اهلاً بكم ونحن نتابع هذه القصة في قسمها الثاني والاخير وخلاصة ما تقدم منها ان صاحبنا بطل هذه القصة كان قد استغرب من استاذه وهو احد علماء النجف الكبار يومذاك أي في اواسط القرن الهجري الرابع عشر استغرب منه ماراه منه عند دكان بقال جاء اليه ليشتري منه بعض مايحتاج، وكعادته كان ينظر في عمل استاذه السيد بدقة يمتاز بها فاستغرب من السيد ان ينتقي من الخضروات ما لا يرغب فيه الاخرون ويشتريه بالثمن نفسه الذي يشتري به غيره الجيد من تلك الخضروات، قرر صاحبنا ان يستفسر من استاذه عن سر ذلك، فغادر دكان البقال قبل ان يشتري منه شيئاً وسارع لمرافقة استاذه الحكيم الذي عرف منه اهتماماً بالغاً في التأسي بسيد المرسلين وعترته الطاهرين صلوات الله عليهم اجمعين.
بعد ان سلم على استاذه طلب منه ان يعطيه ما اشتراه لعياله ليحمله عنه لكن السيد ابى واكتفى بالقول ان صاحب الحمل اولى بحمله ولم يستغرب صاحبنا هذا الرفض فقد عرفه من اخلاق استاذه المجتهد في العمل بالسنن النبوية ولكنه كان يأمل ان ينسيه حر ظهيرة النجف وكهولة السن هذه السنة النبوية فيفوز صاحبنا بكرامة معونته.
لم ينس صاحبنا ماجاء لاجله وكان واثقاً من ان استاذه لن يبخل عليه بتوضيح حكمة انتقائه لغير المرغوب مما اشتراه من ذلك البقال فقد عهد استاذه لايرد من يسأله شيئاً طلباً للمعرفة فبادر لسؤاله عن الامر دون مقدمات فاجابه السيد دون مقدمات ايضاً، قد يرى الاخرون فرقاً بين هذا وذاك مما اشتريته من هذا البقال ولكني وعيالي لانرى فرقاً بينها فكلها من رزق الله ومن طيباته مادام حلالاً وهو يفي في حصول الغرض المطلوب من الطعام.
لم يقنع صاحبنا بهذا الجواب رغم انه لم يجد فيه خللاً او نقصاً لكنه شعر ان ثمة حكمة اخرى اكثر اهمية لم يفصح عنها السيد فالح في السؤال عليه فلم يحصل على نتيجة فانقدح في قلبه ان من المحتمل ان السيد يرغب في كتمان الامر حرصاً على اخلاص النية لله تعالى، او حرصاً على حفظ كرامة احد من هنا قدم لاستاذه تعهداً لك عليَّ ياسيدي ان لا افصح عن شئ يضر باخلاص النية او كرامة احد اطمئن السيد لتعهد تلميذه فافصح عن الحكمة الاهم لفعله قال: اعلم يا ولدي اني قد علمت ان هذا البقال فقير الحال وعائلته كبيرة فاحببت ان اعينه دون ان اسلبه همة الكد على عياله والكسب فيعتاد على المعونات ويضعف شعوره بالكرامة فهداني الله تبارك وتعالى الى مارأيت فقررت ان اشتري منه ما احتاج انا وعيالي من طعام منه بالطريقة التي رأيت فانتقي من بضاعته ما لا يرغب فيه احد وهو ما اعتاد بقالو النجف على رميه في آخر النهار اذ لا يجدون له مشترياً فاكون قد اعنته من حيث لا يدري فاخلص نيتي من شوائب الرياء والسمعة واحفظ للرجل كرامته وهمته في الكسب والكد على العيال.
رافقه صاحبنا السيد الى منزله وقد قضى ما تبقى من الطريق في صمت غرق فيه وهو يفكر فيما عرف من علة فعل استاذه السيد. كان يساءل نفسه، اعرفت الان كيف بلغ هذا السيد ما بلغه من مراتب سامية اعرفت كيف قدر على ما لم نقدر عليه من التأسي بسنن سيد المرسلين وعترته صلوات الله عليهم اجمعين؟
اجل فقد كان صاحبنا يعاني من نفسه وهي تهمس باستمرار في اذنه بان من غير الممكن الاقتداء والتأسي بهؤلاء الاولياء ولو بمراتب دانية ولكنه وجد في ماراه من السيد ما يدحض تلك الوساوس، اجل ان من الممكن التأسي بهؤلاء العظماء اذا اخلص العبد عمله لله تعالى وراقب افعاله ونقاها من الشوائب!
كان هذا الدرس الذي تلقاه صاحبنا من استاذه العارف عن دكان البقال.
*******