البث المباشر

قيم الجاهلية بين الوليد الاموي والمتوكل العباسي

الثلاثاء 29 يناير 2019 - 11:57 بتوقيت طهران

الحلقة 134

مرحباً بك في ملتقى اليوم ونحن نواصل متابعتنا لحركة الحق وهي تكافح جاهدة تيارات الضلال في القرون الاولى من حياة المسلمين، ولقد فعل الضلال والاضلال افاعيله في مجالات السياسة والاقتصاد والمجتمع والثقافات السائدة، ولم يقف اهل الحق موقفاً مهزوماً رغم الاضطهاد وسياسات القمع والتمثيل واساليب المطاردة والصلب لن توهن من عزيمة الذين اختاروا المضي في طريق الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام) الذي يدور معه الحق كيف مادار، كما في نصوص عديدة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكان زيد بن علي بن الحسين (عليهما السلام) من الذين برزوا جهرة لمقاومة الظلم والاغتصاب الذي اشاعه بني امية، وقتل زيد (رضوان الله عليه) في ثورته عام ۱۲۲ هجرية فقطعوا رأسه وامر هشام بن عبدالملك بصلبه عرياناً، وظل جسد زيد مصلوباً الى ايام الوليد بن يزيد الذي امر بأنزاله واحراقه وتزيته في الماء، وفي ايام الوليد بن يزيد الذي لا يذكر المؤرخون غير مظاهر فسوقه والحاده انطلقت ثورة يحيى بن زيد بن علي بن الحسين (عليهم السلام) وكانت ان قتل هذا الثائر العلوي واحتز رأسه وصلب بالجوزجان من بلاد خراسان وبعث برأسه الى الحاكم الاموي، قال بن كثير قال القاضي ابو الفرج اخبار الوليد بن يزيد كثيرة قد جمعها الاخباريون مجموعة ومفردة وقد جمعت شيئاً من سيرته واخباره ومن شعره الذي ضمنه ما سجر به من جرأته وسفاهته وحمقه وهزله ومجونه وسخافة دينه وصرح به من الالحاد بالقرآن العزيز والكفر بمن انزله وانزل عليه.
الواقع ان الوليد بن يزيد المجاهر بأنحرافه واستهتاره بقيم الدين لم تحدث اقواله وتصرفاته من فراغ بل انه قد تلقاها من اسلافه الامويين ولن تذهب افعاله واعماله هباءاً بل قد ورثها من جاء بعده من الحاكمين المستبدين، في هذا الصدد دعنا يا اخي نقرأ لاحد مؤرخي الادب انه الدكتور يوسف خليف في كتابه حياة الشعر في الكوفة يقول اننا امام ظاهرة اجتماعية شديدة الخطر فلاول مرة في تاريخ المجتمع الاسلامي نجد انفسنا امام خليفة ماجن متهتك خليع، نسي انه امام المسلمين فأندفع في حياة زهيدة مستهترة حتى اطلق عليه لقب الخليع والناس على دين ملوكهم، وفعلاً اندفع كثير من الناس يقلدون خليفهم دون ان يجدوا في ذلك حرجاً عليهم او يخشوا تنفيذ الحدود فيهم، ويضيف الدكتور يوسف خليف وفي موجة الغناء والشعر والمجون استجاب كثير من الشباب الى هذا النداء ومضوا يغرقون همومهم في هذه الحياة الصاخبة المعاندة ويقول ايضاً كثرت جماعات المجون ودوت معزوفات ضخمة، وعلى الجسر الذي يصل بين الشاطئين الاموي والعباسي اخذت جماعات من المجان والخلعاء تمر فوقه لتستقبل الرذيلة على الشاطيء الآخر، وتبلغ الغواية مداها ويتساقط الشباب تساقط الفراش المتهافت على النار. وكلما اشتدت ظلمة الخاوية زاد عدد المتخبطين فيها وفي اعماقها السحيقة مضت جماعات من الشعراء تضرب على غير هدى قد الف اللهو بينهم والمجون كلهم خافق وكلهم خليع وكلهم سكير، وهذه المدرسة اللاهية هي التي ارست قواعد الغزل بالنساء وغزل الغلمان فالغزل في هذه المدرسة لم يكن حديث العاطفة انما كان حديث الغريزة ولم يكن نزوا الروح وانما كان نداء الجسد، وعلى بناء هذه المدرسة كثرت طائفة الجواري والمغنيات في مجتمع المسلمين وعلى اكناف هذه المدرسة انتشرت الزندقة ودقت ركائزها، وراج شعر الاديرة الماجن وكان الوليد بن عقبة وصاحبه ابو زبيد الطائي النصراني اول من حفر الحفرة لهذه البذرة في عهد عثمان بن عفان، ومع شعر الاديرة ومع الجواري سبحت الدولة الاموية في آخر ايامها ثم قامت بتسليم هذه الآفة الاجتماعية‌ الى الدولة العباسية حيث كثر الرقيق وكانت الجواري والغلمان والاماء من اجناس وثقافات وديانات وحضارات مختلفة، فأثر هذا في الحكام وابناءهم وكثرت الجواري في القصور وكانت بينهن من يعلقن الصلبان كما يقول الدكتور شوقي ضيف في كتابه العصر العباسي الاول.
على امتداد هذه المسيرة التاريخية التشويهية لن يقف العديد من الذين اختاروا خط الاسلام الواقعي موقف الصمت، في البداية استغل بنو العباس اسم آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) لتقديم صورة افضل لحركة المسلمين على طريق الاسلام ولما جاء عهد ابي جعفر المنصور تغيرت الحال اذ احاط المنصور نفسه بهالة من القداسة كان لها اسوء الاثر في خنوع الناس وخضوعهم للظلم والفساد وفي ظل حكمه الاستبدادي لن يحسب للرعية اي حساب. اجل في عهد المنصور هذا خرجت العديد من الرايات العلوية تطالب بأن تكون حركة المسلمين في عالم الاختبار حركة اسلامية ليفوزوا بالسعادة الدنيوية والاخروية، كان من هؤلاء محمد بن عبد الله بن الحسن بن علي (عليه السلام) عام ۱٤٥ هجرية، وكان يدعى بالنفس الزكية لزهده ونسكه الذي بويع له في كثير من الامصار وتصدت جيوش الدولة لحركة النفس الزكية وانتهى الامر بقتله لينضم الى الشهداء الذين سبقوه، وذكر المسعودي ان ابا جعفر المنصور جمع قادة حرسه وجيوشه وقال لهم: والله ما رأيت رجلاً انصح من الحجاج بن يوسف لبني مروان فقال له المصيب بن زهير يا امير المؤمنين ما سبقنا الحجاج بأمر تخلفنا عنه والله ما خلق الله على وجه الارض خلقاً اعز علينا من نبينا وقد امرتنا بقتل اولاده فأطعناك وفعلنا ذلك فهل نصحناك ام لا فقال له المنصور اجلس لاجلاء.
هكذا يا اخي عاد الحجاجمن جديد لكن في عالم تغلب عليه حياة الجواري تلك الحياة التي خرجت بذرتها من غاية بني امية ليستظل تحتها القادم الجديد، وسارت احوال خط هو خط علي بن ابي طالب في النظام العباسي بين ابا الدولة المكشوف وبين ابا الطرق الخفية المضمونة النتائج والذي تتدثر برداء من الطيبة الطاهرة، حتى اذا جاء عهد المتوكل العباسي امر بهدم قبر الامام ابي عبد الله الحسين (عليه السلام) وهدم ما حوله من الدور، يقول السيوطي وكان المتوكل معروفاً بالتعصب فتألم المسلمون من ذلك وهجاه الشعراء ومما قيل في ذلك:

لله ان كانت امية قد اتت

قتل ابن بنت نبيها مظلوماً

فلقد اتاه بنو ابيه بمثلها

هذا لعمري قبره مهدوماً

اسفوا على ان لا يكونوا شاركوا

في قتله فتتبعوه رميماً

وقال السيوطي قتل المتوكل يعقوب بن السكيت الامامة الغربية فأنه ندبه في تعليم اولاده فنظر المتوكل يوماً الى ولديه المعتز والمؤيد وقال لابن السكيت من احب اليك، هما او الحسن والحسين فقال ابن السكيت قنبر مولى على بن ابي طالب خير منهما عندها امر المتوكل الا تراك بحمله فداسوا بطنه حتى مات وقيل امر بثلم لسانه فمات رضوان الله عليه.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة