البث المباشر

ما هو سؤال الله للناس جميعاً؟

السبت 30 نوفمبر 2019 - 14:56 بتوقيت طهران
ما هو سؤال الله للناس جميعاً؟

يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ}.

 

والسؤال الإلهي يشمل كلّ خلق الله تعالى، في ما حمّلهم سبحانه من مسؤوليات، فالله تعالى، كما يسأل الناس الذين أرسل إليهم الأنبياء ليبلّغوهم كلمة الله، فإنه يسأل المرسَلين عمّا بلّغوه، فكلّ رسول معرّض للسؤال كيف بلّغ رسالته، والأسلوب الذي اتّبعه، والمناخ الذي حرّكه في رسالته: { فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ ـ وهم الناس، كيف تمثّلوا دعوة الرّسل، هل آمنوا بها أو كذّبوها ـ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ}.

 

ويحدثنا الله تعالى عن يوم القيامة، وعن النّاس وهم يتبعون بعضهم بعضاً. وينطلق النداء الإلهي: { وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ ـ احبسوهم في موقعهم الذي هم فيه، أوقفوهم عن الحركة حتى يواجهوا السؤال، هؤلاء الذين عاشوا الحياة في خطّ الانحراف عن الله ـ مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ ـ لماذا لا تنصرون بعضكم بعضاً في الآخرة؟ لماذا لا ينصركم الذين كنتم تعبدون من دون الله ـ بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ}، لأنهم لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً. ونقرأ في قوله تعالى: { فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، فكل عمل يقوم به الإنسان، سواء كان عملاً يتّصل بحياته الفردية أو العائلية أو الاجتماعية أو الاقتصادية أو الأمنية أو السياسية... سوف يُسأل عنه: على أيّ أساس قام به، وفي أي اتجاه؟

 

ونقرأ عن رسول الله (ص)، وهو سيد الخلق وحبيب الله: "إني مسؤول وإنكم مسؤولون". إن الله سوف يسأل رسوله عن كلّ ما قام به في حركة الرسالة، كيف بلّغها؟ وكيف واجه التحديات؟ وكيف حارب وكيف سالم؟ وكيف عاش مع أمته؟ وكيف سار في منهجه الأخلاقي وما الى ذلك؟ فكأن النبي (ص) يريد أن يقول لنا: إن كل واحد منكم يتحمّل أمام الله مسؤولية كلّ حركة في حياته، فعلى كلٍّ منكم أن يحسب حساب عمله وكلامه عندما يصدران عنه، فإذا سألني الله عن هذا العمل فهل أملك جواباً؟ العمل في البيت، في السلوك، مع الزوجة والأولاد والجيران، العمل في المجتمع وفي كلّ مواقع التحدّيات.

 

ويقول الإمام عليّ (ع): "أوصيكم بتقوى الله فيما أنتم عنه مسؤولون، وإليه تصيرون، فإنّ الله تعالى يقول: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ}"، فأنت مرهون بعملك، فإذا كان عملك مرضياً عند الله، فسوف يفكّ رهانك ولن تُحتبس، وأما إذا كان عملك غير مرض، فسوف تبقى مرتهناً به، ولن تستطيع أن تتحرر منه.

 

ويقول (ع): "اتقوا الله ـ خافوه وراقبوه واحسبوا حسابه ـ في عباده ـ كيف تتعاملون مع عباد الله، لا تظلموهم، لا تغشوهم، لا تؤذوهم، لا تأكلوا أموالهم بالباطل ـ وبلاده ـ لا تفسدوا البلاد على من فيها وتحوّلوها ساحة للفتنة ـ فإنّكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم، أطيعوا الله ولا تعصوه".

 

وورد عن رسول الله (ص) أنّه قال، وهو يوجّه كلامه إلى قرّاء القرآن، هؤلاء الذين تعلّموا القرآن ودرسوه وقرأوه على الناس: "يا معاشر قرّاء القرآن، اتّقوا الله عزَّ وجلَّ في ما حمّلكم من كتابه ـ عليكم أن تعتبروا القرآن رسالة تعملون بها وتدعون الناس إليها ـ فإني مسؤول وإنكم مسؤولون، إني ـ وأنا رسول الله ـ مسؤول عن تبليغ الرسالة، وأما أنتم فتُسألون عمّا حُمّلتم من كتاب الله وسنّتي".

 

ويقول النبيّ (ص)، وهو كلام موجّه إلى كل إنسان يتحمّل مسؤوليّة في دائرته الخاصّة: "ألا كلّكم راعٍ وكلّكم مسؤول عن رعّيته ـ فكلّ إنسان سيسأله الله عن رعيته التي تحمّل مسؤوليتها في الحياة ـ فالأمير الذي على الناس راعٍ وهو مسؤول عن رعيته، والرّجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم".

 

ولذلك، فعلى الإنسان الذي يعيش المسؤوليّة عن رعيّته للناس في أية دائرة، سواء كانت محدودة أو كبيرة، أن يتحمّل مسؤوليّة كلّ شخص يقع تحت دائرته. وورد في الحديث عن رسول الله (ص): "ملعون ملعون من ضيّع من يعول".

 

ويقول الله تعالى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ـ لا تتبع كلّ ما لا تملك علمه ومعرفته، سواء في ما تعتقده أو تتحدّث به، أو في ما تمارسه في حياتك ـ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُول}. ويقول الإمام الصادق (ع) في تفسير هذه الآية: "يُسأل السمع عمّا سمع، والبصر عمّا نظر إليه، والفؤاد عمّا عقد عليه".

 

العلامة السيد محمد حسين فضل الله

 

*من الخطب الدينية – أرشيف خطب الجمعة العام 2005.

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة