اعتدت ان ارى في وجهه اسارير الفرح في كل مرة يعود فيها من زيارة مدينة مشهد المقدسة بحرم الامام علي بن موسى الرضا عليه السلام ولكنني وجدته هذه المرة اشد فرحاً من جميع المرات السابقة كنت اعرف سبب فرحه في كل مرة يعود فيها من زيارته للامام الرضا عليه السلام فقد قلت له مرة وقد اثار انتباهي سروره البالغ بالزيارة: هل فرحك هذا هو بالثواب الجزيل الذي ذكرته الاحاديث الشريفة لزوار النبي والائمة عليهم السلام وللامام الغريب الرضا؟
هذا الثواب جزيل ولا ريب وحري ان يتنافس فيه المتنافسون ويفرح به المؤمنون الذين يزورونهم بنية خالصة ومعرفة صادقة بمقاماتهم ولكن لفرحي سبباً آخراً.
اثارت كلماته حافزاً اضافياً لمعرفة سر فرحه فعاودت السؤال عنه فاجاب: ان فرحي هو بالعطايا التي احصل عليها من الامام عليه السلام عند زيارته.
فسرت قوله بالمعنى المجازي او بالارتياح النفسي والروحي الحاصل من زيارة الصالحين واستذكار مواطن العظمة والصلاح في مقاماتهم وسلوكياتهم وبعث دوافع التأسي والاقتداء بهم كاسوة حسنة، تعين الانسان على التزام الصراط المستقيم لذا فقد ابعدت عن ذهني احتمال ان يكون المقصود في كلامه العطايا او الهدايا المحسوسة والا كيف الحصول على شيء من هذه من الامام مهما عظم مقامه بعد وفاته عرضت عليه هذا التفسير والتأويل لمعنى العطايا التي يفرح بالحصول عليها من الامام الرضا عليه السلام عند زيارته له لكني فوجئت بتاكيد مجدد منه بان ما يعنيه غير ذلك قال: الآثار التي تتحدث عنها حاصلة بلا شك لمن يزور مرقد النبي صلى الله عليه واله والائمة عليهم السلام والصالحين من اولياء الله ولكنني قصدت شيئاً اخر قصدت عطايا وهدايا ومحسوسة حسبما تقول.
ازداد تعجبي من قوله فافصحت عنه بصراحة فافصح هو عن تعجبه من تعجبي قال: بل العجب مما تقول اترى ان الزائر لهم عليهم سلام الله يزور الاحجار التي في مراقدهم والعياذ بالله لكي لا يتوقع جواباً ولا هدية ولا عطية اليسوا هم عباداً مقربين عند الله احياء يرزقون يسمعون كلامي ويردون سلامي فما المانع ان يهدوا لزوارهم ما جاد بهم كرمهم العميم من عطايا وهدايا وتابع صاحبي خطابه لي، الم تسمع ما قاله ابن حيان وهو من كبار علماء الحديث عند اهل السنة في كتابه معجم الثقات انه ما زار الامام الرضا عليه السلام الا وحصل منه على عطية وكرامة فهل ثمة عجب اعجب مما تقول.
نفذت كلماته هذه الى اعماق قناعاتي فقلبتها وناجيت نفسي صحيح ما يقوله صاحبي فقد عرفنا من محكمات القرآن وصحاح السنة ان النبي والائمة عليهم صلوات الله لا ينتهي نشاطهم في هداية العباد بوفاتهم فاتصال ارواحهم القدسية مستمر مع من توجه اليهم من امتهم حتى بعد وفاتهم واذا كان الله تبارك وتعالى قد حجب عن سمعي كلامهم فقد فتح باب فهمي بلذيد مناجاتهم فما المانع من ان يهدوا لزوارهم ماشاؤوا من عطايا ربهم الكريم ولكن كيف يهدون هذه العطايا المحسوسة لزوارهم؟
عرضت هذا السؤال على صاحبي مستفهماً هذه المرة وليس معترضاً فاجاب: اسرار عالم الغيب الالهي كثيرة واساليب الحصول على هذه العطايا كثيرة متباينة لتباين مراتب الزائرين بعضها تكون بالاستشفاع الى الله في قضاء حاجة جاء الزائر لاجلها وبعضها تكون بقضاء حاجة لم يسألها الزائر ولم يزر الامام مستشفعاً لقضائها فتكون هديته قضاء هذه الحاجة التي لم يسألها، فعطاياهم تشمل الجميع بعضهم يعرف ان هذه الهدية من الامام وكثير يحصل عليها وهو جاهل مصدرها.
كنت اعرف منه ذلك سابقاً ولكن بقي سر ازدياد فرحه بزيارة الامام هذه المرة عن المرات السابقة فسألته عنه فاجاب: لا اكتمك ان ما حصلت عليه في هذه الزيارة كان اعظم مما حصلت عليه في المرات السابقة الامر يرتبط بسؤال بشان بعض اعمالي العبادية التي لم استشعر ثمرتها واستميحك عذراً من ان تطلب المزيد من التفصيل هذا السؤال كان يختلج منذ احد عشر عاماً في قلبي دون ان اجد جواباً يسكن له قلبي من بين عشرات الاجوبة التي كانت تخطر على ذهني طيلة هذه المدة لم اخبر احداً بهذا الامر رغم اهتمامي به.
في زيارتي الاخيرة للامام عليه السلام التقيت احد الصالحين ليخبرني مبادراً دونما سؤال مني عن الجواب الذي سكن له قلبي بالكامل لسؤالي الذي اختلج في صدري احد عشر عاماً فعرفت ان الجواب هو هدية من الامام الرضا عليه السلام.
وسألت صاحبي السؤال الاخير وهل عرفت سر تأخير هذه العطية كل هذه المدة الطويلة؟
اجابني: اجل عرفت السر لقد اتصل بي صديق وانا استعد للسفر الى الزيارة ليخبرني بحاجة احد المؤمنين لمبلغ من المال ذكره فوجدته يزيد قليلاً عن نصف النفقة التي خصصتها لسفر الزيارة فاعطيته ما اراد واكتفيت بما تبقى لي فكانت تلك العطية من الامام اعظم مما انفقت ودعت صاحبي لاذهب مباشرة لشراء تذكرة سفر الى مدينة مشهد لازور الامام عليه السلام فقد علمت انني كنت في السابق ازور مرقد الامام عليه السلام لا ان ازور الامام في مرقده المقدس.
*******