لا نعتقد ان الذي يقول مثل هذا الكلام قد وصل الى هذه النتيجة بعد تدقيق وتمحيص في السياسة الايرانية، وفي طبيعة العلاقة بين ايران و دول الجوار وطبيعة العلاقة بين ايران وامريكا، فهو لا يتوخى الحقيقة من وراء هذا التشكيك، وهدفه هو التماهي مع السياسة الفاشلة لبعض المسؤولين الخليجيين المنبطحين امام السيد الامريكي.
ان مجرد نظرة سريعة من قبل المتابع المنصف للسياسة الايرانية ، تدفعه الى التلمس وبكل وضوح، ان ايران تتعامل مع جيرانها من منطلق "رحماء بينهم"، وكذلك من منطلق "احمل اخاك على سبعين محمل" ، وهو تعامل على النقيض تماما من تعامل ايران مع امريكا والكيان الاسرائيلي، فهذا التعامل ينطلق من منطلق "اشداء على الكفار" ، ولا تنطلق ايران من هاتين العلاقتين من تاثيرات آنية او تكتيكية، بل انطلاقا من مبادىء ثابتة لا تتغير مع تغير الظروف.
في الوقت الذي تمد ايران يدها الى الدول الجارة في الخليج الفارسي، وتقدم المبادرات تلو المبادرات واخرها مبادرة "سلام هرمز"، وترسل الرسائل الى زعماء هذه الدول للالتقاء على المشتركات العديدة التي تربط شعوب المنطقة للحيلولة دون استغلال العدو ثغرة الخلافات الجزئية للتسلل الى المنطقة وضرب استقرارها وامنها ونهب ثرواتها، نرى في المقابل صدا ايرانيا حازما وواضحا لليد الامريكية ، ورفضا لكل الرسائل التي يرسل بها ترامب بيد العديد من قادة العالم الى ايران ، والعالم كله يعرف ما تعني ان يرفض بلد ما الحوار او التفاوض مع اكبر قوة في العالم!.
ايران التي يرى بعض المغرضين والسذج في دول الخليج الفارسي ، انها ترسل رسائل الى مسؤولي السعودية والبحرين لانها في "وضع صعب"!!، نفذت قبل ايام وامام العالم اجمع المرحلة الرابعة من تقليص التزاماتها في الاتفاق النووي، دون خوف من امريكا وكل القوى الكبرى الاخرى، بعد أن نكثوا بعهودهم، ايران التي يتهمها هؤلاء السذج بانها "تطلب القوة والمنعة من البحرين والسعودية"!!، هي التي اسقطت البارحة طائرة مسيرة بمجرد انتهاكها الاجواء الايرانية، دون ان تضع بحسبانها لمن تعود ومن الذي ارسلها، ايران هذه هي التي اسقطت طائرة التجسس الامريكية العملاقة غلوبال هوك وهي على ارتفاع 20 الف متر، دون ان يتجرأ ترامب على الرد ، ايران هي التي احتجزت ناقلة النفط البريطانية لمجرد انتهاكها قوانين الملاحة الدولية في الخليج الفارسي وانزلت العلم البريطاني من عليها في الوقت الذي كانت محاطة بالبوراج والمدمرات الامريكية والبريطانية.
قلنا ان ايران تنطلق من مبدا" احمل اخاك على سبعين محمل" عندما تبعث برسائل سلام الى اشقائها في الدين بالمنطقة، رغم انها تراقب وبكل دقة تحركات الكيان الاسرائيلي والتقارب الحاصل بين بعض المخدوعين في منطقتنا وهذا الكيان الغاصب للقدس، ولكنها رغم ذلك ترى في هذه الدول جيرانا فرضتهم الجغرافيا والعلاقات التاريخية والدينية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية ، فارتبط امنها واستقرارها بهم، ولا يمكن ان تقفز من فوق كل هذه الحقائق الثابتة، كما يفعل بعض مراهقي السياسة في بعض الدول الخليجية وبعض الاعلاميين والصحفيين والسياسيين المتملقين لهم، فالضرورة تقتضي ان تتواصل ايران مع جيرانها، وتسعى الى التقارب معهم ومنع الامريكيين والصهاينة من الاصطياد في المياه العكرة.
ان على دول الخليج الفارسي ان تقرأ رسائل ايران بعناية ودقة، فهي رسائل وصلت اليهم من جار مسلم ، يتمتع بقوة ارهبت اقوى قوى الشر في العالم ، امريكا والكيان الاسرائيلي، فالخير كل الخير في هذه الرسائل، فعليها الا تصغي لوسوسات شياطين امريكا والصهاينة، فايران كانت وستبقى جارا مسالما، لم يسجل تاريخها الحديث على مدى اكثر من قرنين ، ان اعتدت على جار او هددت بلدا، بل على العكس تماما، تعرضت لاكثر من عدوان من قبل جيرانها، وكان بامكانها الانتقام لنفسها، الا انها فضلت استخدام مبدأ "العفو" ، ورجحت امن واستقرار المنطقة برمتها على اشباع غريزة الانتقام، لانها تعتقد ان جميع من في المنطقة على مركب واحد، فاما ان يعيشوا بامان واما ان تبقى الامواج تتقاذف المركب ومن عليه.
منيب السائح / العالم