البث المباشر

الشاعر الشريف الرضي- القسم 1

الأحد 29 سبتمبر 2019 - 07:45 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- نور من كربلاء: الحلقة 8

السلام عليكم مستمعينا الأفاضل ورحمة الله وبركاته..
أهلاً بكم في حلقة اليوم من هذا البرنامج ووقفة عند أثر آخر من الآثار المباركة أو ينابيع الحماسة الكريمة التي يفجرها القيام الحسيني المقدس في قلوب الباكين على الحسين لتفيض جداول رواء ثرّ تسقي شجرة الحياة الكريمة الطيبة.
في هذا اللقاء لنا وقفة عند القيام الحسيني ونور بعث وترسيخ روح الغيرة الإيمانية على المقدسات الإلهية..
كتب الأستاذ الأديب الحاج إبراهيم رفاعة تحت عنوان (الغيرة الطافحة) يقول:
هذه بكائية جليلة تفجرت من صدر رجل جليل، رجل عالم مليء علماً، وأديب طافح أدباً، وشاعر متوهج شعراً، وهو الى هذا كله ذو سؤدد وشرف ومنزلة سامية، إذ كان ۰ في أواخر القرن الرابع – نقيب الطالبيين في العراق، ومن هنا لحقه لقب الشريف.
إنه محمد بن الحسين بن موسى الموسوي الذي عرف بالشريف الرضي، كما عرف أخوه العالم الإمامي الكبير بالشريف المرتضى، وهما من الذرية النبوية الطاهرة، من نسل الإمام الشهيد موسى بن جعفر الكاظم سلام الله عليه.
وللشريف الرضي – كما لأخيه المرتضى – بصر بفاجعة كربلاء.. حفظ التعبير عن لواعجهما القلبية شعرهما الكثير الذي وصل إلينا، وكانت لمراثي كربلاء في هذا الشعر مزية متميزة وآهات عميقة زخارة بالثكل والشجن وثقيل الحزن.
للشريف الرضي – من بين شعره – قصيدة لامية، هي من فن الشعر في الذروة ومن جمال التعبير في الطليعة، كأنما هي لوحة فنية باطنية حية تقرأ فيها الأسى والحرقة واللوعة وطويل الأحزان، كما تقرأ فيها هذه الغيرة على حرمات آل محمد، وهذه الحمية العلوية المتوثبة التي تكاد تنفجر صارخة ثأراً للدم الحسيني المطلول، وانتصافاً لظلامات السبيات العقائل الفاطميات المصونات المأخوذات قسراً الى أجلف جلف من حكام المسلمين.
يبكي الرضي ويتأرم غيظاً على فجائع عاشوراء، وحق له أن يبكي وأن يحتدم في داخله الغيظ بطلاً غيوراً أبياً للذل والهوان، لكن ثمة ما يمنعه من الإنطلاق!
القصيدة الرائعة هذه تحكي حكاية الثكل والثأر المكظوم المكتوم، ومن أعجب ما في قصيدة هذا السيد الشريف أنها تنقل الى داخل مشاعرك – إذا تأملتها بروية – ما يعتلج في صدره من توقد وثورة غاضبة وعزم على الثأر جارف كالسيل.. فإذا الغليان يسري من صدر الرضي إلى صدرك، وإذا أنت المعني بهذا الأسى المجرح وإذا أنت المتوثب للثأر، وهذا في الفن الشعري كاشف عن درجة عالية من درجات الرقي؛ لأن هذا الشعر طفح من مرتبة رفيعة من مراتب الصدق.
منذ مطلع القصيدة التي سنقف عند أبيات منها.. تتراءى في مشاعر هذا السيد حكمة محزونة لا يستنيم صاحبها إلى خدر الدنيا، ويرى العبور عنها غاية لابد أن يبلغها المرء:

راحل أنت .. والليالي نزول

ومضر بك البقاء الطويل

غاية الناس في الزمان فناء

وكذا غاية الغصون الذبول


هذا كان تمهيداً من الشريف الرضي ليدخل في عالم عاشوراء.. هذا العالم الدامي المفجع الذي يحيل القلب مأتماً دائماً مناحة عزاء، لكن المشهد الذي رسمه الرضي بكلماته فيه مزية معبرة عن مشاعره الفوارة، وهو السيد النبيل الأبي المنحدر نسباً من الشهيد المظلوم أبي عبد الله الحسين.
مزية هذا المشهد في قصيدة الرضي أن الوصف الحركي فيه تمازجه مشاعره الهاشمية المتفجرة، وتخالط صور الرزايا فيه أحاسيس الحزن والتفجع والمفاداة:

أي يوم أدمى المدامع فيه

حادث رائع وخطب جليل؟!

يوم عاشور الذي لا أعان الـ

صحب فيه، ولا أجار القبيل

يا ابن بنت الرسول، ضيعت العهـ

د رجال، والحافظون قليل


ثم تنطق غيره الرضي على لسانه إزاء ما لقي آل الله وسيدهم الحسين من مصائب وكروب:

أتراني أعير وجهي صوناً

وعلى وجهه تجدل الخيول؟!

أتراني ألذ ماء.. ولما

يرو من مهجة الإمام الغليل؟!

والسبايا على النجائب تستا

ق، وقد نالت الجيوب الذيول؟!

قد سلبن القناع عن كل وجه

فيه للصون من قناع بديل

وتنقبن بالأنامل، والدمـ

ــع على كل ذي نقاب دليل

وتشاكين، والشكاة بكاء

وتنادين، والنداء عويل


أي رزايا كربلاء يبكيها الشاعر ذو الهمة العالية الغيور؟ رزايا متصلة داخل بعضها في عمق بعض، تجرحه الآن غربة جده الحسين الشهيد في كربلاء، ومقتله الفجيع بأيدي أراذل الأعداء، الرضي غدا أيضاً غريب الصبر، قتيل النوم والرقاد، وما عساه يصنع بهذا الشوق العارم الباكي الطامح إلى اللقاء بسيد الشهداء؟! ألا ليته قتيلاً معه دفاعاً عنه، أو ليته – في الأقل – مقيم في كربلاء يسقي ثراها بدموع عينيه:

يا غريب الديار، صبري غريب

وقتيل الأعداء، نومي قتيل

بي نزاع يطفى إليك وشوق

وغرام وزفرة وعويل

ليت أني ضجيع قبرك، أو أن ثراه بدمعي مطلول


الومضة التي مست قلب هذا الشاعر الكبير من نور كربلاء هيأته إلى الإقدام الجاد على أخذ الثأر العظيم، أليس الإمام الحسين ثار الله وابن ثاره؟! ومن أولى من أصحاب الإيمان والتوحيد – لا سيما ذراري أهل البيت عليهم السلام – لأن يبادروا إلى اقتحام المخاطر لإنجاز هذه المهمة التاريخية المقدسة؟! لكن الثأر ممنوع الآن على الشريف الرضي بالنهج الذي فكر فيه.. إلا أن يحين وقته المترقب المذخور.
هو ذا أعد العدة، لكن سلاحه معطل عن العمل رغماً عنه، وجياده مسرجة حاضرة، بيد أنها لن تفارق مرابطها، لكن الشوق ما يزال طافحاً، والصورة تملأ منه القلب والخيال:

يا بني أحمد، إلى كم سناني

غائب من طعانه ممطول؟!

وجيادي مربوطة والمطايا

ومقامي يروع عنه الدخيل

كم إلى كم تعلو الطغاة، وكم يحـ

ــــــكم في كل فاضل مفضول؟!

ليت أني أبقى، فأمترق النا

س، وفي الكف صارم مسلول

وأجر القنا لثارات يوم الطف.. يستلحق الرعيل الرعيل


إن هذا التهيؤ من الشريف الرضي ليقطع علائقه النفسية بالدنيا من حوله – وهو في مركز إجتماعي مرموق – إنما هو فتح له وظفر.. فاز به من نور أبي عبدالله الحسين.
وأخيراً.. فالشاعر يفخر بانتمائه إلى أهل البيت الطاهرين، كما يفخر أن يكون المحزون لأحزانهم.. المبادر إلى نصرتهم في المبادرين:

أنا مولاكم، وإن كنت منكم

والدي حيدر وأمي البتول

وإذا الناس أدركوا غاية الفخـــ

ر شآهم من قال: جدي الرسول


وبهذا نصل مستمعينا الكرام الى ختام حلقة أخرى من برنامج نور من كربلاء كان موضوعها آثار القيام الحسيني المقدس في بعض وترسيخ روح الغيرة على المقدسات الإلهية من الباكين على الحسين عليه السلام، شكراً لكم على كرم المتابعة ولكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران خالص الدعوات دمتم في أمان الله. 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة