لا ينبغي لمثلي الغفلة عن هذه الجوهرة الثمينة يجب ان اذهب اليه لاكتسب مما اوتي من الحكمة طرفاً، ينبغي ان اتحرك اليه فوراً.
مرت هذه الكلمات في ذهنه وهو يمسح برفق الكشكول الذي ما فارقه منذ سنين طويلة، لقد عزم على التوجه الى ذلك الشخص الذي وصفه بانه جوهرة ثمينة ولم يكن هذا الوصف من بنات افكاره بل قد جرى على لسان احد الصالحين توجه اليه صاحب الكشكول ليشكو اليه مرضاً روحياً استحوذ عليه قال صاحب الكشكول لهذا العبد الصالح: منذ مدة وروحي معذبة بحالة مؤلمة من اساءة الظن بالاخرين، كلما رأيت احداً منهم انطبعت في ذهني عنه صورة الانسان الغافل عن دينه وآخرته الغريق في حب دنياه وزخرفها، فلا اكاد اصبر ولو بمقدار قليل لاتعرف على حقيقة امره! كان الالم يطفح على كلمات صاحب الكشكول وهو يعرض ما يقاسيه على ذلك العبد الصالح فاجابه: ليس عندي لدائك ولكني اهديك الى ولي من احباب الله تجد عنده ما تريد وفوق ما تريد من علم الكتاب الحكمة فقد اوتي منها الخير الكثير انه حقاً جوهرة ثمينة.
سأل صاحب الكشكول بلهفة عن مكان هذه الجوهرة الثمينة فاخبره العبد الصالح عن اسمه ومكانه وكان يقيم في بلدة بعيدة لا بأس الامر جدير بتحمل مشقة هذا السفر الطويل للوصول اليه والانتفاع من حكمته وعلمه الذي فيه شفاء القلوب.
قال صاحب الكشكول ذلك وقد عزم على التحرك فوراً لزيارة تلك الجوهرة الثمينة، كانت المفاجأة شديدة الوقع على الرجل، قد هاله ما رأى وهو يدخل بيت ذاك الولي الجوهرة قد كان ما رأى بعيداً كل البعد عن الصورة التي رسمها في ذهنه للمحل الذي قصده وللرجل الذي وفد عليه بكل تلك اللهفة.
الصورة التي رسمها في ذهنه للمحل هي صورة صومعة او بيت طيني شبيه بها يخلو من انواع الاثاث المألوفة في بيوت الاخرين لكنه اصطدم وهو يدخل البيت الذي قصده بشيء آخر بعيد للغاية عن صورة الصومعة وما شابهها فالبيت واسع مرتب ومؤثث بمثل ما يؤثث الاخرون بيوتهم صحيح انه لا يختلف عن بيوت الآخرين من اواسط الناس ولكن صاحبه ليس كالاخرين فهو الجوهرة الثمينة.
الصورة التي رسمها لهيئة الرجل الذي وفد عليه هي صورة الزاهد الذي يظهر زهده في ملابسه البالية ومظهره الدرويشي، لكنه يرى امامه رجلاً حسن الهيئة يرتدي ملابس نظيفة مرتبة ومحاسنه منظمة بعناية، كان يتوق ان يرى رجلاً مثله في زيه وهيئته يحمل الكشكول ويكتفي به عن كل متاع الدنيا لكنه فوجئ برجل آخر خلاف ما كان يتوقع بالكامل.
نسي صاحب الكشكول الهدف الذي وفد على الرجل من اجله، واحس ان عليه ان يعالج الرجل من هذه الحالة التي هو عليها فقد رآها منافية للزهد في متاع الدنيا لا تناسب رجلاً بمثل مقام هذه الجوهرة الثمينة التي اوتيت من الحكمة خيراً كثيراً، فطفق يعظه بمواعظ ذم الدنيا والزهد فيها مؤنباً له على ذلك، وعلى كثرة تردد الناس من الاخرين على منزله وشدة اهتمامه بهم كثرة تحدثه واجتهاده في قضاء حوائجهم واظب في الحديث عن عدم مناسبة كل ذلك لشأنه لانه عالم رباني.
عند هذا المقطع نتوقف عن سرد قصة زهد صاحب الكشكول، فهل ستؤثر مواعظه في هذا العالم الرباني وقبل ذلك هل كان تشخيصه للداء صائباً؟ وكيف سيستجيب العالم لنصائح صاحب الكشكول تتمة هذه القصة فيها الكثير من الطرافة والعبرة، فكونوا معنا ونحن نتابع حكايتها لكم في الحلقة الاتية من قصص من الحياة.
*******