البث المباشر

إطاحة الدولار الأمريكي عن عرشه

السبت 6 أكتوبر 2018 - 15:31 بتوقيت طهران
إطاحة الدولار الأمريكي عن عرشه

نهاية عصر الدُولار أوْشكت... وحرب العملات بين الصين وأمريكا تقترب من ذروتها وقد تتطور إلى مواجهات عسكرية... العالم يتوحَد لإنهاء هيمنة العملة الأمريكية... وصدام والقذافي أول من تصدى لها ودفعوا ثمنا باهظا... وإليكم قراءتنا المدعَمة بالحقائق.

هيْمنة الدُولار الأمريكي كعملة احتياط رئيسية في العالم بأسْره بدأت تتضعضع، وتقترب من الانهيار الكامل، وربما خلال أشْهر معدودة، في ظل تزايد التَوجُه في معظم دول العالم للتخلي عن العملة الأمريكية بعد أن طفح كيلهم من الغطرسة والحصارات والعقوبات الاقتصادية والانخراط في حروب هزت استقرار العالم وأمنه واقتصاده.

فعندما تقدم دول مثل الصين وروسيا وايران وفنزويلا على خطوات استراتيجية جدية للتَخلي عن الدُولار لمصلحة عملات أخرى مثل اليوان الصيني و"اليورو"، فإن هذا يعني أن "عرش" الدُولار الأمريكي بات مهدَدا، وأن هيمنته باتت أيامها معدودة.

الصين اتَخذت قرارا قبل أيام باعتماد عملتها المحلية "اليوان" لتسعير النفط وتسديد وارداتها منه، في كل العقود النفطية المستقبلية، وإطلاق "البترو يوان" كبديل لـ"البترو دولار" اعتبارا من أوائل العام المقبل.

الخطأ الأكبر الذي ارتكبته الولايات المتحدة عام ۱۹۷۱ بفك ارتباط عملتها بالذَهب، والانسحاب من الاتفاق المالي Bretton Woods الذي جرى التَوصُل إليه بعد الحرب العالمية الثانية، مما سمح للبنك المركزي بطبع المليارات من الدولارات دون غطاء الذَهب، بدأت نتائجه تنعكس هذه الأيام بجلاء، خاصَة مع مجيء الرئيس إلى البيت الأبيض، وأبْرزها انهيار عرش الدُولار.
***
جان كلود يونكر، رئيس المفوضية الأوروبية سخر من إقدام الولايات المتحدة على إجبار الأوروبيين على شراء سلعهم الخاصة بالدُولار، ووصف هذه الخطوة الأمريكية بـ "السَخيفة"، بينما قال وزير المالية الفرنسي برونو لوماير قبل أيام بأنه يريد أن تكون حكومته المالية غير مرتبطة بالدُولار، وأكدت وكالة "بلومبرغ" الاقتصادية العالمية، أن روسيا تقلص أصولها المالية من الدُولار لارتفاع المخاطر المرتبطة بالعملة الأمريكية في التَعاملات الدولية بالإضافة للتحدي الصيني المتصاعد.

الحرب التجارية التي يعلنها الرئيس ترامب على أوروبا وكندا والصين وروسيا وفرضه ضرائب عالية على الواردات الأمريكية القادمة منها (۲۰۰ مليار دولار على الصين وحدها كدفعة أولى) باتت تلعب دورا كبيرا في توحيد العالم ضد الولايات المتحدة وإنهاء هيمنتها الاقتصادية وبأسرع وقت ممكن.

قرار الدُول الخمس المذكورة آنفا بالتخلي عن الدُولار (الصين، روسيا، إيران، فنزويلا والاتحاد الأوروبي) سيؤدي إلى إضعاف، إن لم يكن إنهاء، سلاح العقوبات الاقتصادية الذي تستخدمه الإدارة الأمريكية بشكل مبالغ فيه هذه الأيام، لأن الاستغناء عن الدُولار عالميًا، كليًا أو جزئيًا، سيقلص من القدرة الشرائية للمستهلك الأمريكي، حيث سيؤدي إلى جعل قيمة الواردات مرتفعة جدًا، وفوق مقدراته الشرائية، حسب أقوال الكثير من الخبراء الاقتصاديين الذين يتابعون هذه الحرب المالية.

الصين هي أكبر دولة مستوردة للنفط في العالم، أو ما يعادل ۸٫٤۸ مليون برميل يوميًا، وروسيا هي أكبر دولة مصدرة له بعد السعودية، أي ما يعادل حوالي ۷٫۳ برميل يوميًا، ومن المنطقي أن تتخلى الدَولتان عن الدُولار في تسعير النفط، وتسديد ثمنه استيرادا وتصديرا.

هناك معلومات مؤكدة تفيد بأن الصين تمارس ضغوطا على المملكة العربية السعودية بقبول عملتها المحلية "اليوان" لتسديد قيمة وارداتها النفطية منها، وإذا رفضت فإنها ستلجأ إلى مصادر بديلة أخرى.

معظم صادرات دول الخليج (الفارسي) وإيران تذهب حاليًا إلى الصين ودول شرق أسيا، وحتى نكون أكثر دقة فإن ۱۸ مليون برميل تمر يوميًا عبر مضيق هرمز تذهب ۸۰ بالمئة منها إلى تلك الأسواق الآسيوية، والصين والهند على رأسها.

التخلي عن الدولار كعملة احتياط رئيسية دولية مغامرة ليست خالية من المخاطر، فعندما أراد الرئيس العراقي صدام حسين بيع نفط العراق (حوالي ٥ مليون برميل يوميًا) باليورو والتخلي عن الدُولار لم تغفر له أمريكا هذه الخطوة، ودمرت بلاده تحت حجج وأعذار كاذبة (أسلحة الدمار الشامل) ونصبت له مصيدة الكويت، وواجه العقيد معمر القذافي المصير نفسه عندما قرر إصدار الدينار الذَهبي الأفريقي للاستغناء عن الدُولار، وأكدت وثائق فرنسية وبريطانية أن غزو "الناتو" لليبيا وتغيير نظامها جاء بسبب هذه الخطوة وبتحريض أمريكي.
***
الحملة الشَرسة ذات الطابع الابتزازي التي يشنها الرئيس ترامب حاليًا على السعودية ودول أخرى يجب النَظر إليها من هذه الزاوية، وبهدف إرهاب هذه الدول وإجبارها على البقاء تحت مظلة الحماية الأمريكية، وعدم التخلي عن الدُولار.

أمريكا يمكن أن تفعل أي شيء للحفاظ على قوة وسيادة عملتها ولن تتردَد في إشعال الحروب، وغزو بلدان أخرى من أجل هذا الهدف على أساس المقولة المعروفة "عندما يفشلوا في كل شيء فإنهم يذهبون إلى الحروب".

السُؤال هو: هل تذهب أمريكا إلى الحرب ضد الصين التي تعتبرها الخطر الأكبر عليها، أم ضد روسيا؟ أم الاثنتين معا، وربما تكون الحرب مع إيران الطَبق الفاتح للشَهية.

الصين ليست العراق الذي كان محاصرا لمدة ۱۲ عاما، وفلاديمير بوتين ليس معمر القذافي، ويتربع على عرش دولة عظمى تملك آلاف الرُؤوس النَووية.

حرب العملات وعنوانها الأبرز إطاحة الدولار الأمريكي عن عرشه الذي تربع عليه منذ الحرب العالمية الثانية بدأت فعْلا، وقد تتطور إلى حرب عالمية ثالثة... والأيام بيْننا.

عبد الباري عطوان

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة