البث المباشر

ولاية الله وولاية أوليائه -٥

الأربعاء 30 يناير 2019 - 10:39 بتوقيت طهران

الحلقة 146

احييك يا اخي تحية مودة وصفاء، في لقاء سابق علمنا ان اختيار الله تعالى لعلي بن ابي طالب (عليه السلام) قد حدث في اماكن عديدة على امتداد الرسالة المحمدية، فقي المسجد سدت جميع الابواب الاباب علي، وعند بناء قبا لم تسر الناقة الا بعلي، وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «ان الناقة لمأمورة»، وفي ميدان من ميادين الحرب ناجى رسول الله علياً ولم يناجي احداً غيره، وفي منزل النبي اخرج الله اناساً وادخل علياً، وفي خيبر اخذ الراية علي الذي يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ففتح الله على يده ولم يفتح على يد غيره. ان هذه الحوادث لتدل يا اخي على ان هناك ضوءاً محدداً لشخص محدد، وهذا الضوء يبتغي للناس ثقافة مشخصة تتفرد بالهداية والتبصير، وعلى امتداد هذا الطريق كان هناك طريق آخر يسير الى جانبه ويريد ليلتف عليه ويعيق مسيرته ويكون ثقافة مغايرة تكون فيما بعد هي الرأي العام السائد.
من هذه الحوادث التي دلت حركتها على الضوء الذي يتجه الى الامام علي (عليه السلام) هذا الحديث الصحيح الذي رواه احمد وغيره عن علي (عليه السلام) قال: لما نزلت الآية «وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ» جمع النبي عشيرته فأجتمع ثلاثون، فأكلوا وشربوا فقال لهم النبي: «من يضمن عني ديني ومواعيدي ويكون معي في الجنة ويكون خليفتي في اهلي، فقال رجل يا رسول الله انت كنت بحراً من يقوم بهذا فعرض عليهم الرسول هذا واحداً واحداً فقال علي انا».
وفي رواية «من يبايعني على ان يكون اخي وصاحبي ووارثي، فلم يقم اليه احد فقمت اليه وكنت اصغر القوم»، وفي رواية قال النبي: «من يبايعني على ان يكون اخي وصاحبي ووليكم من بعدي فمددت وقلت، انا ابايعك وانا يومئذ اصغر القوم فبايعني على ذلك». وفي رواية لابن اسحق وابن جرير وابن حاكم وابي نعيم ان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال عندما بايعه علي عليه: «ان هذا اخي ووصي وخليفتي فيكم فأسمعوا له واطيعوه فقام القوم يضحكون ويقولون لابي طالب قد امرك ان تسمع وتطيع».
آية الانذار تصرح بأنذار العشيرة الاقربين ولن تصرح بأنذار قريش عامة والعشيرة الاقربون انما بنوعبد المطلب او بنو هاشم، وفي مجمع البيان عشيرة الرجل قرابته، سموا بذلك لانه يعاشرهم ويعاشرونه وخص عشيرته وقرابته الاقربين بالذكر لانه لا استثناء في الدعوة ولا مداهنة ولا مساهلة، فلا فرق في تعلق الانذار بين النبي وامته ولا بين الاقارب والاجانب فالجميع عبيد الله والله مولاهم. ان انذار العشيرة الاقربين كان هو المقدمة الاولى لالقاء الضوء على علي بن ابي طالب (عليه السلام)، فهو ضوء في مركز الدائرة التي اراد الله لها ان تتسع وتتسع شيئاً فشيئاً وهو اتساع يواكب حركة الرسالة الهادية ويضع في اعتباره النفس القبائلية والعشائرية التي ترفض فرض اي قيادة عليها وفقاً للتصور الجاهلي.
اجل، اذا كان علي بن ابي طالب (عليه السلام) قد اصبح بعد مبايعته الرسول في يوم الدار رأس القوم على الرغم من صغر سنة فأنه بنص آية اخرى ارتقى الى مرتبة اعلى، قال الله تبارك وتعالى لرسوله «إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ»، قال المفسرون: انما انت يا محمد هادي تهتديهم من طريق الانذار وقد جرت سنة الله في عبادته ان يبعث في كل قوم هادياً يهديهم، والآية تدل على ان الارض لا تخلو من هاد يهدي الناس الى الحق انما نبي منذر وانما هادي يهدي بأمر الله، وفي الدار المنثور اخرج ابن جرير وابن مردويه وابن نعيم والديلمي وابن عساكر وابن النجار قال لما نزلت «إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ» وضع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يده على صدره وقال انا المنذر واومأ بيده الى علي وقال انت الهادي يا علي بك يهتدي المهتدون من بعدي، وروى الحاكم عن بريده الاسلمي قال دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالطهور وعنده علي بن ابي طالب فأخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) يد علي بعد ان تطهر فألصقها بصدره ثم قال: إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ ويعني نفسه ثم ردها الى صدر علي ثم قال: وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ، ثم قال له: انت منار الانام وراية الهدى وامير القراء واشهد على ذلك انك كذلك، وفي تفسير ابن كثير عن علي قال: «وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ» الهادي رجل من بني هاشم قال الجنيد وعلي بن ابي طالب رضي الله عنه.
هكذا الضوء يتسع شيئاً فشيئاً، اتسع في يوم المباهلة ويوم الكساء ويوم سد الابواب الا باب علي ويوم ان دعا الكتاب الى مودة ذوي القربى وسهم ذي القربى الى غيرها من سطعات الضوء التي كانت تتسع حول علي (عليه السلام) حتى جاء ذلك اليوم وضع فيه حول علي منقبة من اعظم المناقب لانها عليها تدور الحركة الواسعة للرسالة الاسلامية، روى مسلم عن علي (عليه السلام) قال: «والذي فلق الحبة وبرء النسمة انه لعهد النبي الامي الي ان لا يحبني الا مؤمن ولا يبغضني الا منافق»، وعن ام سلمة قالت كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «لا يحب علياً منافق ولا يبغضه مؤمن»، وروى الترمذي عن ابي سعيد الخدري قال «انما كنا نعرف المنافقين نحن معشر الانصار لبغضهم علي بن ابي طالب» وهذه المنقبة العظيمة هي عين المواجهة بين الرسالة الالهية الخاتمة وبين الرجس الذي استعار كاذباً عباءة الدين وما هو من الدين.
وثمة آفاق اخرى لدائرة الضوء التي كانت تتسع حول امير المؤمنين علي بن ابي طالب في ايام الرسالة المبكرة غايتها ان تعد الناس فكرياً ونفسياً لتلقي ولاية علي التي هي امتداد لولاية الله وولاية الرسول وليكون علي (عليه السلام) هو الميزان وهو الفرقان بين الحق والباطل والهدى والضلال والاخلاص لله والميثاق، وهو بعدئذ الضمانة التي ارادها الله عزوجل لمستقبل الرسالة بعد رحيل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهذا مما دلت عليه النصوص قطعية من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مثل قوله: «علي مع الحق والحق مع علي» ومثل احاديث اقتران القرآن والعترة التي كان رأسها علي بن ابي طالب (عليه السلام).

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة