البث المباشر

كنت ارى بعض الذنوب "محاسن"

الثلاثاء 15 أكتوبر 2019 - 13:49 بتوقيت طهران

اذاعة طهران – قصص من الحياة : الحلقة : 29

 

كان كثيراً ما يحدثني عن اخ له احبه في الله، ومن كثرة حديثه عنه العاطفة الصادقة التي لونت حديثه عنه احببته انا ايضاً دون ان اراه احبه هو في الله لما كان يراه فيه من صدق وجد في التخلق باخلاق الله واخلاق اولياء الله واحببته انا ايضاً للسبب نفسه ولعلك انت ايضاً كنت ستحبه لو سمعت عنه ما سمعت انا.
قلما كان يذكره باسمه كنت اجد فيه رغبة في ان يصفه اخي ولم يكن اخاً له في النسب ولكنه كان يحرص على مؤاخاته قال لي مرة: كان اخي كثير التفكر والتدبر في آيات القرآن شديد الانس بها حتى في الحديث العادي يكثر من الاستشهاد بها وتعلو وجهه اذا تلاها مسحة بهية مفعمة بالتسليم والتوقير لها.
وهكذا كان حاله مع الاحاديث الشريفة ومواعظ الرسول الكريم وائمة اهل بيته صلوات الله عليه وعليهم، كان شديد الاهتمام بها دائم التلاوة لها كثير الاستشهاد بها، فهي جزء لا يغيب من حديثه دائمة الحضور في سلوكه لقد خالطت قلبه وروحه وتجلت آثارها في جميع حركاته وسكناته.
وتابع صاحبي حديثه عن اخيه فقال: كان كثيراً ما يوصيني بما دأب عليه هو من دوام الارتباط والانس بكلام الله عز وجل واحاديث اوليائه لقد شاهد عظيم بركات هذا الارتباط وظهرت عليه آثارها وذاق حلاوتها فطفق يدعو الطالبين لها بحرارة مضاعفة وكم من مرة نفذت الى اعماق قلبي كلماته عنها، افتح قلبك يا اخي لها ونوره بها، فالخير كل الخير فيها، ان اردت الحياة الآمنة في الدنيا وجدتها فيها وان شئت اعمار الاخرة وجدت سبيلها فيها، فكتاب الله هو النور الذي يهدي من اتبعه سبل السلام وحديث اوليائه صلى الله عليه هو النور الذي يسوق الى النور الاسمى فحذار من الاعراض وحذار من ان تدع قلبك يتيه في ظلمات الاحاديث الاخرى، وكم من مرة قال لي بحرارة الناصح المشفق: لا تدع يا اخي يوماً يمر عليك دون ان تعرض قلبك على انوار كلام الله النور الاول وكلام اوليائه النور الثاني اتلو كل يوم ما تيسر من كلام الله واردفه بتلاوة ما تيسر من احاديث الرسول واهل بيته عليه وعليهم الصلاة والسلام، لا تقل حسبي كتاب الله فهذا شعار الجاهلين فكلام الاولياء هو النور الذي يكشف ما تريد من اسرار كلام الله، وكلام الله هو الذي يهديك الى اتباع كلام اوليائه العظام هؤلاء صلوات الله عليهم أليس سيدهم النبي الاكرم صلى الله عليه وآله قد صرح في حديث وصية الثقلين بانهما معاً جناحاً النجاة من الضلالة لمن اتبعهما؟ فاحيي قلبك بدوام الاتصال والانس بهما معاً.
سألت صاحبي ما الذي جذبك الى اخيك الحبيب هذا بادئ الامر هل كان السبب سلوكه الذي تحدثت عنه اما تواضعه وتقواه ام ماذا؟
فاجابني: لا انكر ان من يفتح قلبه لانوار الهداية فتخالط لحمه ودمه وتظهر في حركاته وسكناته يكسيه الله نوراً من عنده يجذب اليه ذوي القلوب الحية، ولكني لا اخف عليك ان السبب كان امراً اخراً جذبني اليه بكل قوة وجعل له في قلبي مودة عميقة.
سألته ثانية: ان من يتق الله يجعل له في قلوب الاخرين وداً فهل الامر الذي تتحدث عنه يرتبط بهذه التقوى؟
اجابني: اصبت يا اخي الامر الذي اتحدث عنه يرتبط بتقواه من جهة وبحالتي وبحالة مرضية روحية استفحلت في نفسي دون علمي فنبهني اليها وكان ذلك سبب انجذابي الشديد اليه.
توقف صاحبي عن الحديث دقائق تركني فيها اجول ميدان الاحتمالات والحدس والتخمين ولما طالت الدقائق ولم اتوصل الى شيء ازاح عني معاناة مواصلة البحث فقال لي دونما مقدمات السبب الذي شدني اليه هو حادثة صغيرة جداً وقصيرة جداً ولكنها عظيمة الدلالات بليغة في الكشف عن شدة يقظة اخي وعملية تقواه وعن شدة غفلتي والمرض الروحي الذي استحوذ عليَّ من حيث لا ادري.
سالته بلهفة هذه المرة اخبرني بربك ما هي هذه الحادثة؟
فاجاب: صادف مرة انني كنت اسير مع اخي في طريق العودة من المسجد بعد اداء الصلاة ولم تكن تربطني به يومذاك اكثر من علاقة محدودة بحدود الجيرة، فالتقاه في الطريق رجل مسن من معارفه حياه بحرارة وعانقه اذ مرت فترة طويلة لم يره فيها، وكان فيما قال له: ما اشد شوقي اليك يا سيدي.
فاجابه: ان شوقك لمن هو اشوق اليك، عبارة عادية في المجاملات نسمع يومياً الكثير من نظائرها ونقول اكثر ثم مضى الرجل الى سبيله، وواصلنا واخي طريقنا ولم نكن نسير خطوات حتى وقف اخي وعلاه وجوم وصبغت وجهه صفرة تحكي اضطراباً شديداً قد هيمن على كيانه استغربت الحالة، وانتقل اضطرابه اليَّ فسألته ما الذي جرى ياسيدي هل تحس بالم ما؟ هل قلبك يؤلمك؟ تصورت ان ازمة قلبية قد انتابته لما رأيت من شدة اضطرابه وتغير حاله اطرق متفكراً ثم رفع رأسه ليقول لي: كلا لا بأس على قلبي، ولكن الالم في روحي!
وتابع حديثه بعبارات ملؤها الالم الشديد والصدق في الخشية والاضطراب هل كنت حقاً اشد شوقاً اليه لكي اقول له ذلك؟ لقد كانت فرحته بلقائي اشد من فرحتي برؤيته، فكيف لم انتبه لذلك ودفعتني الغفلة الى هذا الكذب الصريح! لماذا لم اتق الله فيما يصدر عن لساني! ودعني اخي وشفتاه تلهجان بالاستغفار والخشية من ربه ظاهرة في وجهه في صورة لا زالت مائلة في ذهني الى اليوم.
هزني هذا الموقف وان لم اكن في بادئ الامر مقتنعاً به كنت اكثر من استخدام امثال هذه العبارات في المجاملة واحاديثي مع الآخرين واعتبرها من محاسني فاعتبرت موقف اخي نوعاً من المبالغة غير المحمودة والتدقيق غير الضروري، لكن لا انكر انه اثر فيَّ بدرجة كافية في زعزعة قناعتي بان ما اعتبره اخي ذنباً هو من المحاسن.
بقيت على هذه الحالة اياماً حتى مرت عليَّ حادثة اخرى مروية عن الامام الصادق عليه السلام تقول انه اتاه احد اصحابه في مجلس له فلما انصرف الامام قام معه الرجل فلما وصل الامام الى باب داره ودع صاحبه ودخل فقال له ابنه اسماعيل: يا ابه الا كنت عرضت عليه الدخول؟
فقال عليه السلام: لم يكن من شأني ادخاله.
فأجابه اسماعيل: بان الرجل لم ينو الدخول.
فقال عليه السلام: يا بني اني اكره ان يكتبني الله عراضاً.
فور قرائتي لهذه الرواية تذكرت موقف صاحبي فوجدت في قلبي مودة شديدة اليه وعرفت ان موقفه لم يكن مبالغة بل مرتبة عالية من التقوى تجعل صاحبها يتحرى رضا الله في كل حركاته وافعاله، انقذني هذا الموقف من مرضي وغفلتي فتوجهت الى زيارة اخي فكان اول ما اوصاني به افتح قلبك لانوار هداية اهل البيت عليهم السلام لتشرق فيه انوار التقوى.

*******

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة