البث المباشر

تفسير موجز للآيات 22 الى 25 من سورة الأحزاب

الإثنين 13 إبريل 2020 - 06:07 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- نهج الحياة: الحلقة 762

بسم الله الرحمن الرحيم و صلى الله على سيدنا محمد المصطفى وآله الطيبين الطاهرين .. السلام عليكم احبتنا المستمعين ورحمة الله وبركاته أهلا ومرحبا بكم أيها الأكارم ضمن حلقة جديدة من برنامج نهج الحياة إذ نواصل التأمل في الأيات 22 حتى 25 من سورة الأحزاب المباركة ..

لننصت بداية إلى تلاوة الأية 22 من سورة الاحزاب:

وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَـٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ ۚ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا ﴿٢٢﴾

كان الحديث في الحلقات الماضية حول الفئات المختلفة ومخطّطاتهم وأدوارهم في غزوة الأحزاب، وقد تقدّم الكلام عن ضعفاء الإيمان والمنافقين ورؤوس الكفر والنفاق والمعوّقين عن الجهاد.ويتحدّث القرآن المجيد في نهاية المطاف عن المؤمنين الحقيقيين، ومعنوياتهم العالية ورجولتهم وثباتهم وسائر خصائصهم في هذه المعركة.

تتطرّق الآية 22 إلى بيان حال المؤمنين الحقيقيين، فقالت: (ولمّا رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلاّ إيماناً وتسليماً).

ولكن ما هذا الوعد الذي كان الله ورسوله قد وعدهم به؟

قال البعض: إنّه إشارة إلى الكلام الذي كان رسول الله قد تكلّم به من قبل بأنّ قبائل العرب ومختلف أعدائكم سيتّحدون ضدّكم قريباً ويأتون إليكم، لكن اعلموا أنّ النصر سيكون حليفكم في النهاية، فلمّا رأى المؤمنون هجوم الأحزاب أيقنوا أنّ هذا ما وعدهم به رسول الله (ص) وقالوا: ما دام الجزء الأوّل من الوعد قد تحقّق، فمن المسلّم أنّ جزأه الثّاني - أي النصر - سيتحقّق بعده، ولذلك زاد إيمانهم وتسليمهم.

وقال البعض الآخر: إنّ هذا الوعد هو ما ذكره الله سبحانه في الآية (214) من سورة البقرة حيث قال: (أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة ولمّا يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مسّتهم البأساء والضرّاء وزلزلوا حتّى يقول الرّسول والذين آمنوا معه متى نصر الله).أي إنّهم قيل لهم من قبل: إنّكم ستخضعون لإمتحان عسير، فلمّا رأوا الأحزاب تيقّنوا صدق إخبار الله ورسوله، وزاد إيمانهم وتسليمهم.

ومن الطبيعي أنّ هذين التّفسيرين لا يتنافيان، خاصّة بملاحظة أنّ أحد الوعدين كان في الأساس وعد الله، والآخر وعد الرّسول (ص)، وقد جاءا معاً في الآية مورد البحث، ويبدو أنّ الافضل الجمع بينهما.

نستلهم من الأية بعضا من الدروس منها:

  •  المؤمن على يقين أن عدوه الظالم لا يغفل عنه لحظة وعليه فهو يعد نفسه لمواجهة العدو في كل حين .
  •  إن أعداء الاسلام بمن فيهم الكافر أو المشرك والمنافق بالرغم من اختلافاتهم إلا أنهم يتحدون مع بعضهم البعض للقضاء على المسلمين وهم يحشدون كل طاقاتهم من أجل ذلك .
  •  لا يخاف المؤمنون من عديد المشركين ولا من عدتهم لأنهم يثقون بوعد الله تعالى .

 

والان أيها الأكارم نستمع إلى تلاوة الاية 23 من سورة الاحزاب:

مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّـهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴿٢٣﴾

تشير الآية 23 إلى فئة خاصّة من المؤمنين، وهم الذين كانوا أكثر تأسّياً بالنّبي (ص) من الجميع، وثبتوا على عهدهم الذي عاهدوا الله به، وهو التضحية في سبيل دينه حتّى النفس الأخير، وإلى آخر قطرة دم، فتقول: (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر) من دون أن يتزلزل أو ينحرف ويبدّل العهد ويغيّر الميثاق الذي قطعه على نفسه (وما بدّلوا تبديلا).

إنّهم لم ينحرفوا قيد أنملة عن خطّهم، ولم يألوا جهداً في سبيل الله، ولم يتزلزلوا لحظة، بعكس المنافقين أو ضعاف الإيمان الذين بعثرتهم عاصفة الحوادث هنا وهناك وأفرزت الشدائد في أدمغتهم الخاوية أفكاراً جوفاء خبيثة... إنّ المؤمنين وقفوا كالجبل الأشمّ وأثبتوا أنّ العهد الذي عاهدوا به لا يقبل النقض أو التراجع عنه.

ترشدنا الاية إلى دروس منها:

  •  إن للإيمان بالله تعالى والتسليم لأمره مراتب ودرجات فهناك من يبحث عن الرفاه والراحة في حياة الدنيا وهناك من يبحث عن الشهادة والسعادة في الأخرة .
  •  الدفاع عن الحق حتى الشهادة دليل على صدق الإيمان بالله تعالى .
  •  إنتظار الشهادة صفة حسنة من صفات المؤمنين الاستعداد والتهيؤ للقاء الله تعالى .
  •  لا بد للإيمان أن يقترن بالعمل والعمل بما يقتضيه علامة صدقه .

 

والان آيها الكرام إليكم تلاوة الاي 24 و25 من سورة الاحزاب:

لِّيَجْزِيَ اللَّـهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴿٢٤﴾

 وَرَدَّ اللَّـهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا ۚ وَكَفَى اللَّـهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ ۚ وَكَانَ اللَّـهُ قَوِيًّا عَزِيزًا ﴿٢٥﴾

وتبيّن الآية 24 النتيجة النهائية لأعمال المؤمنين والمنافقين في جملة قصيرة، فتقول: (ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذّب المنافقين إن شاء) فلا يبقى صدق المؤمنين وإخلاصهم ووفائهم بدون ثواب، ولا ضعف المنافقين وإعاقاتهم بدون عقاب.ومع ذلك، ولكي لا يغلق طريق العودة والإنابة بوجه هؤلاء المنافقين المعاندين، فإنّ الله سبحانه قد فتح أبواب التوبة أمامهم بعبارة: (أو يتوب عليهم) – فيما لو تابوا - ووصف نفسه بالغفور والرحيم (إنّ الله كان غفوراً رحيماً) ليحيي فيهم الحركة نحو الإيمان والصدق والإخلاص والوفاء بالتزاماتهم أمام الله والعمل بمقتضاها.

وتطرح الآية الأخيرة من هذه الآيات - والتي تتحدّث عن غزوة الأحزاب وتنهي هذا البحث - خلاصة واضحة لهذه الواقعة في عبارة مختصرة، فتقول في العبارة الاُولى: (وردّ الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً).

"الغيظ" يعني (الغضب) ويأتي أحياناً بمعنى (الغمّ)، وهنا جاء مزيجاً من المعنيين، فإنّ جيوش الأحزاب قد بذلت قصارى جهدها للإنتصار على جيش الإسلام، لكنّها خابت، ورجع جنود الكفر إلى أوطانهم يعلوهم الغمّ والغضب.

والمراد من "الخير" هنا الإنتصار في الحرب، ولم يكن إنتصار جيش الكفر خيراً أبداً، بل إنّه شرّ، ولمّا كان القرآن يتحدّث من وجهة نظرهم الفكرية عبّر عنه بالخير، وهو إشارة إلى أنّهم لم ينالوا أيّ نصر في هذا المجال.

وتضيف في العبارة التالية: (وكفى الله المؤمنين القتال) فقد هيّأ عوامل بحيث إنتهت الحرب من دون حاجة إلى إلتحام واسع بين الجيشين، ومن دون أن يتحمّل المؤمنون خسائر فادحة، فإنّ الضربة التي أنزلها علي بن أبي طالب (ع) بأعظم بطل من أبطالهم، وهو "عمرو بن عبد ودّ"، قد تسبّبت في تبدّد أحلامهم وآمالهم، ودفعتهم إلى أن يلملموا أمتعتهم ويتركوا محاصرة المدينة ويرجعوا إلى قبائلهم تقدمهم الخيبة والخسران.

تقول الآية في آخر مقطع منها: (وكان الله قويّاً عزيزاً) فمن الممكن أن يوجد اُناس أقوياء، لكنّهم ليسوا بأعزّاء لا يُقهرون، بل هناك من يقهرهم ومن هو أقوى منهم،

نستلهم هاتين الايتين دروسا نشير الى بعض منها:

  •  للمصائب والابتلاءات هدف وهو تنمية الاستعدادات و فتح الباب أمام الانسان لنيل الثواب من خلال السعي وبذل الجهد .
  •  مكافأة الصادقين سبب لترغيب الاخرين في الصدق والعمل به .
  •  لا عمل بلا ثواب أو عقاب لا صدق الصادقين ولا نفاق المنافقين
  • إن اللطف الالهي ليس ببعيد حتى عن المنافقين شريطة أن يتوبوا إلى الله .
  •  ينبغي علي المؤمن إن لا يعول كثيرا على الحسابات الدنيوية المادية وأن لا يغفل عن الإمداد الإلهي الذي بيد الله تعالى .

 

إلى هنا وتنتهي حلق اخرى من حلقات برنامج نهج الحياة .. الذي قدمناه لكم من طهران ... حتى الملتقى نستودعكم الرعاية الالهي والسلام عليكم ورحمة الله.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة