البث المباشر

تفسير موجز للآيات 7 الى 11 من سورة لقمان

الأحد 12 إبريل 2020 - 18:38 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- نهج الحياة: الحلقة 744

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي جعل القران ضياء ونورا وهدى للعالمين ورصل الله على أشرف الخلق أجمعين محمد واله الطاهرين . نحن معكم في حلقة جديدة من برنامج نهج الحياة لنستنير بهدي الايات السابعة حتى الحادية عشرة من سورة لقمان المباركة في البداية نصغي إلى تلاوة الاية السابعة خاشعين:

 وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّىٰ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا ۖ فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴿٧﴾

ايها الاحبة أن مفردة " الوقر" هي بمعنى الثقل و"الوقار" هو صفة في الشخص الذي له مكانة بين الناس و قوله "كأن في أذنيه وقرا" بمعنى ثقلا يمنعه من السماع .

لقد جرى الحديث في الحلقة الماضية عن اولئك الذين يبثون الكلام الفارغ والباطل فيما بين الناس سعيا منهم لإلهاء الناس من قبول الحق والرضوخ له و في هذه الاية يجري الحديث عن صنف من الناس ليسوا مستعدين بأن يسمعوا كلام الله بل إنهم يعرضون عن القران حينما يتلى عليهم وكأنهم لم يسمعوا لأي كلام فلا يرجى من هؤلاء أن يفكروا في الايات ويتدبروا معانيها . ثم تشير الاية إلى أن سبب هذا الإعراض لا شيء سوى التكبر والأنانية . فقد كانوا يرون أنفسهم أعلى بكثير من رسول الله لذلك لم يصغوا إلى قوله و ما حمله من كلام الله لهم .

ولذا فإن المستفاد من هذه الاية أن الشخصيات المتكبرة لا تملك الاستعداد لسماع الحق . فكيف بالاستماع اليه والتفكير فيه والتسليم له بعد القناعة بكونه حقا و صدقا .

إنّ التعبير بـ (ولّى مستكبراً) إشارة إلى أنّ إعراضه لم يكن نابعاً من تضرّر مصالحه الدنيويّة والحدّ من رغباته وشهواته فحسب، بل إنّ الأمر أكبر من ذلك، فإنّ فيه دافع التكبّر أمام عظمة الله وآياته، وهو أعظم ذنب فيه.

ما نستلهمه من الاية المباركة هي كالتالي :

  •  إن الاستماع إلى لهو الحديث يسلب من الإنسان الاستعداد للتسليم للحق لأنه وبحسب الاية " ولى مستكبرا".
  •  بعض الأفراد لا يخضع لايات الله بأي لسان وكيفما جاءت به و هذا ما يدلنا اليه قوله اياتنا .
  •  إن التكبر والتعالي على الحق يمنع الإنسان من قبول الحق والحقيقة .
  • عدم الاستماع إلى كلام الحق يدل على وجود الكبر في الانسان .

اما الان فلنصغ إلى تلاوة الاية 8 و9 من سورة لقمان المباركة:

 إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ ﴿٨﴾

 خَالِدِينَ فِيهَا ۖ وَعْدَ اللَّـهِ حَقًّا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿٩﴾ 

تعود هاتان الآيتان إلى شرح وتبيان حال المؤمنين الحقيقيّين، وقد بدأت السورة في مقارنتها هذه بذكر حالهم أوّلا ثمّ ختمت به في نهاية هذا المقطع أيضاً، فتقول: (إنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنّات النعيم).

أجل، إنّ هذه الفئة على عكس المستكبرين والضالّين المضلّين الذين لا يرون آثار قدرة الله في عالم الوجود، ولا يصغون إلى كلام أنبياء الله.

إنّ هؤلاء يؤمنون بحكم العقل الواعي، والعين البصيرة، والاُذن السامعة التي منحهم الله إيّاها، يؤمنون بآيات الله ويعملون بها صالحاً، فما أجدر أن يكون لاُولئك العذاب الأليم، ولهؤلاء جنّات النعيم! والأهمّ من ذلك أنّ هذه الجنان الوافرة النعم خالدة لهؤلاء (خالدين فيها وعد الله حقّاً) والله سبحانه لا يعد كذباً، وليس عاجزاً عن الوفاء بوعوده (وهو العزيز الحكيم).

وثمّة مسألة تستحقّ الدقّة، وهي أنّه قد ورد العذاب في حقّ المستكبرين بصيغة المفرد، وفي شأن المؤمنين الذين يعملون الصالحات جاءت "الجنّات" بصيغة الجمع، وذلك لأنّ رحمة الله عزّوجلّ وسعت غضبه.

والتأكيد على الخلود ووعد الله الحقّ، تأكيد أيضاً على سعة هذه الرحمة، وتفوّقها على الغضب.

نستلهم من الايتين المباركتين بعض الدروس منها:

  • الجنة هبة خاصة لأهل الإيمان والعمل الصالح .
  •  إن الإيمان مع العمل الصالح شرط لنيل النعم والألطاف الإلهية .
  •  الوعد الإلهي بالثواب هو صدق وحق .
  •  إن قدرة الله وعزته تتحققان على أساس الحكمة الإلهية .
  •  ان البشارة الالهية بالجنة للمؤمنين الصابرين مكافأة لهم امام كل ما عانوه من استهزاء المستكبرين واستضعافهم بحقهم .

 

و الان ايها الاكارم نصغ الي الايتين 10 و11 من سورة لقمان المباركة .

خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ۖ وَأَلْقَىٰ فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ ۚ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ ﴿١٠﴾ 

هَـٰذَا خَلْقُ اللَّـهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ ۚ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ﴿١١﴾

ايه الكرام استمرارا للبحث حول القرآن والإيمان به في الآيات السابقة، تتحدّث الآيتان عن أدلّة التوحيد الذي هو أهمّ الاُصول العقائدية.

تشير الآية الاُولى إلى خمسة أقسام من مخلوقات الله التي ترتبط مع بعضها إرتباطاً وثيقاً لا ينفصل، وهي: خلق السماء، وكون الكواكب معلّقة في الفضاء، وخلق الجبال لتثبيت الأرض، ثمّ خلق الدواب، وبعد ذلك الماء والنباتات التي هي وسيلة تغذيتها، فتقول: (خلق السماوات بغير عمد ترونها). إنّ هذا التعبير إشارة لطيفة إلى قانون الجاذبيّة الذي يبدو كالعمود القويّ جدّاً، إلاّ أنّه غير مرئيّ، ويحفظ الأجرام السماوية.

ثم تشيرالاية الي الجبال وتتحدث عن أنها وسيلة لتثبيت الأرض، وقد تثبت هذه الحقيقة اليوم من الناحية العلميّة آيضا . و بعد ذلك يأتي دورخلق الكائنات الحيّة وإستقرارها، بحيث تستطيع أن تضع أقدامها في محيط هاديء مطمئن، فتقول: (وبثّ فيها من كلّ دابّة).

إنّ التعبير بـ (من كلّ دابّة) إشارة إلى تنوّع الحياة في صور مختلفة، إبتداءً من الكائنات الحيّة المجهرية والتي ملأت جميع الأرجاء إلى الحيوانات العملاقة والمخوفة وكذلك الحيوانات المختلفة الألوان، والمتفاوتة الأشكال التي تعيش في الماء والهواء من الطيور والزواحف، والحشرات المختلفة وأمثالها، والتي لكلّ منها عالمها الخاصّ تعكس الحياة في مئات الآلاف من المرايا.

بعد ذكر عظمة الله في عالم الخلقة، وذكر صور مختلفة من المخلوقات، وجّهت الآية الخطاب إلى المشركين، وجعلتهم موضع سؤال وإستجواب، فقالت: (هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذي من دونه) ؟!

من المسلّم أنّ اُولئك لم يستطيعوا ادّعاء كون أيّ من المخلوقات من خلق الأصنام، وعلى هذا فإنّهم كانوا يقرّون بتوحيد الخالق، مع هذا الحال كيف يستطيعون تعليل الشرك في العبادة؟! هذا لأنّ توحيد الخالق دليل على توحيد الربّ وكون مدبّر العالم واحداً، وهو دليل على توحيد العبوديّة. لذلك اعتبرت الآية عمل اُولئك منطبقاً على الظلم والضلال، فقالت: (بل الظالمون في ضلال مبين).

ثمّ إنّ هذا التعبير يتضمّن إشارة لطيفة إلى إرتباط "الظلم" و "الضلال"، لأنّ الإنسان عندما لا يعرف مكانة الموجودات الموضوعية في العالم، أو يعرفها ولا يراعيها، ولا يرى كلّ شيء في مكانه، فمن المسلّم أنّ هذا الظلم سيكون سبباً للضلالة والضياع.

تعلمنا الايتان الدروس التالية:

  • لابد من استخدام بعض النماذج الملموسة في الحوار والبحث .
  • لابد أولا من بيان طريق الحق ثم بعد ذلك توجيه النقد الى منكري الحق.
  • من طرق معرفة الله المقارنة بين قدرته وقدرة غيره
  • لا ينبغي ان ننصت للدعاوى فقط بل علينا ان نعتمد على دليل وبرهان لذلك .
  • العناد في مقابل الحق ظلم ، فالظالمون يرون الاثار كافة و لكنهم يصرون على عداوتهم لله و مع طريق الحق .
  • من يذهب الى غير الله هم اهل الضلال وهم الظالمون .
  • الانحراف شرك وهو ظاهر لا يخفى على احد .

 

ايها الكرام نكتفي بهذا المقدار من الحديث عن تعاليم الاية الحادية عشرة من سورة لقمان عسى ان نوفق في الحلقة القادمة من برنامج نهج الحياة ان نواصل استعراض الايات التالية من هذه السورة المباركة . حتى الملتقى نستودعكم الله و السلام عليكم ورحمة الله .

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة