البث المباشر

همسات في شغاف القلب- النصيحة

الأحد 10 نوفمبر 2019 - 09:08 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- همسات في شغاف القلب: الحلقة 19

الحمد لله المنعم الوهاب، وافضل الصلاة وأزكاها على النبي المصطفى وآله الأطياب.
اخوتنا المستمعين الاعزاء ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً بكم في لقائنا المتجدد هذا معكم، وحديث جديد آخر، يدور حول خلق كريم ينم عن محبة الانسان للآخرين، وحرصه على‌ خيرهم وصلاحهم وسلامتهم من الآفات والذنوب والنكبات، ذلك هو «النصيحة» و هي تنطوي عن معان طيبة، عن المودة والاخلاص، والحكمة.
فالنصيحة - أيها الاخوة الاكارم- هي التحذير من الخطأ أو تداركه لازالة الحالة القبيحة أو سترها، واعادة ‌السلامة الى السلوك القويم، فردياً او اجتماعياً. والناصح الذي يهتم بصلاح الآخرين، يحقق مصداق اسلاميته، لقول النبي الاكرم «صلى الله عليه وآله»: من اصبح ولم يهتم بأمور المسلمين، فليس منهم.
والنصيحة - الى ذلك- معبرة عن الايمان والتقوى، لأنها استجابة لداعي الله تبارك وتعالى بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فبالنصيحة يودي الناصح فريضةً واجبةً وتكليفاً شرعياً يقع على عاتقه تجاه أسرته واخوته في الله تعالى.
قال الامام محمد الباقر عليه السلام: «يجب للمؤمن على المؤمن النصيحة».. ومن قبل كانت النصيحة مهمة الانبياء والاوصياء صلوات الله عليهم أجمعين.
قال تعالى على‌ لسان نوح(ع): «أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم» (الاعراف: ٦۲)
وعلى لسان هود(ع): «ابلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح امين» (الاعراف: ٦۸)
وعلى يلسان صالح(ع): «لقد ابلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم» (الاعراف: ۷۹)
والنصيحة في كل ذلك هي الاخلاص، وهي أيضاً اشفاق على الناس...
قال امير المؤمنين علي عليه السلام: «أشفق الناس عليك، أعونهم لك على صلاح نفسك، وأنصحهم لك في دينك».

 

وفي داخل الأسرة - أيها الاخوة الافاضل- حيث المحبة والاخلاص والغيرة، لابد من التناصح، فلا يبخل الاب باسداء نصائحه الى أولاده، يعلمهم الآداب والاحكام الشرعية، وينبه زوجته الى المسائل التربوية المهمة، وكذا يكون التناصح بين الاخوة والاخوات، وبين الاقرباء والاصدقاء.. ولكن هنا - اخوتنا الاعزة الكرام- لابد أن يتحلى الناصح ببعض الصفات والشروط، لكي تكون نصيحته نافعةً ومؤثرةً ومثمرة، له ولاخوانه... من ذلك:
أن يكون صادقاً حسن النية في نصيحته، لا يبتغي اهانة ‌المقابل او تضعيف شخصيته، أو الانتقام منه والتسلط عليه.
وان يسبق الناصح نصيحته، بأن يحاسب نفسه وينصحها قبل الآخرين، يقول الامام علي عليه السلام: «من نصب نفسه للناس اماماً فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه».
فيكون النصح بالعمل - أيها الاخوة- قبل النصح باللسان.
وعلى الناصح أن يكون عالماً بصحة ما ينصح به، مميزاً بين الحق والباطل، والخير والشر، والحرام والحلال، قبل أن يبادر الى النصيحة، والا أمر بالمنكر ونهى عن المعروف جهلاً منه بالاحكام والآداب.
ثم عليه أن يكون عاقلاً ‌حكيماً، يعرف متى وأين يسدي نصيحته ويدلي بتوجيهه، وفي أي حالة، فربما أخطأ في التوقيت فلم تقبل منه نصيحته، يقول الشاعر:

تعمدني بنصحك في انفرادي

وجنبني النصيحة في الجماعة

فإن النصح بين الناس نوع

من التوبيخ.. لا أرضى استماعه

فإن خالفتني وعصيت أمري

فلا تغضب اذا لم تعط طاعة!

والاسلوب ايها - الاخوة الاحبة- له دور مهم وكبير في نجاح النصيحة وابلاغها الى قلوب الآخرين، فاذا كان الناصح ذا اسلوب ذكي حكيم، عرف كيف يبدأ ويدخل في الموضوع، وكيف يختار المبادرة ومتي، وكيف يختار العبارات المناسبة للمنصوح ما يتلائم مع الموضوع المطروح، فيفتح قلبه، ثم يصب فيه الحكمة والموعظة الحسنة... فالقلب هو الطريق الاسهل الى العقل، هذا مع مراعاة الامزجة والاعتبارات الخاصة للناس ومستوى عقولهم وأخلاقهم.
اما المنصوح، فينبغي عليه أن يتحلى بخصال تعينه على الاستفادة من النصيحة التي يقدمها له والده أو اخوانه وأصدقاؤه، من ذلك: أن يقبل النصيحة من كل أحد، اذا شعر أنها تنفعه، فلا يهمه ان كان الناصح غريباً او صغيراً، او غير مؤمن متقي ...
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: «كلمة الحكمة ضالة المؤمن، فحيث وجدها فهو احق بها». وقال الامام علي عليه السلام: «الحكمة ضالة كل مؤمن، فخذوها ولو من أفواه المنافقين».
ثم على المنصوح أن يكون صابراً متواضعاً، لكي ينتفع بالنصائح الملقاة. وأن يكون رحب الصدر وسيعه، مهياً النفس لقبول النصيحة، كيما يوفق لأخذها... قال الامام الصادق عليه السلام: لا يستغني المؤمن عن خصلة وبه الحاجة الى ثلاث خصال: توفيق من الله عزوجل، وواعظ من نفسه، وقبول ممن ينصحه. تلك هي الغنيمة يحصل عليها ويفوز بها من كان منصتاً لناصحه، مطيعاً لتوجيهاته، ينصح أمير المؤمنين عليه السلام فيقول: «عليك بمجالسة أصحاب التجارب، فانها تقوم عليهم بأغلى الغلاء، وتأخذها منهم بأرخص الرخص». ويقول عليه السلام: «من أمرك باصلاح نفسك، فهو احق من تطيعه». وفي احدى وصاياه... قال الامام الهادي عليه السلام: «من جمع لك وده ورأيه، فاجمع له طاعتك».
وكم من نصيحة - أيها الاخوة المؤمنون- أقالت عثرة، وسترت عيباً، وتداركت خطأً، وحلت مشكلة، وطردت وهماً وشكاً وشبهة واقامت حجة‌ وابعدت نظرةً سقيمة، وفتحت آفاقاً في سماء الخير والهداية، وزرعت محبةً الفةً بين الأهل والاخوان والأرحام، واصلحت ذات البين، وقربت بين الغرباء والمتخاصمين، ودفعت الى العلم النافع والعمل الصالح، وأنعشت القلوب والنفوس بالايمان والتقوى.

 

الراوي: لما وصل هارون الرشيد الكوفة... خرج أهلها للنظر اليه وهو في هودج عال في ابهة السلطة وغطرستها، لكن بهلول لم يعبأ به.
بهلول: يا هارون! يا هارون!
هارون: من هذا المتجري علينا؟!
الحرس: انه البهلول يا أمير المؤمنين.
هارون: لأرى من هو بهلول.
بهلول: يا أمير المؤمنين، روينا بالاسناد الى قدامة عن عبدالله العامري قال:‌ رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله يرمي جمرة العقبة، لا ضرب أحداً ولاطرد، ولا قال للناس: اليك اليك. وتواضعك يا هارون في سفرك هذا، خير لك من أن تتكبر.
هارون: نعم جيد ما تقوله يا بهلول.
بهلول: أيما رجل آتاه الله مالاً وسلطاناً، وأنفق ماله، وعدل في سلطانه كتب في ديوان الله من الابرار.
هارون: خذ هذه جائزتك.
بهلول: لا حاجة لي في جائزتك، ردها الى من أخذتها منه.
هارون: أفنجري لك يا بهلول رزقاً شهرياً يقوم بحالك؟
بهلول: يا هارون، انا وانت عيال الله فمحال أن يذكرك وينساني!
الراوي: بنى بعض ملوك بني اسرائيل داراً، تكلف في سعتها وزينتها، ثم أمر ان يسأل عن عيبها، فلم يعبها أحد الا ثلاثة من العباد، وكان أحدهم قد أدخل عليه، فسأله الملك:
الملك: ايها العابد، ما في هذا القصر من عيب؟
العابد: أيها الملك، ان في قصرك هذا عيبين.
الملك: وما هما بالله عليك؟!
العابد: الاول: أنه يخرب، والثاني: أن صاحبه يموت!
الملك: وهل يسلم من هذين العيبين دار؟!
العابد: أجل ايها الملك، يسلم منهما دار الآخرة.
الراوي: فترك الملك ملكه، وتعبد مع اولئك العباد الثلاثة، ثم ودعهم بعد مدة، فتعجبوا وسألوه عن سبب رغبته في فراقهم، وهل رأى منهم ما يكره؟ فأجابهم: ولكنكم عرفتموني، فأنتم تكرمونني، وقد رغبت في صحبة من لا يعرفني!

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة