البث المباشر

قصة موسى يوحى اليه

السبت 16 مارس 2019 - 18:49 بتوقيت طهران

الحلقة 20

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسَّلام على رسوله وحبيبه محمد وآله الطيبين الطاهرين.
في هذا اللقاء سنتعرف على حكاية معبّرة أخرى هي جانب آخر من حكاية النبي موسى (عليه السَّلام) التي ذكرت في سورة النمل من الآية السابعة حتى الآية الثانية عشرة، رافقونا في هذا البرنامج ضمن المحطات التالية:
بعد مقدّمة عن الحكاية ننصت معاً الى تلاوة مرتلة لهذه الآيات، ثم نقف عند معاني المفردات والعبارات القرآنية التي وردت فيها.
نستمع الى الحوار القرآني الذي اجري مع خبير هذا اللقاء بشأن الحكاية. 
لننتقل بعد ذلك الى زملائنا وهم يحكون لنا تفاصيل الحكاية. 
ونستمّر في تقديم البرنامج بفقرة من هدي الائمة (عليهم السَّلام) ورواية بالموضوع واخيراً مع باقة من الدروس المستفادة من قصة النبي موسى (عليه السَّلام) التي تحدّثت عنها الآيات.

*******

يجري الكلام في سورة النمل وبعد بيان أهمّية القرآن، عن قصص خمسة أنبياء عظام، وذكر أممهم ، والوعد بإنتصار المؤمنين وعقاب الكافرين.
فأوّل نبيّ تتحدث عنه هذه السورة، هو موسى (عليه السَّلام) أحد الأنبياء أولي العزم، وتبدأ مباشرة بأهم نقطة من حياته وأكثرها حسّاسية، وهي لحظة نزول الوحي على قلبه وإشراقه فيه، وتكليم الله إيّاه.
فلنستمع سوية الى تلاوة مرتلة لهذه الآيات ونعود بعدها للوقوف عند معاني العبارات والمفردات التي وردت في هذه الحكاية القرآنية.

*******

من هدي الآيات

تبدأ هذه الحكاية بعبارة، «إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا»، أي رأيت نَارًا من بعيد، فامكثوا هنيئة، مفردة « آنَسْتُ» فعل ماض مأخوذ من (الإيناس) وهو الرؤية المقرونة بالراحة النفسية والسكينة وإنّما يطلق على الإنسان فهو لهذا المعنى.
«سَآتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُم بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ» بمعنى سأمضي وآتيكم منها بخبر أو شعلة للتدفئة.
فالشهاب هو النور الذي ينبثق من النار كالعمود، وكل نور له عمود يدعى شهاباً، وفي الأصل يطلق الشهاب على واحد النيازك التي تهوي من السماء بسرعة مذهلة فتحرق بسبب اصطدامها بالغلاف الجوي فيكون لها عمود من نار، (والقَبَسٍ) شعلة من النار تنفصل عنها. (وتَصْطَلُونَ) من الإصطلاء وهو الدفء (بالنّار).
ولعلّ تعبير موسى (عليه السَّلام) بـ (آتِيكُم) أي مخاطبة الجمع انه كان معه بالإضافة إلى زوجته أطفال أيضاً، لأنّه كان قد مضى على زواجه عشر حجج (عشر سنين) في مدين.
وهكذا فقد ترك موسى أهله في ذلك المكان واتجه نحو (النار) التي آنسها، «فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ».
أنّ المراد من «مَن فِي النَّارِ» هو نور الله الذي تجلي في تلك الشعلة، والمراد من «مَنْ حَوْلَهَا» هو موسى الذي كان قريباً منها. وعلى كل حال فمن أجل أن لا يتوهّم أحد من هذه العبارة مفهوم (التجسيم) فقد ختمت الآية بـ «سُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» تنزيهاً له عن كل عيب ونقص وجسميّة وما يعترض الجسم من عوارض.
ومرّة أخرى نودي موسى بالقول: «يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ».
وذلك يزيل عن موسى (عليه السَّلام) كلّ شك وتردّد، وليعلم أنّ الذي يكلّمه هو رب العالمين، لا شعلة النار ولا الشجرة، الربّ القوي العزيز الذي لا يغلب ولا يقهر، والحكيم ذو التدبير في جميع الأمور.
«وَأَلْقِ عَصَاكَ» فألقى موسى عصاه، فتبدلت ثعباناً عظيماً، فلمّا رآه موسى يتحرّك بسرعة كما تتحرّك الحيّات الصغار خاف وولى هارباً ولم يلتفت الى الوراء.
«فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ». ويحتمل أنّ عصا موسى تبدّلت باديء الأمر الى حيّة صغيرة، ثمّ تحوّلت إلى أفعى كبيرة في المراحل الأخر.
ويرى بعض المفسّرين انّ (الجَانٌّ) مأخوذ من الجن، وهو الموجود غير المرئي، لأنّ الحيّات الصغيرة تتحرك بين العشب في الارض وتخفي نفسها.
وهنا خوطب موسى مرة أخرى أن، «يَا مُوسَى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ».
بمعنى يا موسى إنك بين يدي خالق الوجود العظيم، والحضور عنده ملازم للأمن المطلق.
إلاّ أنّ في الآية التالية استثناءاً للجملة السابقة، حيث ذكره القرآن فقال: «إِلاَّ مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ».
وسنقف عند مفهوم هذه العبارة مع ضيف هذه الحلقة لنتعرف على حقيقة الإستثناء الوارد في الآية وعلاقتها مع عصمة الانبياء (عليه السَّلام).
أمّا المعجزة التالية التي أمر موسى أن يظهرها، فهي اليد البيضاء، إذ تقول الآية: «وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ».
والقيد «مِنْ غَيْرِ سُوءٍ» إشارة الى أن بياض اليد ليس من برص ونحوه، بل هو بياض نوراني يلفت النظر، وهو بنفسه كاشف عن إعجاز وأمر خارق للعادة: ومن أجل أن يظهر الله تعالى عنايته ولطفه لموسى أكثر، وكذلك منح الفرصة للمنحرفين للهداية أكثر، قال لموسى بأنّ معاجزه ليست منحصرة بالمعجزتين الآنفتين، بل «فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ».
ويستفاد من ظاهر الآية أن هاتين المعجزتين من مجموع تسع معاجز، «آيَاتٍ» موسى المعروفة، وإن المعاجز السبع الآخر هي:
۱- الطوفان.
۲- الجراد.
۳- كثرة الضفادع.
٤- تبدّل لون نهر النيل كلون الدم.
٥- الآفات في النباتات. 
وكل واحدة من هذه المعاجز الخمس تعدّ إنذاراً لفرعون وقومه، فكانوا عند البلاء يلجأون إلى موسى ليرفع عنهم ذلك.
أمّا المعجزتان الأخريان فهما:
٦- القحط (السنين). 
۷- ونقص الثمرات. 
إذ أشارت إليهما الآية (۱۳۰) (الثلاثون بعد المئة) من سورة الأعراف، فقالت: «وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ».

*******

اسئلة الخبير

نقف بازاء الحديث عن قصة النبيّ موسى التي جاءت في سورة النمل وحان موعدنا لننتقل الى الزميل السيد مصطفى رجاء واللقاء القرآني الذي اجراه هذه الحكاية القرانية.
المحاور: اعزائي المستمعين استضيف خبير البرنامج فضيلة السيد عبد السلام زين العابدين استاذ العلوم القرآنية ونحن نتحدث في قصة النبي موسى (عليه السلام)، فضيلة السيد في البداية من أين تيقن موسى (عليه السلام) ان النداء الموجه اليه هو نداء الله وليس سواه؟
السيد عبد السلام زين العابدين: بسم الله الرحمن الرحيم، طبعاً الوحي النبي لابد ان يشعر حينما يوحى اليه بأنه امر غيبي الهي رباني وهذه طبيعة الوحي الرسالي «وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ» كما في سورة الشورى الاية ٥۱ فالوحي طبعاً حينما يتيقن بأن الوحي من عند الله عزوجل يحصل يقين في قلبه، ليس امراً اكتسابياً، ليس فيه نظر وتفكر وانما هو القاء رباني الهي يطمئن النبي من ان الذي اوحى اليه هو الله عزوجل، انظر في قضية ابراهيم (عليه السلام) في المنام «يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ» رؤية الانبياء هي وحي يعني قد يكون الوحي عن طريق الرؤيا بحيث كان ابراهيم ومرت بنا ذكرى التضحية في منى يعني «يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى» اسماعيل (عليه السلام) ماذا قال؟ 
«قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ» يعني حتى الابن كان مطمئناً ان الرؤيا التي رآها ابوه هي رؤية وحي الهي رباني وقضية ذبح يعني وليست قضية اموال وفلوس مثلاً افرض قد يشك احداً بأن هذا وحي الهي رباني «يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ» اذن القضية ليست اكتسابية وليست قضية نظر او تفكر وانما هي الهام رباني، الله يعطي اليقين للنبي بأن الوحي امر غيبي الهي رباني وهذه طبيعة الوحي الرسالي في موسى (عليه السلام) «فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ» بعد ذلك في سورة طه «فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ»، «فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى، إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى، وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى، إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي» هذا بطبيعة الوحي المضمون، طبيعة الحال التي يكون عليها موسى (عليه السلام) يتيقن من ان الذي جاءه هو وحي الهي رباني وهذه هي طبيعة الوحي الرسالي النبوي.
المحاور: نعم فضيلة السيد في قوله تعالى ضمن الايات تقول: «يَا مُوسَى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ، إِلاَّ مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ».
اولاً: ما المقصود من الخوف المذكور في الاية؟ 
وثانياً: ما علاقة ذلك بالظلم ومسألة عصمة الانبياء (عليهم السلام)؟
السيد عبد السلام زين العابدين: احسنت، بارك الله فيك يعني الخوف له كلام طويل ولا سيما يعني حياة موسى بدأت بالخوف تعلم حياة موسى يعني «فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ» يعني حياة موسى كلها خوف والخوف خوفان طبعاً خوف جبن وخوف حذر يعني ينبغي ان نفرق بين خوف المرسلين وخوف الجبن، المرسلون يخافون الله خوف حذر او يخافون من الاخر خوف حذر ولهذا في قصة موسى «فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى، قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الأَعْلَى» في سورة طه وكذلك «فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ» انظر كذلك في سورة القصص يعني حياة موسى كلها خوف بمعنى الحذر وليس خوف الجبن، الخوف خوفان خوف محمود وخوف مذموم، في قضية السحر «قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى، فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى، قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الأَعْلَى» امير المؤمنين علي ابن ابي طالب في هذه القصة في نهج البلاغة يقول لم يوجس موسى (عليه السلام) على نفسه بل اشفق من غلبة الجهال ودول الضلال يعني موسى كان يخاف من الناس ان تصدق بهذا الامر، لم يوجس موسى (عليه السلام) على نفسه بل اشفق من غلبة الجهال و دول الضلال، الانبياء يخافون، الان «خَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ» هذا يسمى خوف الترقب، الحسين (عليه السلام) كذلك خرج من المدينة، خَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا في الروايات قرأ هذه الايات «خَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ» هذا خوف الحذر وليس خوف الجبن اما الاستثناء فأكثر المفسرين يذهبون الى ان الاستثناء هنا منقطع وليس استثناء متصل يعني بمعنى لكن «وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ»، كَأَنَّهَا جَانٌّ الجان الحية الصغيرة بينما الثعبان الحية الكبيرة يعني كانت العصا شكلها شكل حركة، شكلها شكل ثعبان كبير ولكن حركتها كانت حركة الحية الصغيرة فتجمع بين الضخامة وبين الحركة السريعة «وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ» بعد ذلك الاية تقول: «إِلاَّ مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ» هذا استثناء منقطع لأن الرسل جميعاً لا يخافون، ما معنى الاستثناء المنقطع؟ 
الاستثناء المنقطع بمعنى ان المستثنى ليس من جنس المستثنى منه يعني «ثُمَّ بَدَّلَ» هذا الاستثناء ليس للانبياء والمرسلين وانما الاستثناء من الناس يعني لكن، لكن من ظلم وهم غير الانبياء (عليهم السلام)، بعضهم قال انه استثناء متصل ولكن من جملة محذوفة مثل الفراء يقول وانما يخاف غيرهم الا من ظلم.

*******

قصة موسى يوحى اليه

في ليلة ظلماء، كان موسى (عليه السَّلام) يسير بزوجته في طريق مصر وفي الصحراء فهبّت ريح باردة، وكانت زوجته قد أحسّت بوجع الطلق، فوجد موسى (عليه السَّلام) نفسه بمسيس الحاجة إلى النار لتصطلي المرأة بها، لكن لم يكن في الصحراء أي شيء، فلمّا لاحت له النّار من بعيد سرّ كثيراً، وعلم أنّها دليل على وجود إنسان أو أناس، فقال لِأَهْلِهِ: إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُم بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ.
لمّا وصل موسى (عليه السَّلام) الى النار ونظر بدقة، رأى النار تشتعل من غصن أخضر! وتتسع الشعلة لحظة بعد أخرى، والشجرة تزداد اخضراراً وجمالاً، فلا حرارة النار تحرق الشجرة، ولا رطوبة الشجرة تطفيء لهب النار، فتعجّب من هذا المشهد الرائع، وانحنى ليقتبس من هذه النار ويشعل الغصن اليابس (الحطب) الذي كان معه، فأتته النار فارتاع ورجع. فمرّة يأتي موسى إلى النار، ومرة تأتي النار إلى موسى، كان (عليه السَّلام) في واد اسمه «طُوًى» فكان موسى مستقبل القبلة، وتلك الشجرة عن يمينه من ناحية الغرب، بينما هو على هذه الحال وإذا بالنداء يقرع سمعه مبشراً إيّاه بالوحي: فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.
فأمر أولاً: بخلع نعليه تعظيماً وتكريماً وتوقيراً لتلك البقعة المباركة ولا سيمّا في تلك الليلة المباركة ثم خاطبه تعالى قائلاً له: «إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي»، ثم أخبره أن هذه الدنيا ليست بدار قرار وإنما الدار الباقية يوم القيامة التي لابدّ من كونها ووجودها وحضّه وحثه على العمل لها ومجانبة من لا يؤمن بها ممّن عصى مولاه واتبع هواه.
ثم قال له مخاطباً ومؤانساً ومبيناً له أنه القادر على كل شيء، والذي يَقُولُ للشيء كُن فَيَكُونُ: «وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى».
قال موسى: قال هي عصاي أتوكـّا عليها وأهشّ بها على غنمي ولي فيها مآرب اخرى، «قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى»، فَأَلْقَاهَا وفجأة صارت عصى موسى حَيَّةٌ عظيمة لها ضخامة هائلة وأنياب تصك، «فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى»، فَلَمَّا رَآهَا موسى (عليه السَّلام) ولّى هارباً منها ولم يتلفت، فناداه ربّه قائلاً له: «يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الآمِنِينَ»، فلمّا رجع أمره الله تعالى أن يمسكها.
«قَالَ خُذْهَا وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأُولَى»، ثم أمره تعالى بإدخال يده في جيبه. ومن ثم أمره بنزعها فإذا هي تتلألأ كالقمر بياضاً من غير سوء، أي من غير برص ولا بهق.
وهكذا ولمّا سمع موسى (عليه السَّلام) قوله تعالى: «يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ»، فهم من ذلك فهم يقين أن الذي يكلّمه هو ربّه والكلام كلامه، وذلك أنه كان وحياً منه تعالى.

*******

من هدي الائمة (عليه السلام)

روى أبو بصير عن أبي جعفر (عليه السَّلام)، قال: لمّا قضى موسى الأجل وسار بأهله نحو البيت أخطأ الطريق فرأى ناراًَ «قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا».
وفي كتاب طبّ الأئمة بإسناده عن جابر الجعفي عن الباقر (عليه السَّلام) في حديث قال: وقال الله عزَّ وجلَّ في قصة موسى (عليه السَّلام): «وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ»، يعني من غير برص.

*******

دروس وعبر

إن نداء الله تعالى له خصوصية تميّزه عن كلّ نداء آخر، وحين يسمعه الانسان يؤثر في روحه وقلبه تأثيراً لا يخالطه الشك أو التردد بأنَّ هذا النداء هو نداء الله سبحانه.
أنَّ الصدع بالرسالة والبلاغ (وآية رسالة وبلاغ ... رسالة إلى جبّار مستكبر ظالم كفرعون) لا بدّ له من قوّة ظاهرية وباطنية وسنج على حقانيته.
لا معنى للخوف والوحشة في محضر رب العالمين ومادام العبد بين يدي خالق الوجود العظيم، والحضور عنده ملازم للأمن المطلق.
المغفرة الإلهية لا تشمل الانسان إلاّ اذا عمل حسناً بعد سوء وعوّض ما فات من السيئات بالحسنات «إِلاَّ مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ».

*******

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة