زكية محترمة، فقد ذكر المؤرخون أن رجز عمرو بن جنادة قد تكرر على لسان قارئ القرآن أسلم التركي وهو من الرقيق الذي اشتراه الحسين – عليه السلام – وربّاه.
قال العلامة الشيح محمد السماوي في كتاب (إبصار العين في أنصار الحسين):
(كان أسلم من موالي الحسين، وكان أبوه تركياً، وكان ولده أسلم كاتباً.. قال بعض أهل السير والمقاتل: إنه خرج الى القتال وهو يقول: 

أميري حسين ونعم الأمير

سرور فؤاد البشير النذير


فقاتل حتى قتل، فلما صرع مشى إليه الحسين – عليه السلام – فرآه وبه رمق يومئ الى الحسين – عليه السلام – فاعتنقه الحسين ووضع خده على خده، فتبسم وقال: من مثلي وابن رسول الله – صلى الله عليه وآله – واضع خده على خدي، ثم فاضت نفسه – رضوان الله عليه -.
وما أجمل هذا المشهد المؤثر وهو يحكي لنا أن الإمام الحسين – عليه السلام – قد فعل مع هذا الغلام التركي نفس ما فعله مع ولده علي الأكبر – سلام الله عليه – عند استشهاده، فأثلج قلب هذا الغلام وقد شعر بحنان الأبوة تسري الى وجوده من خد الحسين وهو يعتنقه ويضع خده على خده، فيرحل الى رسول الله – صلى الله عليه وآله – بوسام النبوة لسبطه الحسين – عليه السلام -.
وهذا الحنان الأبوي الفريد نلمحه في ذرى الجمال وهو يتجلى في دعاء سيد الشهداء – صلوات الله عليه – وهو يقف عند مصرع شهيد آخر من الأرقاء الأحرار، قال الشيخ عبد العظيم المهتدي البحراني في كتابه (من أخلاق الحسين):
(تقدم جون مولى أبي ذر، وكان عبداً أسود البشرة، فقال له الحسين – عليه السلام: أنت في إذن مني، فإنما تبعتنا طلباً للعافية فلا تبتل بطريقنا.
فقال: يا ابن رسول الله أنا في الرخاء ألحس قصاعكم وفي الشدة أخذلكم، والله إن ريحي لمنتن، وإن حسبي للئيم، ولوني لأسود، فتنفس علي بالجنة، فتطيب ريحي، ويشرف حسبي، ويبيض وجهي، لا والله لا أفارقكم حتى يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم.
ثم برز – رضوان الله عليه – الى القتال وهو ينشد ويقول:

كيف يرى الكفار ضرب الأسود

بالسيف ضربا عن بني محمد

أذب عنهم باللسان واليد

أرجو به الجنة يوم المورد

من الإله الأحد الموحد

إذ لا شفيع عنده كأحمد


ثم قاتل حتى قتل، فوقف عليه الحسين – عليه السلام – وهذا من أعظم مواقف التواضع الذي يصدر من قائد كالحسين تجاه فرد قد لا يعطيه الآخرون قيمة لأنه عبد أسود غريب في المجتمع. ولكن الحسين – عليه السلام – جاء على جنازته ورفع يديه له بالدعاء – قائلاً: "اللهم بيض وجهه، وطيب ريحه، واحشره مع الأبرار، وعرف بينه وبين محمد وآل محمد").
واستجاب الله تبارك وتعالى دعاء وليه وصفيه وباب رحمته الواسعة ومصباح هداه، ليس في قبول هذا العبد الصالح يوم القيامة في منازل المقربين وجنان محمد وآله الطاهرين – صلوات الله عليهم أجمعين – بل وفي جعله آية غاية في الجمال في هذه الحياة الدنيا شهدها الشاهدون.
قال المجلسي – رحمه الله – وروى عن الباقر – عليه السلام – عن علي بن الحسين – عليه السلام – أن الناس كانوا يحضرون المعركة، ويدفنون القتلى، فوجدوا جوناً بعد عشرة أيام يفوح منه رائحة المسك، وقد إبيض وجهه بنور يأخذ بالقلوب والأبصار، رضوان الله عليه.
لكم منا – مستمعينا الأطياب – أطيب الشكر على طيب الإستماع لهذه الحلقة من برنامجكم ما رأيت إلا جميلا.
لكم دوماً أطيب الدعوات من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، دمتم في رعاية الله ذي الجلال والإكرام والجمال والإنعام.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة