البث المباشر

تفسير موجز للآيات 83 الى 86 من سورة يوسف

الإثنين 24 فبراير 2020 - 15:22 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- نهج الحياة: الحلقة 390

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على الصادع بالشرع القويم سيدنا ومولانا أبي القاسم المصطفى محمد وآله الهداة المهديين.

السلام عليكم أيها الأخوة والأخوات، ها نحن واياكم في حلقة أخرى من سلسلة حلقات نهج الحياة.

ونبدأ بتفسير الآيتين الثالثة والثمانين والرابعة والثمانين من سورة يوسف (ع) بعد الاستماع الى تلاوتهما:

قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا ۖ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ عَسَى اللَّـهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴿٨٣﴾

 وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَىٰ عَلَىٰ يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ ﴿٨٤﴾ 

في الحلقة الماضية من هذا البرنامج ذكرنا أن أخوة يوسف عليه السلام قد عادوا الى أبيهم من دون بنيامين هذه المرة. وإنهم لما سئلوا عن بنيامين قالوا إنه سرق واحتجز من أجل ذلك رهينة.

ويتوضح لنا من هذا النص أن سيدنا يعقوب عليه السلام قال لأولاده لقد زينت لكم أنفسكم عمل السوء هذه المرة كذلك وأنه لابد لي علاوة على فراق يوسف أن أحترق أسى ولوعة على فراق بنيامين أيضا.

لكن ليس أمامي إلا الصبر، أجل أصبر على ما أصابني وأسأل الله تعالى أن يجمع شملنا أنا وولدي.

إن الصبر هو من حسن الخصال وهو من صفات الأنبياء عليهم السلام والمؤمنين كيف لا والله تعالى يقول –واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور- إلا أن صبر يعقوب هنا كان مقرونا بالحزن والأسى وأنه عليه السلام من كثرة بكائه على ولديه ابيضت عيناه.

والى الدروس المستقاة من هذا النص القرآني الشريف فهي:

  •  إن على المؤمن الصبر عند نزول البلاء فهذا البلاء هو اختبار رباني وامتحان إلهي وإن الله تعالى عالم بحالات الانسان ومديات تحمله الصعاب.
  • البكاء في فراق الأعزاء أمر طبيعي، وأولياء الله ماكانوا ينأوون عن مثل هذا.
  •  إن سيدنا يوسف عليه السلام كانت له المكانة السامية والشأو الرفيع في نفس أبيه سيدنا يعقوب عليه السلام الذي فقد بصره حزنا لما أخبر عما جرى لبنيامين تذكر يوسف (ع) وأسال الدمع الغزير من مقلتيه.

والى الآية الخامسة والثمانين من سورة يوسف:

قَالُوا تَاللَّـهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّىٰ تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ ﴿٨٥﴾

إن من الواضح أن احتجاز بنيامين في مصر قد جدد من حزن سيدنا يعقوب على يوسف عليهما السلام حتى أن لسان الأب المفجوع كان يلهج بذكر الولد المفقود. هنا أخذت الغيرة تشور مرة أخرى في نفوس إخوة يوسف عليه السلام.

هنا قال أبناء يعقوب لأبيهم ماجدوى الحزن على يوسف وهل لك من بعد ذلك إلا المرض والعجز؟ لكن من يذوب في عشق يوسف عليه السلام هو من يعرف كماله وجماله، كمال النفس وجمالها إضافة الى جمال الطلعة، وسيدنا يعقوب كان على علم بذلك، أما أبناؤه فقد أعمى الحسد أعينهم عن رؤية يوسف عليه السلام بكماله وجماله. وما نتعلمه من هذا النص هو:

  •  أن يعقوب عليه السلام كان يحب يوسف عليه السلام حبا جما ومن هنا كان يذكر ولده على الدوام ولكي نعرف مدى حبنا نحن لله تعالى لابد أن نرى الى أي مدى نحن نذكر ربنا سبحانه وتعالى.
  •  إن فراق المحبوب يصعب كثيرا على الإنسان، لكن إذا كان العشق حقيقيا.

ويقول ربنا تبارك وتعالى في الآية السادسة والثمانين من سورة يوسف:

 

قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّـهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّـهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴿٨٦﴾

 

 

يستفاد من آيات الذكر الحكيم أن أولياء الله تعالى لايشكون إلا إليه تباركت أسماؤه، وأنهم عليهم السلام يتوقعون الفرج بعد الشدة من لدن الباري القادر المتعال.

وفي قصص الأنبياء عليهم السلام تطالعنا نماذج من هذا الخلق النبوي الشريف، ذلك أن نبي الله موسى عليه السلام شكى الى الله فقره وفاقته أما نبي الله أيوب عليه السلام فقد شكى الى الله مرضه.

وهنا نلاحظ أن يعقوب عليه السلام يشكو الى الله من ألم فراق ولده يوسف عليه السلام.

إن العطاء الإلهي في عرف الانبياء عليهم السلام هو من لطف الذات المقدسة الربوبية، أما إذا ما أخذ منهم شيء فذلك من حكمة الله تعالى وهو تبارك أسماؤه وجلت آلاؤه علام الغيوب.

إذن في كلا الحالتين لابد من كسب الرضا الله تعالى والتوجه اليه في الشدائد والإنابة اليه جلت قدرته وبالنسبة الى سيدنا يعقوب فإنه عليه السلام كان يعلم علم اليقين أن يوسف عليه السلام حي يرزق الى الرؤيا التي كان يوسف (ع) قد رآها وقصها على أبيه ولو كان يعلم أن ولده قد مات لسلم أمره إلى الله وألبس نفسه ثوب السكينة ونزع عنها ثياب الألم، وما نستفيده هنا:

  •  لا تشكو حاجتك الى عموم الناس فهذا أمر مذموم، إما أن تتوجه الى بارئك واوليائه والمؤمنين، فهذا امر مطلوب لأنه من نهج الأنبياء عليهم السلام.
  • لا ينبغي أن ييأس الإنسان من لطف الله تعالى، على أن مد جسور الأمل الى شواطئ المستقبل هو عمل محمود وهو من سيرة الرسل والأنبياء عليهم السلام.

نسأل الله جلت قدرته أن يوفقنا للعمل الصالح ويوفقنا لمراضيه ويجعل مستقبل أمرنا خيرا من ماضيه.

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على الهادي الأمين وآله الطاهرين والسلام خير الختام.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة