البث المباشر

جمال الدين الأسد آبادي

الأربعاء 30 يونيو 2021 - 16:06 بتوقيت طهران
جمال الدين الأسد آبادي

جمال الدين الأسد آبادي (١٢٥٤ - ١٣١٤ هـ ١٨٧٩ - ١٩٢٨ م) هو جمال الدين بن صفتر بن علي بن مير رضي الدين محمد الحسيني.

أعظم رواد اليقظة الإسلاميّة الحديثة، وأبو الصحوة الإسلاميّة المعاصرة، وأبرز قادة الحركة الإصلاحية الإسلاميّة، ومن طلائع المجددين للفكر الإسلامي في العصر الحديث…
هاشمي النسب، يرتفع نسبه إلى الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب (ع).
واختلف الباحثون في مولد السيد جمال الدين ونشأته وأصل أسرته. ونعتقد أن التركيز على هذه المسألة لا جدوى فيه، خاصة وأن حياته ارتبطت بكل العالم الإسلامي من شرقه في الهند إلى غربه في الشمال الأفريقي. كثير من الأوراق استدلت على أنّه إيراني من أسرة إيرانية سكنت في مدينة «أسد آباد» بمحافظة همدان، ولا يزال أفراد هذه العائلة موجودين في هذه المدينة.
في «كابل» أشرف والده على تعليمه. وعندما بلغ الثامنة عشرة من عمره كان قد درس مباديء العلوم العربية والتاريخ وعلوم الشريعة من تفسير وحديث وفقه وأصول وكلام وتصوف، والعلوم العقلية، من منطق وحكمة عملية سياسية ومنزلية وتهذيبية، وحكمة نظرية طبيعية والهية، والعلوم الرياضية من حساب وهندسة وجبر وهيئة أفلاك، وأيضا نظريات الطب والتشريح!».
وبحكم الشتات الذي فرض على أسرته، أتيحت له فرص الدراسة في «الحوزات العلمية» بالعراق، والسياحة في الهند والإقامة حيناً من الدهر في إيران - مع الأسرة المهاجرة في «أسد آباد».
ولقد أجاد من اللغات، غير العربية والفارسية والأفغانية: التركية والفرنسية، مع إلمام بالإنجليزية والروسية.
وفي ظل حكم الأمير الأفغاني الوطني «محمد أعظم خان» تولى جمال الدين منصب «الوزير الأول» - رئيس الوزراء - وقاد معارك حربية ضد الغزو الإنجليزي لبلاد الأفغان… فلما هزم «محمد اعظم خان»، وحكم خصمه، الموالي للإنجليز، «شير علي» بدأت سياحة جمال الدين في عالم الإسلام… فتنقل من الهند إلى مصر إلى الآستانة إلى الحجاز إلى العراق إلى إيران إلى روسيا إلى باريس ولندن، داعيا إلى الإحياء والتجديد للفكر الإسلامي، والى إيقاظ الأُمة الإسلاميّة من سباتها، وفك قيود الجمود والتقليد، والإقلاع من التخلف الموروث إلى النهوض الإسلامي، لمواجهة الإعصار الاستعماري الغربي الزاحف على ديار الإسلام… وكان - في سبيل ذلك - مذكيا لمنهاج الشورى والحرية في إدارة شؤون الأُمة وتدبير سياسات حكوماتها، وموقداً للثورات في وجه الاستبداد الداخلي والاستعمار الغربي الزاحف على الشرق الإسلامي…
ومع إيمانه بدور العامة والجماهير في الثورة والإصلاح، فلقد كان أبرز صناع النخبة والصفوة الإسلاميّة، التي قادت حركة الجامعة الإسلاميّة على امتداد وطن العروبة وعالم الإسلام لعدة قرون، مجدداً للفكر، وقائداً لحركات التحرر الوطني، وداعية إلى الإصلاح الاجتماعي، ومفجرا للعديد من الثورات… حتّى لقد كانت صناعته الأولى هي صناعة الرجل !
ولقد كانت السنوات التي عاشها اسد آبادي بمصر هي أخصب السنوات في تاريخ إنجازاته الفكرية والسياسية…ففيها ربي نخبة من العقول التي جددت فكر الإسلام وحياة المسلمين - وفي مقدمتهم الإمام محمد عبده وشرح من كتب الفلسفة والكلام والمنطق ما أعاد للحياة الفكرية قسمة العقلانية الإسلاميّة، التي غابت عنها منذ عصر التراجع الحضاري للمسلمين… ونشأت على يده مدرسة في الصحافة الأهلية الحرة - غير الحكومية - وتيار شعبي لمعارضة الاستبداد الداخلي، وللثورة على النفوذ الأجنبي - الاقتصادي والسياسي والعسكري - الزاحف على ديار الإسلام… بل لقد عرفت مصر - على يديه وبقيادته - طلائع التنظيمات السياسية ـ (الحزب الوطني الحر) - في تلك الفترة المبكرة من نشأة الأحزاب….
وبضغوط من الدول الاستعمارية - وخاصة إنجلترا، التي كانت تحضر لاحتلال مصر - خضع الخديو توفيق فنفى جمال الدين من مصر زاعماً أن اسد آبادي يقود جماعة من ذوي الطيش، مجتمعة على فساد الدين والدنيا !!…. فذهب جمال الدين - منفيا - إلى الهند - وهي مستعمرة إنجليزية - فمكث فيها، حتّى تمت هزيمة الثورة العرابية، واحتلال الإنجليز لمصر … وعندئذ سمح له الإنجليز بمغادرة الهند، فسافر إلى باريس - العاصمة المنافسة لإنجلترا - وهناك لحق به الشيخ محمد عبده - وكان منفيا بيروت، بعد هزيمة العرابيين ومحاكمتهم… ومن باريس أصدرا مجلة (العروة الوثقى) لتعبر عن فكر وسياسة التنظيم السري الذي أقامه اسد آبادي، لمواجهة الاستعمار الإنجليزي، وإنهاض المسلمين… وهو التنظيم الذي امتدت عقوده و خلاياه إلى أغلب بلاد المسلمين - وخاصة مصر والهند - والذي استقطب صفوة العلماء المجددين والأمراء والساسة المجاهدين - تنظيم (جمعية العروة الوثقى) - فكان هذا التنظيم ومجلته أهم مدارس الوطنية الإسلاميّة والبحث الحضاري الإسلامي، التي تربى فيها وتعلم منها واستضاء بمنهاجها دعاة اليقظة والتجديد والإصلاح والثورة على امتداد عالم الإسلام…
ولقد انتهى المطاف باسد آبادي - بعد أن زرع التجديد والإحياء والثورة في أرجاء العالم الإسلامي… وبعد أن صنع على عينه جيلا من القادة والعلماء والثوار والمجددين - انتهى به المطاف إلى «القفص السلطاني الذهبي» إلى «الآستانة» !… لكنه، وهو النسر المستعصي على قيود السلاطين، وأسوار المدن، وجغرافية الأوطان، حاول تحرير إرادة السلطان عبد الحميد من قبضة حاشيته الغارقة في الرجعية والفساد… وسعى إلى بعث الروح في الحركة الجامعة الإسلاميّة، لمناهضة الزحف الاستعماري على ولايات الدولة العثمانية… وتطلع إلى سد ثغرة الشقاق المذهبي والسياسي بين إيران ودولة الخلافة الإسلاميّة، لقطع الطريق على الاستعمار، الذي يخترق الوجود الإسلامي من مثل هذه الثغرات !….
وظل اسد آبادي قائما بفريضة الجهاد على هذه الجبهات - التجديد الفكري… واليقظة العلمية…. والتصدي للاستعمار…. وكسر قيود الاستبداد - حتّى وافاه الأجل، فلقى ربه في صبيحة يوم الثلاثاء ٥ شوال ١٣١٤ هـ ودفن في الآستانة ونقل جثمانه - بعد سنوات - إلى بلاده الأفغان.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة