البث المباشر

همسات في شغاف القلب- الخوف والرجاء

الأحد 10 نوفمبر 2019 - 09:31 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- همسات في شغاف القلب: الحلقة 23

الحمد لله الاول قبل الانشاء والاحياء، والآخر بعد فناء الاشياء، وافضل صلواته على سيد الانبياء، وعلى آله الاوصياء.
ايها الاخوة الاعزة... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، واهلاً بكم في هذا اللقاء الطيب معكم، وحديث آخر في موضوع مهم، وهو: الخوف والرجاء.
والخوف من الله تعالى هو تألم النفس خشية من سخط الله وعقابه من جراء معصية او مخالفة. وهو من خصائص الاولياء وسمات المتقين، وباعث على الصلاح والتوبة. قال الرسول المصطفى صلى الله عليه وآله: «اعلى الناس منزلةً عند الله اخوفهم منه»، وقال امير المومنين عليه السلام: «الخوف جلباب العارفين». ومن هنا ايها الاخوة الاكارم نقرأ قوله تعالى: «انما يخشى الله من عباده العلماء» (سورة ‌فاطر: ۲۸) ونسمع النبي الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم انه قال: «من كان بالله اعرف، كان من الله اخوف».
وقد تكرر مدح الخائفين في كتاب الله العزيز، وكان من ذلك قوله جل وعلا: «ان الذين يخشون ربهم بالغيب، لهم مغفرة واجر كبير» (سورة الملك).
«واما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى / فان الجنة هي الماوى» (النازعات: ٤۰-٤۱)
وفي ظل قوله تعالى: «ولمن خاف مقام ربه جنتان» (سورة الرحمان: ٤٦). قال الامام الصادق (عليه السلام): «من علم ان الله يراه ويسمع ما يقول، ويعلم ما يعمله من خير او شر، فيحجزه ذلك عن القبيح من الاعمال فذلك الذي خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى».
وهنا لابد ايها الاخوة‌ من الاشارة الى ضرورة الاعتدال في الخوف، حسناً للظن بالله عزوجل، فالافراط في الخوف يودي الى الياس والتفريط يبعث على الاهمال والتقصير والتمرد على طاعة الباري جل جلاله... لذا يوصي الامام جعفر الصادق سلام الله عليه فيقول: «ارج الله رجاءً لا يجرئك على معاصيه، وخف الله خوفاً لا يؤيسك من رحمته».
اخوتنا الافاضل... قد يرغب احدنا بعد هذا ان يتعرف على النصائح التي لو عمل بها استشعر الخوف من الله جلت عظمته، نعم... يوصي علماء الاخلاق ان يسعى المومن في تركيز الاعتقادات الحقة في قلبه... من الايمان بالله تعالى ومفهوم المعاد والحساب والثواب والعقاب والتأمل في آيات الجنة والنار، فالله تعالى يقول: «انما المؤمنون الذين اذا ذكر الله وجلت قلوبهم، واذا تليت عليهم آياته زادتهم ايماناً وعلى ربهم يتوكلون» (الانفال: ۲).
ولابد لمن يريد ان يستشعر الخشية من الله جلت قدرته ان ينصت بقلبه الى المواعظ البليغة للقرآن الكريم والاحاديث النبوية الشريفة، وحكم اهل البيت عليهم السلام ووصاياهم... وان يتفكر في حالات الانبياء والاوصياء عليهم السلام وكذا الصالحين والاولياء، كيف كانت ضراعاتهم وتلك مناجاة الامام زين العابدين علي بن الحسين صلوات الله عليهما اذ يقول فيها:
«ما لي لا ابكي! ولا ادري ما يكون مصيري، وارى نفسي تخادعني، وايامي تخاتلني، وقد خفقت عند راسي اجنحة الموت، فما لي لا ابكي، ابكي لخروج نفسي، ابكي لظلمة قبري، أبكي لضيق لحدي، ابكي لسوال منكر ونكير اياي، ابكي لخروجي من قبري عرياناً ذليلاً، حاملاً ثقلي على ظهري...».
والسؤال المطروح ما هو مصداق الخوف من الباري تعالى، وما علامته؟ قال الامام علي (عليه السلام): «من رجا شيئاً طلبه، ومن خاف شيئاً هرب منه ما ادري ما خوف رجل عرضت له شهوة فلم يدعها لما خاف منه! وما ادري ما رجاء رجل نزل به بلاء فلم يصبر عليه لما يرجو!».
وقال الامام الصادق (عليه السلام): «لا يكون العبد مومناً حتى يكون خائفاً راجياً، ولا يكون خائفاً راجياً حتى يكون عاملاً لما يخاف ويرجو».
واما الرجاء ايها الاخوة الاحبة فهو انتظار امر محبوب تمهدت اسباب حصوله كمن زرع بذراً في ارض طيبة ورعى ذلك البذر بالسقي والمداراة فرجا منه النتاج والنفع.
وهذا الرجاء‌ اذا تساند مع الخوف، تعادلت حالة الانسان وتوازنت فلا يجرؤ على الذنوب خوفاً من سخط الله وعذابه ولا ييأس من رحمة الله تعالى املاً برحمته ورافته بعباده.. وهو بين هذا وذاك يعمل بالطاعات وينتهي عن المحرمات. وقد قيل: ان الرجاء اعذب مورداً واحلى مذاقاً من الخوف، لصدور الرجاء وانبعاثه عن الثقة بالله جل وعلا، وقد جاء في محكم التنزيل المجيد قوله عز من قائل:
«قل يا عبادي الذين اسرفوا على انفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ان الله يغفر الذنوب جميعاً، انه هو الغفور الرحيم» (سورة ‌الرمز: ٥۳).
«ولا تيأسوا من روح الله انه لا ييأس من روح الله الا القوم الكافرون» (سورة يوسف: ۸۷) وقد رأى امير المومنين عليه السلام رجلاً اخرجه الخوف الى القنوط لكثرة ذنوبه، فقال عليه السلام له: «ايا هذا! يأسك من رحمة ‌الله، اعظم من ذنوبك».
ونقرأ في سورة الانعام قوله تعالى: «واذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة‌ انه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فانه غفور رحيم» (الانعام: ٥٤).
فالرجاء علامة الاعتقاد بسعة رحمة الله وعظيم عفوه، وعلامة‌ حسن الظن بالله الكريم وهو القائل في حديث قدسي جليل: «انا عند ظن عبدي بي ان خيراً فخير وان شراً فشر».
ثم ان المؤمن الموالي له عظيم رجاء بشفاعة من يحب ويكرم ويوالي، وهم محمد وآل محمد صلوات الله عليه وعليهم. روى الزمخشري في (الكشاف) والفخر الرازي في (التفسير الكبير) والثعلبي في (عرائس المجالس) ... ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال: «الا من مات على حب آل محمد مات شهيداً. الا ومن مات على حب آل محمد مات مغفوراً له.. الا ومن مات على حب آل محمد بشره ملك الموت بالجنة، ثم منكر ونكير».
نعم ايها الاخوة الحذر الحذر من ان ياخذنا الغرور او التمادي في المعاصي بسبب الرجاء، فعلينا الاعتدال والتوازن والعمل في الطاعات والخوف من الذنوب ثم عقد الآمال برحمة الله تعالى وعطفه... فقد جاء قول الله تعالى في الحديث القدسي: «لا يتكل العاملون على اعمالهم التي يعملون بها لثوابي، فانهم لو اجتهدوا واتعبوا انفسهم اعمارهم في عبادتي كانوا مقصرين غير بالغين في عبادتهم كنه عبادتي فيما يطلبون من كرامتي والنعيم في جناتي، ورفيع الدرجات العلى في جواري... ولكن برحمتي فليثقوا، وفضلي فليرجوا، والى حسن الظن بي فليطمئنوا فان رحمتي عند ذلك تدركهم، وبمني ابلغهم رضواني والبسهم عفوي فاني انا الله الرحمان الرحيم، بذلك سميت».
الراوي: دخل احد الحكماء على الحاكم المهدي العباسي وكان ظالماً قاسياً، فتظاهر انه يحب الموعظة ... فقال له الحكيم:
الحكيم: أليس هذا الكرسي الذي تحكم عليه، قد جلس عليه ابوك وعمك قبلك؟!
العباسي (باذعان): نعم.. نعم
الحكيم: الم تكن لهم اعمال تخاف انت عليهم الهلكة منها؟
العباسي: اجل .. اجل
الحكيم: اذن، فانظر ما خفت عليهم منه فاجتنبه، وما رجوت لهم فآته... والا فما رجاؤك؟!
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها!
ان السفينة لا تجري على اليبس
الراوي: كان عبد الله بن عباس الصحابي المعروف، يكرم شاباً يعمل في حفر القبور للمسلمين فعوتب على ذلك، لان العمل في حفر القبور مكروه فقال ابن عباس لهم اذا خرج هذا الشاب الى القبور فاعلموني.
فخرج الشاب في بعض الليالي يتخلل القبور، فاخبر ابن عباس بذلك، فذهب خلفه لينظر ما يكون من امره.
الشاب (بخشوع): ويا ويحي اذا دخلت لحدي وحدي! ونطقت الارض من تحتي فقالت: لا مرحباً بك ولا اهلا! قد كنت ابغضك وانت على ظهري فكيف وقد صرت في بطني! بل ويحي اذا نظرت الى الانبياء وقوفاً، والملائكة صفوفاً، فمن عدلك غداً من يخلصني، ومن الذين ظلمتهم من يستنقذني، ومن عذاب النار من يجيرني؟!
عصيت من ليس بأهل ان يعصى، وعاهدت ربي مرةً بعد اخرى، فلم يجد عندي وفاء ولاصدقا.. آه آه!
الشاب: ها من انت.
ابن عباس: نعم النباش! نعم النباش! ما انبشك للذنوب والخطايا!
الراوي: ثم تفرقا، وحفار القبور ياخذه الخوف الى ترك المعاصي والخشية من عقاب الجبار، ودخول النار. وياخذه الرجاء الى رحمة العطوف الغفار!

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة