البث المباشر

عاد مستبشراً والصلاة لم يحن وقتها بعد

الثلاثاء 15 أكتوبر 2019 - 13:41 بتوقيت طهران

اذاعة طهران – قصص من الحياة : الحلقة : 27

 

لم يكن يبدي ادنى رغبة في مخالطة احد من الناس لا من زملائه في محل عمله ولا من جيرانه ولا من رواد المسجد الذي كان يواظب على حضور صلاة الجماعة فيه وباستمرار اعجبتني فيه هذه الجدية في حضور جماعة المسلمين فلا يكاد يترك الصلاة في المسجد جماعة لكنه كان يغادر المسجد سريعاً بعد انتهاء الصلاة.
حدثني عنه خادم المسجد يوماً فقال يبدو انه يعيش في عالمه الخاص لقد اتخذ داراً قبل شهور بالقرب منا ولكنه كما ترى لا يخالط احداً ولا يتحدث الى احد بادرته بالسلام مراراً ساعياً لفتح باب الحديث معه فلم يجبني باكثر من رد السلام دعه وشأنه فلعله لا يرغب بالخروج من عالمه، لم يقلل جواب خادم المسجد من رغبتي في التعرف على هذا الرجل بل لعله زادني اصراراً ولا ادري ما السبب قد يكون نوعاً من التطفل ولكنني وجدت نفسي استغرب هذا التطفل فليس هو من التطفل الذمول على أي حال لقد احسست بشعور من المودة تجاهه شعور طيب ارتحت اليه وان لم اعرف سببه لعله بسبب شدة الخشوع الذي كان يسيطر على محياه وهو يدخل الصلاة ولعله لسبب آخر لا ادري، قررت ان افتح باب الحديث معه للتعرف عليه باية وسيلة بكرت في الدخول للمسجد قبيل حلول وقت الصلاة منتظراً مجيئه فرحت عندما رأيته داخلاً بسكينة الفتها فيه انتظرته حتى اختار لنفسه مكاناً للصلاة في اول مكان انتهى اليه صف المصلين فسارعت الى اختيار مكان مجاور له اقيمت الصلاة صلينا وفور انتهائها بادرته بالكلام قبل ان ينهي الاذكار القليلة التي التزم بها بعد كل صلاة، سلام عليكم ياخي لدي سؤال لو سمحتم قلت له ذلك وتابعت الكلام قبل ان اعطيه فرصة الموافقة على عرض سؤالي ولا رد سلامي فقد رد السلام وانا اتابع كلامي ماذا يفعل المصلي اذا وصل للصلاة متاخراً والامام في الركعة الثالثة اجابني بما لم اكن اتوقعه اصلاً قال لي بهدوء: ينبغي ان ينظم وقته لكي لا يصل متأخراً، بل يصل للصلاة قبيل اقامتها!
لعله ادرك ان سؤالي ذريعة للتحدث معه فقطع عليَّ الطريق بهذا الجواب ولكنني لم اسمح له بذلك فبادرت سريعاً للقول صحيح ماتفضلتم به وهو الافضل بلا شك ولكن قد يحوول بين المرء ما يمنعه من الوصول في الوقت المناسب وهذا مايحدث لي احياناً فاحتاج لمعرفة الحكم ولذلك بينت الشريعة احكاماً لكل هذه الاستثناءات كان ينصت لكلامي وبريق عينيه يكشف عن ذكاء وقاد فاجابني: اجل صحيح ما تقول فان شئت معرفة هذه الاستثناءات فارجع الى الرسائل العملية التي دونها الفقهاء تجد فيها تفصيلات ماتريد بادق واوضح مما لديَّ قطع عليَّ ثانية الحديث بذكاء او هكذا اراد ولكني لست ممن يستسلم بهذه السهولة فسارعت للدخول اليه من باب ثانية قلت له: ولكن ألم يامرنا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بتذاكر العلم وذكر لمجالسه فضلاً عظيماً وبادر مرة اخرى للاجابة سريعاً على هذا الاعتراض بلهجة فيها قليل من الضجر من متابعة الحديث حاول اخفاءه: صحيح وردت احاديث بذلك ولكنها قد تكون ناظرة الى العصور التي لم تكن كتب العلوم الدينية منتشرة بين الناس وكان فيهم كثير ممن لا يحسن القراءة اما اليوم فالكتب متوفرة وفي متناول الجميع فيمكن الاستغناء عن تلك المجالس بالرجوع الى الكتب واخذ مايحتاجه المرء منها.
قال ذلك وهو يستعد للنهوض تهيأت انا ايضاً للقيام معه لكي استثمر الفرصة لمتابعة الحديث قلت له بلهجة حازمة هذه المرة، ولكن ما تقوله يا اخي خلاف اصل التعبد بالدين وهو اساس الشريعة فقد تكون لمجالس تذاكر العلم ثمار اخرى وعلل اخرى لا نحيط بجميعها علماً قد تكون من عللها اتخاذها وسيلة لتقوية الاواصر بين المسلمين او لتصحيح اشكال سوء الفهم للنصوص الدينية الذي قد يقع فيه المرء وهو يقرأها منفرداً فيكتشفها عندما يتذاكر العلم الديني مع اخوانه، وقد تكون ثمة علل اخرى نجهلها فنحن على أي حال مامورون بالتعبد بما ورد في الشريعة.
وعند هذه الجملة وصلنا الى باب المسجد فقطع عليَّ متابعة كلامي ليقول لي قد يكون ما تقول صحيحاً ولكني منشغل بنفسي وباصلاحها عن ذلك فهي كثيرة العلل ولامناص من تهذيبها ومعالجتها قال ذلك وهو يبسط يده الي ليصافحني مودعاً فمددت يدي وصافحته وقلت له وانا اشد على يديه اصلاح النفس وتهذيبها واجب خطير لايمنى للمسلم عنه ولكن لكل امر من اوامر الشريعة دوراً في انجاز ذلك فلا يكفي في ذلك الاخذ ببعض الاوامر وترك بعض والعمل الاجتماعي من المجالات المهمة في اصلاح النفس وتهذيبها بل واكتشاف الكثير من امراضها التي لا يمكن اكتشافها بالعزلة بل لابد من محك اختبار لها يخالط فيه المرء الآخرين على ضوء ما تأمر به الشريعة، ودعني عند هذه الكلمة ووعدني ان يفكر في الامر ثم انصرف، وبقيت افكر في الحوار الذي جرى وقد استحوذ على جل اهتمامي في تلك الليلة، حتى عثرت على بغيتي في حديث شريف نقلته بالكامل على ورقة مستقلة وقررت ان اعطيها له في الغد.
الحديث طويل اشتمل على جواب رسول الله صلى الله عليه واله لسعد بن اشج وهو من اهل الصفة عندما قال له وهو يعلن عزمه على التفرغ الكامل للعبادة اني اشهد الله واشهد رسول الله(ص) ومن حضرني ان نوم الليل عليَّ حرام فقال رسول الله صلى الله عليه واله لم تصنع شيئاً كيف تأمر بالمعرف وتنهي عن المنكر اذا لم تخالط الناس وسكون البرية بعد الحضر كفر للنعمة بئس القوم قوماً لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر.
عندما التقيته في اليوم التالي في المسجد لم ازد في الحديث معه على السلام واعطيته تلك الورقة وتركته مع هذا الحديث الشريف مودعاً.
مضت ايام لم اره فيها اذ سافرت لمهمة عمل اتيت المسجد وانا مشتاق لرؤيته فاستقبلني خادم المسجد قائلاً بلهفة اين انت يارجل غبت عنا اياماً ان صاحبنا الذي سألت عنه قبل أيام يسألني عنك كل يوم لا ادري ما الذي جرى له لقد زارنا في البيت مع زوجته التي دعت زوجتي لمحفل لتلاوة القرآن تقيمه في منزلها بمشاركة الجيران الا تعلم انت ما جرى له، اكتفيت في الاجابة على استغراب خادم المسجد لعل نفحة من هدي النبي قد ادركته من يعلم، قلت هذا وتوجهت صوب صاحبي الذي كان متجهاً نحوي بوجه مستبشر والصلاة لم يحن وقتها بعد.

*******

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة