البث المباشر

أساطير الأبطال والمتمردين - ۱

الأحد 30 يونيو 2019 - 12:20 بتوقيت طهران

بسم الله الرحمن الرحيم أعزاءنا الكرام في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السلام عليكم وأهلاً بكم وأسعد الله أوقاتكم بكل خير ويسرنا اعزاءنا المستمعين أن نلتقيكم من جديد عند حلقة اخرى من برنامجكم الأسبوعي حكايا وخفايا آملين أن تقضوا معنا دقائق حافلة بكل ماهو ممتع ومفيد، تابعونا.
مستمعينا الكرام حفلت ذاكرة الأمم الشعوب بالكثير من الحكايا والأساطير حول الأبطال والمتمردين على إرادة الآلهة وخاصة التراث اليوناني والإغريقي الغني بهذا النوع من الأساطير وستحاول إعتباراً من هذه الحلقة أن نستعرض لكم إخوتنا المستمعين بعضاً من هذه القصص والأساطير المتراكمة في ثقافة الشعوب بأشكال ودلالات مختلفة على مر الزمن.
مستمعينا الأفاضل من بين الأساطير الإغريقية التي يمكن تصنيف بطلها من المتمردين على إرادة السماء أسطورة سيزيف الذي كان يمثل إحدى أكثر الشخصيات مكراً بحسب المتولوجيا الإغريقية حيث إستطاع أن يخدع إله الموت ثانتوس وتكبيله مما أغضب كبير الآله زيوس فعاقبه بأن يحمل صخرة من أسفل الجبل الى أعلاه فاذا وصل القمة تدحرجت الى الوادي فيعود الى إصعادها الى القمة مرة اخرى ويظل هكذا حتى الأبد فغدا ذلك رمز العذاب الأبدي الذي لا إنتهاء له. نعم مستمعينا الأفاضل وسيزيف هو إبن الملك ايولوس ملك فيساريا وإيناريت أحد أقاليم اليونان وأول ملك ومؤسس لمملكة إيثيرا وهو والد جاكوس من الحورية السماوية ميروبي وجد بيليريفون وتقول مصادر متأخرة بأن سيزيف هو والد اوديسيوس من أنتيكلي قبل أن تتزوج بزوجها اللاحق ليرتيس. ويقال إن سيزيف هو مخترع ما يسمى بالألعاب البرزخية وكانت تمثل مهرجاناً إغريقياً قديماً كان يقام مرة كل سنتين في شهر ابريل على الأرجح تكريماً لإله البحر بوسيدون وذلك في حرمه الواقع على برزخ كورنس ومن هناك إسمه. يرقى التاريخ الى حوالي العام ٥۷۰ قبل الميلاد وكان يشتمل على مباريات في الألعاب الرياضية والموسيقى والخطابة وعلى سباق خيل ومركبات.
مستمعينا الأفاضل تقول الأسطورة إن سيزيف كان يشتغل بالتجارة والإبحار ولكنه كان مخادعاً وجشعاً الى حد بعيد فقد خرق قوانين الضيافة وأعرافها بأن قتل المسافرين والضيوف النزلاء حيث صوره هوميروس ومن تلاه من الكتاب والمؤرخين وإشتهر لديهم بأنه أمكر البشر وأخبثهم على وجه الأرض قاطبة وأكثرهم لؤماً. وكان من بين أعماله الشريرة أنه أغرى إبنة أخيه وإغتصب عرش أخيه وأفشى أسرار زيوس.
نجدد التحية لكم أعزائي الأفاضل عبر برنامج حكايا وخفايا يأتيكم من طهران. مستمعينا تمضي الأسطورة الى سرد تفاصيل قصة سيزيف المتمرد الشرير فتقول إن زيوس كبير الآله أمر هادس إله العالم السفلي أن يسلسل سيزيف في الجحيم وطلب سيزيف بمكره المعهود من ثانتوس إله الموت أن يجرب الأصفاد والسلاسل ليختبر مدى كفاءتها وعندما فعل ثانتوس ذلك أحكم عليه سيزيف الأصفاد وتوعد هادس بالإنتقام وهكذا احدث سبب تكبيل سيزيف للإله الموت ثنتوس تمرداً وإنقلاباً وثورة وهياجاً ولم يعد أحد من البشر يموت حتى إنزعج آريس إله الحرب أنه فقد المتعة من معاركه لأن خصومه فيها لم يكونوا يموتون لذلك تدخل وأطلق سراح ثانتوس وفك أسره وأرسل سيزيف الى الجحيم. وكان سيزيف قد أخبر زوجته قبل الحكم عليه بالموت أن تمتنع عن تقديم أضحيتها المعتادة بعد موته وفي العالم السفلي توسل بحيلة اخرى للخلاص من العقاب فقد شكا من أن زوجته تهجره وتهمله وتتجاهله وأقنع بتسيفوني ملكة العالم السفلي بالسماح له بالصعود الى العالم العلوي كي يطلب من زوجته أن تؤدي واجبها وتقدم أضحيتها. وعندما عاد سيزيف الى كورنس رفض ان يعود لذلك حُمّل الى العالم السفلي بواسطة هادس وفي رواية اخرى للأسطورة فإن بستيفوني إقتنعت أنه قد قيد الى الجحيم بالطريقة الخطأ فأمرت بإطلاق سراحه وكعقاب من الآله على خداعه وهو مغزى الأسطورة وبيت القصيد فيها فقد أرغم سيزيف على دحرجة صخرة ضخمة على التل المنحدر ولكن الصخرة تفلت منه دائماً قبل أن يبلغ قمة التل فيكون عليه أن يبدأ من جديد مرة اخرى وهو غاية العقاب ومنتهى العذاب الذي من الممكن أن يُبلى به أحد.
وهكذا كانت احبتي الأفاضل هذه العقوبة المثيرة للجنون وذات السمة الإنتقامية التي عوقب بها سيزيف جزاءاً لإعتقاده المتعجرف كبشر أن ذكاءه يمكن أن يغلب ويفوق ذكاء زيوس كبير الآله ومكره فإن سيزيف تجاوز وخرق بشكل لاينكر حدوده لأنه إعتبر نفسه نداً للآلهة وكنتيجة لذلك فقد أظهرت زيوس ذكاءه الخاص بأن ربط سيزيف بعقوبة وحيرة أبدية وطبقاً لذلك فإن الأنشطة العديمة الهدف او اللامتناهية الوصف بأنها سيزيفية وقد كان سيزيف وقصته يشكلان موضوعاً شائعاً للكتاب والفنانين القدامى حيثؤ صوّره الرسّام بولي جونوتوس المبدع الماهر في تصوير الأحاسيس الانسانية المأساوية على الجدران في دلسي.
أيها الأخوة والأخوات هنالك تفسيرات مختلفة قدمت بهدف تحليل أسطورة سيزيف وفكّ رموزها وطبقاً للنظريات الشمسية فإن سيزيف يمثل قرص الشمس الذي يطلع كل صباح من الشرق ويهوي غارباً بإتجاه الغرب فيما يعتبره باحثون آخرون تجسيماً وتشخيصاً للأمواج الهائجة إرتفاعاً وإنخفاضاً او للبحر الغدّار. وفي القرن الأول قبل الميلاد فسّر الفيلسوف الأبيقوري لوكيريتوس أسطورة سيزيف كرمز للساسة الذين يطمحون ويسعون بإستماتة الى الكرسي والمنصب السياسي وأنهم مهزومون مغلوبون في مسعاهم بصفة دائمة ومستمرة وأن السطوة والسلطة مجرد شيئاً فارغاً وخاوي في حقيقتهما تماماً مثل دحرجة الجلمود أسفل التل ثم إعادته دون جدوى الى الأعلى.
أما الفيلسوف فيلكر أحبتي الكرام فيرى أن سيزيف يرمز الى الصراع العبثي الذي يخوضه الانسان في سبيل المعرفة. ورأى الكاتب والروائي البركامو في مقال حمل العنوان أسطورة سيزيف أن سيزيف يجسد هراء الحياة الانسانية وسخفها ولامنطقيتها ولاعقلانيتها لكنه لابد أن المرء يتخيل أن سيزيف كان سعيداً مسروراً تماماً كما أن النضال والصراع والكفاح ذاته نحو الأعالي والمرتفعات كفيل بأن يملأ فؤاد الانسان بالسعادة.
مستمعينا الأحبة نرجو أن نكون قد إستمتعتم معنا من خلال أسطورة هذا الأسبوع على امل أن نلتقيكم عند حكاية اخرى من أساطير الأبطال والمتمردين ضمن برنامج حكايا وخفايا من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، تقبلوا منا أجمل المنى والى اللقاء.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة