البث المباشر

البكاء على الصديقة الحوراء والسبايا المحمديين

الإثنين 23 سبتمبر 2019 - 09:50 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- يوم الحسين: الحلقة 20

السلام عليكم مستمعينا الأكارم ورحمة الله وبركاته،

تقبل الله منكم خالص تقربكم إليه بإحياء الشعائر الحسينية القدسية وهذا من أعظم القربات الى الله كما هدتنا لذلك صحاح الأحاديث الشريفة.
معكم إخوة الإيمان في آخر حلقات هذا البرنامج.. ووقفة عن الحضور التوحيدي الخالص للصديقة الحوراء زينب والسبايا وشهداء السبي في يوم الحسين صلوات الله عليه وآثار البكاء عليهم، وهذا الحضور جزء لا يتجزأ من يوم الحسين وهذا البكاء أظهر مصاديق البكاء على الحسين نتلمس كل ذلك معاً مما كتبه أستاذنا الحاج الأديب إبراهيم رفاعة عن قصيدة زينبية فريدة في قسمها الأخير حيث قال حفظه الله:
البكاء على الصديقة الحوراء والسبايا المحمديين هو بلا شك إعلان جهور لأعداء الله الذين أنزلوا كل تلك الفظائع بعيالات حبيبه المصطفى – صلى الله عليه وآله -:

تبكون زينب إذ ترحل عن ربى

أرض الحسين وقلبها متقسما

تبكون زينب إذ تقاد أسيرة

وهي التي انقادت لها جند السما

تبكون زينب إذ تلظى متنها

بسياطهم، فالأفق حزناً أظلما

تبكون زينب في ربى كوفانها

إذ أمطروها بالشتائم أسهما

كانت مليكتها، فسيقت مثلما

بالذل ساقوا تركها والديلما!


البكاء على هذه الأم المأسورة المقهورة التي هي نبع للرحمة والحنان.. هو جوهرة تشيع شفافية في قلوبنا وحزناً وبهجة علوية، علمنا الله عزوجل أن نتلقاها تعبداً بالدموع.
لو كانت الأسيرة المسبية المظلومة المسيرة عنفاً على عجاف النياق امرأة أخرى غير حفيدة النبي وبنت علي.. لرقت لها قلوب أصحاب الوجدان، ولشاركوها – في الأقل – بليتها ولأعانوها بما يستطيعون، لكن هذه الصفية التي كابدت – دون ذنب جنته – أهوال السبي بأيدي أجلاف بني أمية هي كبيرة الأسرة المحمدية زينب شقيقة الحسين التي ذرف عمرها الشريف على الخمسين!
وتزداد المصيبة إيلاماً إذا رأينا أنها ليست وحدها من تعاني في أسرها من الإرهاب والترويع، بل إنها – وهي في محنتها هذه – هي الحاضنة الحانية على الصبيان والصبيات والنساء الفاطميات الأسيرات الأخريات من عيالات النبي الرؤوف الرحيم:

تبكون زينب إذ يطاف بركبها

ركب الفواطم حسراً، وبها احتمى

تبكونهن وهن ناموس العلا

يلقى من النظار سهما سمما

يتصفحون وجوههن بنظرة

كالملح ماث بجرحهن مخذما

تبكون زينب وهي تحبس أدمعاً

حمراً تلهب في الجوى جمراً همى


يا لله.. ويا لسبي زينب! إن شئت مقايسة بين ما كانت عليه هذه السيدة الجليلة النبيلة بين إخوتها وأهليها نجباء العالم من عز وصون في خدور بيت النبوة والوحي.. وبين ما تلقاه متصبرة عليه الآن، لبان أن الفارق هو فارق ما بين السماء والأرض.
ما أشق سبي العزيزة المتألهة المصونة على قلوب آل محمد! إنها لهم مصيبة المصائب ورزية الرزايا جمعاء.. اولئك الأوباش الجناة يسوقون ركب السبيات الملوعات بأغلظ غلظة وأقسى قساوة، يتلذذون بضربهن وبالشتم.. في مسير وعر لا يتوقف ليل نهار! وتلك العيون الوقحة تتصفح الوجوه الفاطمية المكروبة المضروبة التي هي عرض النبي.. على طول الطريق في القرى والمدن النائية!
إنهن الآن نسوة مقهورات عاجزات بين علوج أمية المستكبرين على الله، الذين أسكرتهم لذة السطوة والقدرة والإستحواذ على الملك.
آه للكريم من سطوة اللئيم! إنها – لسبايا آل محمد المحمولين قسراً من كربلاء الأحباء المجزرين – مصائب مركب بعضها فوق بعض.. مصائب خانقة تقطع الأنفاس!
ثم دخلت السبايا الشام.. يا ويل الشام!
هي يومئذ مركز نحس آل أبي سفيان.. من قصر معاوية الشؤم وبعده ولده الشقي يزيد الشر.. خرجت فتن غشيت بلدان المسلمين كقطع الليل المظلم، إنه الإنقلاب الجاهلي الأوحش صوتاً، والأقبح عناداً وصلفاً ووقاحة.
ومن اجتراء ابن الطلقاء معاوية على حرمات الله أنه حول منابر الجمعة في مساجد الشام وغير الشام الى مباءات سوء عاكف أهلها على الشتم واللعن لعلي بن أبي طالب أخي رسول الله ووصيه وساعده الأيمن في إقامة الدين. حورب المؤمنون الثابتون على صراط الحق والصدق، وألجمت الأفواه، وقتل منهم كثيرون. إن الإرهاب الأموي في كل مكان منتشر.. كأنه وباء مرعب.
في مثل هذا المناخ من إرهاب الدولة المنظم.. دخلت قافلة سبايا آل محمد الشام، متعبة منهكة قد أضر بها العسف والعنف وطول مشقات الطريق:

تبكون زينب وهي تدخل شامهم

وأذانهم شتم الوصي تألما


وفي الشام: المغرور المتجبر حفيد هند آكلة أكباد الشهداء متكئاً على سلطة الأمر والنهي ودموي الإرهاب، إنها مأساة أخرى من مآسي العقيلة التي لا يبدو أن لها إنتهاء، لكن مولاتنا زينباً – روحي فداها – سيدخلونها مجلسه المكتظ برعاعه المتزلفين، وستنطق بصوت هادر جهير كأنه صوت أبيها أسد الله علي، وسينتكس تجبر هذا الطاغية المتصالف، وستدس الصديقة رأسه – رغماً عنه – في حضيض التراب.

تبكون زينب وهي تدخل شامهم

- وأذانهم شتم والوصي – تألما

تبكون زينب.. فالدواهي أجبرت

عزّ الهواشم أن تخاطب مجرما


لا استراحة لسبايا آل محمد في الشام، إذ أقاموهم في خربة كالأطلال.. كما لا استراحة لهم في الطريق.
في طريق المسبى.. مات من الصبية اليتامى المأسورين والصبيات من مات، دفنوا أقماراً هادية تضيء البراري والقفار، ومن الجهد الجهيد الذي كابدته النسوة على أقتاب الإبل الخشبية الصلبة.. أسقطت زوجة لسيد الشهداء جنينها "المحسن" عند جبل الجوشن قرب حلب، عابراً من الغيب الى الغيب.. دون أن يمر بدنيا أهل الأرض التي قتلوا فيها أباه العظيم.
وفي خربة السكنى المتداعية في الشام تفارق الدنيا – كمداً وشوقاً الى أبيها الحسين – إبنته فاطمة الصغرى المسماة رقية شبيهة جدتها الزهراء البتول، ليسطع مزارها القدسي من بعد مناراً حسينياً في قلب دار أعدائه الألداء، وتلك رزايا مفجعة تزيد القلب الزينبي جراحاً على جراح:

تبكون زينب وهي تودع محسناً

نجل الحسين بجوشن قد سنما

تبكون زينب إذ تشيب، لفقدها

بخرابة الشامات زهرة فاطما


والهفي عليها.. العقيلة المهضومة المكلومة!
البكاء عليها هذه المرة بكاء أخص، والتوجع لمعاناتها الآن لها مذاق مريع، إنها الآن تعود الى ديار الأحباب مدينة جدها الرسول، هي ذي دورهم خالية موحشة.. تركت أهلها مصرعين على ثرى كربلاء، وعادت بعد الأسر والسبي لتتجدد مصائبها كل يوم:

تبكون زينب وهي تدخل يثرباً

والصوت من ناعي الحسين تقدما

"يا أهل يثرب لا مقام لكم بها

سبيت عقيلتكم كما تسبي الإما

عادت بلا سبط النبي ورهطه

ثكلى تجرعت المصائب دهما


البلايا متصلة متحاضنة يأخذ بعضها برقاب بعض، ما كانت إقامتها صلوات الله عليها قرب مثوى جدها النبي إلا إقامة قصيرة مؤقتة.
إن إرهاب السلطة السفيانية لا يتحمل أن يرى المعنى الزينبي المقدس يبث أنواره في المدينة التي بدأت تصحو على مقتلة آل الله في كربلاء، حملوها سلام الله عليها مرة أخرى الى مسباها الإجباري في منفى الشام، لتكتمل الحكاية بلحاق هذه السيدة المعظمة بأخيها المظلوم.. شهيدة هي في شهداء الله من درر التاج:

تبكون زينب إذ تغادر طيبة

والقلب من ثخن الجراح تورما

نفيت.. فودعت البيول وجدها

والمجتبى والبيت ثم وزمزما

ثم ارتدت إحرامها، وتسلمت

باقي حنوط شقيقها إذ قسما

مسحت على صدر الإمام المبتلى

ففؤادها لفراقه ألماً طما

قد ودع السجاد عمته التي

من كفها ثقل الأمانة سلما

سلكت مسير السبي ثانية ضحىً

لتصير "راوية" بها نبعاً سما

تبكون زينب إذ تعود لشامهم

ليكون مثواها مناراً هادما

لعروش آل أمية في دارها

في بقعة طهرت بسرك فاطما

سبي العقيلة كان معراجاً لها

إختاره الرحمن بيتاً معلما


أما نحن .. فهل نودع المشهد وننقلب الى أهلنا صامتين؟ لابد أن يظل لنا ما يذكرنا أبداً بهذه الأم المظلومة التي يشع قلبها بأعذب الرأفة الحنان، دعونا إذن نؤدي لأمنا ولو أقل الوفاء:

نبكيك مولاتي بدمع ذا جرى

من مهجة، فالعين فاضت بالدما

نبكيك زينب في الصباح وفي المسا

فحياتنا لك أن ننوح ونلطما

صلى عليك الله زينب بكرة

وعشية متحنناً ومسلما


تقبل الله منكم أيها الإخوة والأخوات حسن المتابعة لحلقات برنامج يوم الحسين إستمعتم لها مشكورين من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران..
دمتم في أمان الله...

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة