البث المباشر

جذور إذلال أهل المدينة المنورة

الثلاثاء 29 يناير 2019 - 11:57 بتوقيت طهران

الحلقة 133

نحن نقرأ صفحة من التاريخ في طلاقة الهواء بعيداً عن السراديب المظلمة، ‌في صفحة ناطقة نقرأ فيها المواقف المتمايزة والمضامين الفكرية والنفسية التي كان لها اثر في تاريخ المسلمين، فماذا ترانا نقرأ في هذه الصفحة من التاريخ؟
في حياته الشريفة حذر النبي (صلى الله عليه وآله) من الكيد لاهل المدينة او اقتراف اي عمل يؤدي الى اخافتهم، قال (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يكيد اهل المدينة احد الا ان ينماع كما ينماع الملح في الماء، وقال لا يريد احد المدينة بسوء الا اذابه الله في النار ذوب الرصاص، ونظيره قوله (صلى الله عليه وآله): من اخاف اهل المدينة ظلماً اخافه الله وعليه لعنة الله والملائكة والناس اجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرحاً ولا عدلاً، وبعد هذا التحذير اخبر النبي (صلى الله عليه وآله) ان الحرة سيقتل بها خيار الناس من اصحابه الذين ساروا على هدية فماذا حدث لاهل المدينة في يوم الحرة؟
ذكر الطبري وابن الاثير وغيرهما ان معاوية بن ابي سفيان حين حضره الموت قال لولده يزيد الذي جعله ولياً لعهده بالعنوة، قال له: قد وطأت لك البلاد وفرشت لك الناس ولست اخاف عليكم الا اهل الحجاز فأن رابك منهم ريب فوجه اليهم مسلم بن عقبة فأني قد جربته مرة فلن اجد له مثلاً في طاعته. اجل ان معاوية اوصى وهو على فراش الموت بالكيد لاهل المدينة ‌وبضربهم اذا هددوا سلطة ابنه يزيد، وعلى هذه الوصية سار يزيد يقول المسعودي كان يزيد صاحب طرب وجوارح وكلاب وقرود وفهود ومنادمة على الشراب وجلس ذات يوم على شرابه وعن يمينه ابن زياد وذلك بعد مقتل الحسين (عليه السلام) ثم امر المغنين فغنوا ويضيف المسعودي، وغلب على يزيد واصحابه وعماله ما كان يفعله من الفسوق وفي ايامه ظهر الغناء بمكة والمدينة واستعملت الملاهي واظهر الناس شرب الشراب.
وقال المسعودي: لما شمل الناس جور يزيد وعماله وعمهم ظلمه وما ظهر من فسقه ومن قتله ابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وانصاره وما اظهر من شرب الخمر، اخرج اهل المدينة عامله عليهم وهو عثمان بن ابي محمد بن ابي سفيان، وروى السيوطي ان عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة قال والله ما خرجنا على يزيد حتى خفنا ان نرمى بالحجارة من السماء انه رجل يفعل كذا وكذا ويشرب الخمر ويدع الصلاة.
وبدأ يزيد في تنفيذ وصية ابيه معاوية فأرسل الى مسلم بن عقبة ووضعه على رأس الجيش وقال له اذا قدمت المدينة فمن عاقك عن دخولها او نصب لك حرباً فالسيف السيف ولا تبقي عليهم وانتهبها عليهم ثلاثاً واجهز على جريحهم واقتل مدبرهم وان لم يعرضوا لك فأمضي الى مكة فقاتل ابن الزبير، وفعلاً سار مسلم بن عقبة الى المدينة ‌وكان اهلها قد حفروا خندق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي كان حفره يوم الاحزاب فكيف تصرف قائد جيش يزيد والحالة هذه؟ تقدم مسلم بن عقبة واجتاح المدينة فكانت واقعة عظيمة قتل فيها خلق كثير من الناس من بني هاشم والانصار وغيرهم، اباح مسلم بن عقبة المدينة ثلاثة ايام وانتهبت اموال كثيرة ووقع شر عظيم وفساد عريض كما يذكر ابن كثير. وذكر ابن كثير ايضاً ان ابن عقبة هذا قتل الف بكر وقتل سبعمئه من حملة القرآن وغيرهم كثير لم يحصوا، وقال مؤلف كتاب المحن انه قتل يوم الحرة من اصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثمانون ولم يبق بعد ذلك بدري، وجاء في كتاب البداية والنهاية ان الف امرأة من اهل المدينة ولدت بعد وقعة الحرة من غير زوج وهرب يوم الحرة الى كهوف الجبال العديد من الصحابة منهم جابر بن عبد الله وابو سعيد الخدري.
ولم تكن الكارثة في قتل اهل المدينة وحسب بل كانت الكارثة‌ ايضاً في ان الناس بايعوا يزيد على انهم عبيد له وهكذا اكتملت الدائرة بأتخاذ بني امية‌ عبيد الله خولا بعد ان اتخذوا دين الله دخلاً ومال الله دولاً، ولم يكن هذا كله قد حدث بعد وفاة النبي بألف عام وانما وقعت هذه الاحداث في العام الثالث والستين للهجرة ورواها اصحاب التواريخ والتراجم والسير واجمعوا على ان يزيد بن معاوية‌ بن ابي سفيان قد اباح مدينة الرسول ونهب الاموال وهتك الاعراض وقتل النفس التي حرم الله الا بالحق وبايعه الناس على انهم عبيد له، والواقع ان ترك الامام الحسين (عليه السلام) وحدة في ساحة المواجهة وعدم نصرته قد فتح ابواب الابتلاء والعقاب وان الحسين الذي قصد يزيد كان ابعد نظراً من الذين جمعوا حريمهم واولادهم في المدينة وامروهم بالخروج على يزيد، لقد كان ابو عبد الله الحسين (صلوات الله عليه) اعلم بيزيد وبخطه منهم لانه كان يتحرك بعلم وبصيرة، اما الكفرة فكانت حركتهم غير مضبوطة لان زيت حركتهم اختلطت به شوائب كثيرة، رفع ابن معاوية الحراب في وجه الامام الحسين ثم قام بتوسيع الدائرة فرفعها ضد الرأي العام الذي يسير في خط معاكس للسلطة وعندما قيل للحسين (عليه السلام) ان يذهب الى يزيد ويبايعه اقسم الامام (عليه السلام) انهم لن يتركوه فأما يريدون البيعة واما قتله على كل حال ويوم الحرة علمنا ان البعض طلب البيعة على حكم القرآن وسنة رسول الله فكان جزاءهم ان ضربت اعناقهم ثم بايع الناس على انهم عبيد ليزيد الذي كان عمره انذاك نيفاً وثلاثين سنة ان شاء باعهم وان شاء اعتقهم.
ان يزيد دخل الى جميع دوائر الانتهاك بعد قتله سيد شباب اهل الجنة‌ (سلام الله عليه) فأذى الخط الذي يسوق الناس الى الله ووجه ضربات الى الثقل الذي لا ينفصل عن القرآن حتى يرد الحوض، لقد تعاملوا مع عترة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) التعامل الذي ينم عن عداء مستحكم للنبي وعترته ثم تعاملوا مع المقدسات من منظور حماية السلطة للخارجين عليها فدخلت خيولهم المسجد النبي وهدموا البيت العتيق، وفي جميع الحالات لن يصب ابن الزبير وغيره في الاحتماء بالبيت من اجل الملك فعلى امتداد التاريخ لم نسمع بواحد من اهل البيت الاطهار قد احتمى بالمساجد وانما كانت حركتهم مضبوطة لانها حركة في جميع الحالات تسعى لاقامة الحجة واعادة الناس الى الله عزوجل ولم يكن همهم الملك وهل يسعى قتيل يعلم بمكان قتله من اجل الملك؟

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة