البث المباشر

عللّ رفض الامام الحسين عليه السلام مبايعة يزيد

الثلاثاء 28 مايو 2019 - 15:04 بتوقيت طهران

يا مولايَ يا أبا عبد الله، أشهدُ أنّك من دعائمِ الدّين، وأركانِ المؤمنين، وأشهدُ أنّك الإمامُ البرُّ التقيّ، الرضيُّ الزكيّ، الهادي المهديّ، وأشهدُ أنّ الأئمّةَ من وُلدك كلمةُ التَّقوي، وأعلامُ الهُدي، والعروةُ الوثقي، والحجّةُ علي أهلِ الدُّنيا.
السلامُ عليكمُ ورحمةُ اللهِ وبركاته، وعظّم اللهُ أُجورنا وأُجورَكم بالمصابِ الجَللِ الذي حلّ بأهل بيتِ رسول الله (صليّ الله عليه وآله)، بعد أن كانت مقدّماتُه تحكي إصرارَ السلطةِ الأُمويّة علي أخذ البيعة بالقوّة والعنف والتهديد من الإمامِ أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، فأبي، وعرّف بأنّه من أهل بيت النبوّة، وأنّ يزيد معلنٌ بالفسق، وقال (عليه السلام) لوالي يزيد علي المدينة الوليدِ بن عتبة: (ومثلي لا يُبايعُ مثلَه)! وكان مروانُ بنُ الحكم يُصرّ ويُلحّ علي أخذ البيعة من الإمام الحسين (عليه السلام) مرّةً بالتهديد فخاب وقد حقّره الإمام، ومرّةً أخري بالترغيب، فاسترجعَ الحسين وقال لمروان: (عليَ الإسلام السلامُ إذا بُليتِ الأُمّةُ براعٍ مثلِ يزيد! ولقد سمعتُ جدّي رسولَ الله (صلّي الله عليه وآله) يقول: الخلافةُ محرّمةٌ علي آلِ أبي سفيان، فإذا رأيتُم معاويةَ علي منبري فابقُروا بطنه. وقد رآه أهلُ المدينةِ علي المنبرفلم يبقروا بطنَه، فابتلاهُمُ اللهُ بيزيدَ الفاسق!).
وهكذا يضع الإمامُ أبو عبد الله (عليه السلام) إشاراتٍ واضحة حول الحاكميّة الإسلاميّة ومشروعيتـّها، فآل أبي سفيان حرّمت عليهُم الخلافة إذ هُم من الطُّلقاء بعد فتح مكة علي يد رسول الله (صلّي الله عليه وآله)، فلا حقَّ لهم في حكمٍ ولا إمرةٍ علي رقاب المسلمين، بل هم من صدر فيهم الحكمُ ببقرِ بطونهم إذا تجرّأوا وانتهبوا السلطة الإسلامية ونَزوا علي منبر الخلافة أو صعدوا علي منبرِ النبوّة، فذلكم مخصوصٌ بأوصيائه لاغير. كتب ابن أعثم الكوفيّ في كتابه (الفتوح) أنّ عبد الله بنَ الزبيرسأل الإمامَ الحسين (عليه السلام) يوماً: ما تري أن تصنعَ إن دعيتَ إلي بيعة يزيد؟
فأجابه: (أصنعُ أنّي لا أُبايعُ له أبداً؛ لأنّ الأمرَ إنّما كان لي من بعد أخي الحسن (عليه السلام))، إلي أن قال له: (انظر، أنّي أُبايعُ ليزيد؟! ويزيدُ رجلٌ فاسقٌ معلنٌ بالفسق، يشرب الخمرَ ويلعب بالكلاب والفهود، ويُبغض بقيّةَ آل الرسول! لا واللهِ لا يكونُ ذلك أبداً).
وكما تلاحظون فإن كلمات مولانا الإمام الحسين (عليه السلام) صريحة في رفضه الحازم لمبايعه يزيد خليفة للمسلمين.

*******

المحاورة: لماذا اتخذ هذا الموقف رغم ان اخاه الامام الحسن (عليه السلام) كان قد صالح معاوية والد يزيد، الاجابة عن هذا السؤال نستمع لها من ضيف هذه الحلقة من برنامج البيان الحسيني الدكتور عبد الناصر الجبري عميد كلية الدعوة الاسلامية من بيروت:
الدكتور عبد الناصر الجبري: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد صادق الوعد الامين واله وصحبه والتابعين لهم بأحسان الى يوم الدين.
عندما نقرأ فترة تاريخية من تاريخ الاسلام لا سيما بين الخلافة الراشدة ثم الانتقال الى الدورة الاموية نجدهناك حلقات في الحقيقة غير مكتملة وحلقات مهمة من تاريخ امتنا وحلقات تبقى لنا نبراساً نقتدي بها فعندما نلاحظ ان الامام الحسين رفض المبايعة ليزيد مع ان الامام الحسن بايع معاوية للخلافة نجد ان الامام الحسن كانت ظروفه تختلف عن ظروف الامام الحسين، الامام الحسن عندما بايع معاوية بايعه على ان يكون ولي العهد الامام الحسين اولاً وثانياً ان الامام الحسن لاحظ وشاهد ما عاناه المسلمون من فرقة وحرب خلال موقعة الجمل او خلال موقعة صفين وكان لهما الاثر البالغ على نفسه بسبب الدماء التي اريقت في تلك الفترة من اجل الحكومة وكذلك الامام الحسن كان قد رأى ان وحدة الامة مقدمة على ان يكون خليفة في تلك الفترة اما الامام الحسين، انا لا اريد ان اتكلم عن الشخصية اريد ان اتكلم عن امور تتعلق بالبيعة، اما موضوع الشخصانية او صفات السلطان يختلف لا اريد ان ادخل فيها انما الامام الحسين (عليه السلام) خاف ان يتحول واراد ان يصحح المسلك الحاكمي في ذلك الوقت قال: «انما اريد ان اخرج للاصلاح في امة جدي» اذن هو خاف ان تتحول السلطنة الى ملك عضول كما اشار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، كما اشار عليه الصلاة والسلام «انما الخلافة اربعين ثم تتحول الى ملك عضول» فرفض الامام الحسين ان تتكرس الخلافة وتصبح بعد ذلك وراثة كما كان في عهد الرومان او في عهد الفرس وكذلك الامام الحسين ان لم يخرج لسكت العلماء طيلة التاريخ لقالوا نحن نرى التحولات والانعطافات الخطرة في الامة ولم يخرج احد ليأمر بالمعروف او ينهى عن المنكر فكان الامام الحسين اماماً بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر في مرحلة سياسية خطرة من تاريخ هذه الامة الاسلامية وكذلك الامام الحسين قد نص ان يكون خليفة بعد معاوية كما اشار بذلك الاتفاق بين الامام الحسن ومعاوية بن ابي سفيان وكذلك نلاحظ ان الامام الحسين رفض ان تستكين الامة لأجراءات خطرة بحجة ان البيعة حصلت او تمت فأراد مسيرة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر والاصلاح في امة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولكي لا تتحول الخلافة من خلافة الى ملك عضول والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، هذه اهم المسائل التي اراها في هذا الوقت القصير.

*******

بثّ الإمام الحسينُ (عليه السلام) عقيدة الإسلام الحقـّة حول الخلافة والخليفة، قبل أن يتحرّك نحوكربلاء، فكان الوعي أوّلاً، والإلزام ثانياً، والتكليف ثالثاً، فما بقيَ عذرٌ لعاذر وقد رفضَ (عليه السلام) يزيدَ وبيعته الباطلة، وثبتّ البيعةَ الحقّة لمن يجب أن تكون، وعلي من تكون، وتلك هي الإمامةُ التي تعقب النبوّة؛ لئلاّ يتحيّر المسلمون في أمورهم، أو يضلّ ضعافُ القلوب والعقول عن سبيل الإسلام، ولئلاّ يقفزعشاّقُ السلطة فيغتصبوا المقاماتِ والرُّتبَ التي جعلها اللهُ لأوليائه خلفاءِ رسول الله.
فالإمامة يعرّفها الإمامُ الرضا (عليه السلام) بقوله: (إنّ الإمامةَ زمامُ الدّين، ونظامُ المسلمين، وصلاحُ الدنيا وعزُّ المؤمنين. إنّ الإمامةَ أُسُّ الإسلامِ النامي، وفرعُه السامي)، وفي الإمام يقول (عليه السلام) معرّفاً أيضاً: (الإمامُ أمينُ اللهِ في خلقِه، وحجّته علي عباده، وخليفتُه في بلاده، والداعي إلي الله، والذّابُّ عن حُرُمِ الله، الإمامُ المطهّرمن الذنوب، والمبرّأُ من العُيوب، المخصوصُ بالعلم، الموسومُ بالحلم، نظامُ الدّين، وعزُّ المسلمين، وغيظُ المنافقين، وبوارُ الكافرين).
نعم، وقبلَ ذلك، كان الإمامُ الحسين (عليه السلام) قد كتب في كتابٍ له جواباً لأهل مكة قال فيه: (فَلَعَمري ما الإمامُ إلاّ العاملُ بالكتاب، والآخذُ بالقسط، والداينُ بالحقّ، والحابسُ نفسه علي ذاتِ الله). فأين هذا يا تـُري من يزيدَ وجرائمه العظمي؟!
روي الطبريُّ في تاريخه عن المنذربن الزبير أن يزيد بن معاوية كان يشرب الخمر ويسكر. وكتب المسعوديّ في (مروج الذهب) أنّ ليزيد أخباراً عجيبة، ومثالب كثيرة، منها: شربُ الخمر، وقتلُ ابنِ بنت رسول الله، ولعنُ الوصيّ، وهدمُ البيت الحرام واحراقه، وسفك الدماء، والفسق والفجوروأخرج ابنُ قتيبة في (الإمامة والسياسة) عن عُتبةَ بن مسعود أنّه قال: يزيد. يشرب الخمر، ويلهو بالقيان، ويستهترُ بالفواحش.
كما ذكر المؤرخون وأصحابُ السيّر أنّ يزيد كان مغرماً بالصيد لاهياً به، وكان يُلبس كلابَ الصيد الأساور من الذهب والخلال المنسوجةَ منه، ويهبُ لكلّ كلبٍ عبداً يخدمه، كما كان له قردٌ يلاعبه حتيّ أصبح سبباً في هلاكه وهو مخمور! وتلك واقعةُ الحرّة تشهد ليزيدَ أنّه قتل فيها ـ الآلاف وفيهم سبعمائةٍ من الصحابة وألفٌ وسبعمائةٍ من أولاد الصحابة، وسبعمائةٍ من القُرّاء، سوي النساء والصبيان، وقد أباح المدينة مدينةَ رسول الله لجيشه نهباً وإحراقاً وهتكاً للأعراض!
هكذا ذكر: ابنُ الورديّ في (المختصرمن أخبارالبشر)، وابنُ الأثير في (الكامل من التاريخ)، واليعقوبيّ في (تاريخه) والذهبيُّ في تاريخ الإسلام، وغيرُهم وغيرَها من أفعاله الشنيعة وقد هتَك الحُرمات، وأهانَ المقدّسات، وملاَ السجونَ بالأبرياء والنساء البائسات! فما يُنتَظر؟! وكيف تُطاق الحياة بعد هذا وذاك؟!
لقد كانت النهضة الحسينيّة الشريفة، استجابةً لأمرالله تعالي فكان لابدّ من القيام لله جلّ وعلا، وتقبيح الظلم والظالمين، والفسادِ والمفسدين، وبيانِ الحقائق وإن كلّف ذلك أنفساً غالية ودماءً زاكية، ولم يكن لهذا الأمر يومها إلاّ الحسين سيدُ شباب أهل الجنّة، صلواتُ ربّنا عليه وقد آل مسيره المقدّس إلي الفاجعة العظمي بشهادته علي تلك الحالة، وإن أقرّ العدوُّ أنّ الحسينُ هو الأطهرُ صاحبُ العصمة العُليا.
فقد قال معاويةُ يوماً لابنهِ يزيد: ما عسيتُ أن أعيبَ حُسيناً، فوَ اللهِ ما أري للعيبِ فيه موضعاً. أجل، ولكنّ ذلك لم يمنعهما من الأمر بقتله (عليه السلام) وتنفيذه ومباشرته، فكانت الوقعة، وكانت الفجعة.

وفجعةٌ ما لها في الدهرِ ثانيـةٌ

هانت لديها- وإن جلّت- فجائعُـهُ

ولوعةٌ أضرمت في قلب كلِّ شجٍ

ناراً بلذعتها صابت مدامعُهُ

لا العينُ جفّ بسفعِ النارِ مدمعُها

ولا الفؤادُ خبا بالدمعِ سافعُه

كلُّ الرزايا وإن جلّت وقائعهـا

تنسي سوي الطفِّ لا تنسي فجائعُهُ

نخلص إذن الي نتيجة محورية هي أن النهضة الحسينية المباركة إشتملت علي بيان تأريخي موقع بدم الشهادة يعرّف المسلمين بمختلف أجيالهم علي مواصفات من ينبغي أن يبابعون خليفة وحاكماً لهم وكذلك علي صفات من ينبغي أن يبعدوه عن منصب الخلافة وأي شكلٍ من أشكال الحكومة عليهم.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة