البث المباشر

نظرة المهدي في ضوء فلسفة التاريخ

الثلاثاء 20 نوفمبر 2018 - 14:13 بتوقيت طهران
نظرة المهدي في ضوء فلسفة التاريخ

الفرق والمذاهب الاسلامية تجمع - مع اختلاف طفيف بينها - على حتمية انتصار قوى الحق والعدالة والسلام في صراعها مع قوى الباطل والظلم والعدوان في نهاية المطاف.

وتؤمن بغد يشع فيه نور الاسلام على جميع ربوع المعمورة، وتسود فيه القيم الانسانية سيادة تامة، ويتحقق ظهور المدينة الفاضلة والمجتمع الامثل. المسلمون يجمعون أيضا أن هذه الآمال الانسانية الكبيرة ستتحقق على يد شخصية مقدسة أطلقت عليها الروايات الاسلامية اسم "المهدي". هذه الفكرة تنطلق أساسا من المفاهيم القرانية التي تؤكد على حتمية انتصار رسالة السماء وحتمية انتصار الصالحين والمتقين، وحتمية انهزام قوى الظلم والطغيان وحتمية بزوغ فجر غد مشرق سعيد على البشرية. هذه الفكرة تنطوي قبل كل شيء على نظرة تفاؤلية تجاه المسيرة العامة للنظام الطبيعي وتجاه مسيرة التاريخ، وتبعث الامل في المستقبل، وتزيل كل النظرات التشاؤمية بالنسبة لما تنتظره البشرية في آخر تطلعاتها.

انتظار الفرج

الامل في تحقق هذا الهدف الانساني العالمي، ورد في الروايات الاسلامية بعبارة "انتظار الفرج"، واعتبر الاسلام هذا الانتظار عبادة بل من أفضل العبادات. مبدأ انتظار الفرج يمكن استنباطه من مفهوم قرآني آخر هو "حرمة اليأس من روح الله". المجموعة المؤمنة بالنصر الالهي لا تفقد الأمل مهما قست الظروف ولا تسلم نفسها لليأس والعبث باي حال من الاحوال. مفهوم انتظار الفرج وعدم اليأس من روح الله من المفاهيم الاسلامية الشاملة التي لا تختص بفرد معين وجماعة محددة، فهو يحمل البشائر للبشرية بأجمعها، ويحمل معه أيضا صفات محددة لهذه البشائر.

نوعان من الانتظار

انتظار الفرج، والتطلع الى مستقبل أفضل على نوعين: الاول: انتظار مثمر بناء يبعث على الالتزام ويمنح القوة والتحرك، و مثل هذه الانتظار يمكنه أن يكون نوعا من العبادة وطريقا لطلب الحق. الثاني: انتظار محرم هدام يؤدي الى الوقوع في الاغلال والى شل الطاقات، ويمكن اعتباره نوعا من "الاباحية" كما سنوضح ذلك في آخر هذا البحث. هذان النوعان من الانتظار ينطلقان من انطباعين مختلفين عن ظهور المهدي الموعود. وهذان الانطباعان بدورهما ناشئان عن رؤيتين متباينتين للتطورات والتغيرات التاريخية. من هنا يلزمنا أن نلقي بعض الضوء على طبيعة مجرى الاحداث التاريخية.

شخصية المجتمع وطبيعته

هل التطورات التاريخية سلسلة من الامور الطبيعية أم مجموعة من الاحداث التي تتحكم فيها الصدفة والاتفاق؟ الطبيعة خالية طبعا من الصدفة الواقعية، أي خالية من بروز وحدوث ظاهرة ليست لها علة. لكن الصدفة موجودة بشكل نسبي قطعا. لو خرجت صباح أحد الايام من بيتك، وشاهدت صديقا لك لم تره منذ سنين وهو يمر من أمام بيتك، فانك ستقول: ان هذا اللقاء حدث بطريق المصادفة والاتفاق. لماذا؟… لان طبيعة الخروج من البيت - بشكل عام - لا تستلزم مثل هذا اللقاء. ولو استلزم ذلك لا لتقيت بهذا الصديق كل يوم. نحن اذن نطلق اسم "الصدفة" على كل ظاهرة لا تنسجم علتها مع الطبيعة العامة لعلة تلك الظاهرة. ما يحدث بالصدفة لا يخضع لضوابط عامة، ولا لقوانين علمية، اذ ان القوانين العلمية تعبر عن الاحداث العامة للطبيعة. نعود الى السوال الذي طرحناه آنفا… رب قائل: ان احداث التاريخ هي سلسلة من الصدف والاتفاقات، أي انها لا تنضبط تحت قاعدة عامة… هذه المقولة تعني: أن المجتمع عبارة عن مجموعة من أفراد ذوي طبائع فردية شخصية. وما يقوم به هولاء الافراد من نشاطات نابعة من دوافعهم الفردية الشخصية، يؤدي الى سلسلة من المصادفات والاتفاقات.. وهذه بدورها تؤدي الى التغييرات التاريخية.
هذه نظرة.. والنظرة الاخرى ترى أن للمجتمع وجوده وشخصيته المستقلة عن الافراد، وله مسيرته التي تقتضيها طبيعته وشخصيته. فشخصية المجتمع هي غير شخصية الافراد، والشخصية الواقعية والحقيقية للمجتمع تركيب مكون من التفاعل الثقافي للافراد كسائر التراكيب المشهودة في الطبيعة الحية والجامدة. المجتمع - بناء على هذا - له طبيعته وقواعده وضوابطه الخاصة التي تؤطر مسيرته، وهذه المسيرة بكل ما فيها من أفعال وردود أفعال انما تقوم على أساس قوانين كلية عامة. لا يمكن أن تكون للتاريخ فلسفة ولا قواعد ولا ضوابط عامة، ولا بمقدوره أن يكون موضوعا للفكر وأساسا للدراسة والتذكر والاعتبار ما لم يكن للمجتمع شخصية مستقلة وطبيعة خاصة. وان افتقد المجتمع هذه الشخصية المستقلة تحول التاريخ الى تعبير عن حية مجموعة من الافراد، وفقد عطاءه التربوي. وان كانت في مثل هذا التاريخ عظة وعبرة، اقتصرت العظة والعبرة على الحياة الفردية ولا تتعداها الى حياة الشعوب والجماعات. فهمنا لاحداث التاريخ يقوم اذن على اساس فهمنا لشخصية المجتمع وطبيعته. 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة