هذا هو القسم الثاني والاخير من قصة شاب حزين رأى صديقه مخلص له اثار الحزن عليه فسعى الى معرفة السبب عسى ان يعينه لكي يكشف الله عنه حزنه ويفرج عنه فتح باب الحديث معه فوجد ان السبب في حزنه هو قوة احساسه بالذنب والتخلف عن التحرك نحو الآفاق العالية التي دعاه الله للوصول اليها هكذا اخبره الشاب الحزين فبشره الصديق المشفق بان هذا الشعور نعمة يعتبر عن اليقظة والنجاة من الغفلة والركون للحياة البهيمية فصدق الشاب الحزين قول صديقه ولكنه ختم قوله بكلمة ولكن وصمت لنتابع الصديق المشفق وهو يحدثنا عن تتمة القصة.
عندما قال هذه الكلمة "ولكن" وقد كنت انتظرها قاطعته متسائلاً ولكن ماذا فاجابني بلهجة اشتدت فيها نبرة الالم: ولكن تكريم الله عز وجل للانسان يستتبع حمل امانة ثقيلة عجزت عن حملها السماوات والارض هذا التكريم قرين القيام بمستلزمات حمل هذه الامانة والا كان الانسان ظلوماً جهولاً، قلت له حينئذ وقد تذكرت قوله تعالى سبح اسم ربك الاعلى الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى، ألم يوفر الله الكريم للانسان اسباب حمل هذه الامانة عندما كرمه بها؟
فأجابني: بلى هيأ لكل انسان اسباب السير نحو الافاق العالية من التكامل الذي يثمره حمل هذه الامانة على الوجه الصحيح ولكن الذنوب تحول بيني وبين استثمار هذه الاسباب في التحرك فأنا عاجز عن التوبة منها.
هذا هو مكمن الخلل في حركة صاحبي هداني الله تبارك وتعالى لمعرفته ولذلك لم اذكّر صاحبي بان باب التوبة مفتوح باستمرار امام الانسان فقد كنت واثقاً بانه يعرف ذلك وسيجيبني بانه يطرق هذا البان ولكنه لايحصل على ما يطمح له تجاوزت هذه القضية سريعاً الى النقطة التي رأيتها معضلة صاحبي وسره ذلك الشعور العميق بالحزن فانفتحت امامه نافذة اخرى نحو الآفاق العالية.
نقلت له قصة ذاك الشاب المذنب الذي جاء به معاذ بن جبل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والذي نزلت فيه احدى آيات التوبة كان ذنبه عظيماً ولا ريب تقشعر منه الابدان نبش قبور وسرقة باكثر صورها انحطاطاً وفوق ذلك انتهاك لحرمة ميتة بافظع صورة، هذا الشاب تداركته رحمة من ربه فايقظته من غفلته احس بعظمة ذنبه وتملكه الشعور بالندم وهذا هو وقود التحرك لتدارك ما فات اذا استفاد منه صاحبه للعمل ولم يسمح له بان يفتح عليه ابواب اليأس.
جاء الشاب لرسول الله صلى عليه وآله وشكى له عظمة ذنبه فنبهه الرسول الى ان الله اعظم من ذنبه وهل يغفر الذنب العظيم الا الرب العظيم ولما كان غافر الذنب العظيم هو الرب العظيم والرحيم تفتحت امام الشاب المذنب ابواب الامل الكبير فاخذ يطرق ابواب التوبة من الرب العظيم ولم ييأس حتى فتحت له ابوابها ونزلت البشارة الالهية له وللعالمين جميعاً في قوله تعالى وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ، أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ، حمل النبي مبتسماً هذه البشارة الالهية الى الشاب المذنب وتلاها عليه وبشره بالجنة ودعا اصحابه للاقتداء به وقال هكذا تداركوا الذنوب.
قلت لصاحبي: اننا ننسى ان الذي يغفر الذنوب هو الله تبارك وتعالى نستغفره ثم نتكل على انفسنا للتحرر من الذنوب فنبقى اسرى لها اذ اتكلنا على انفسنا وليس على الله عز وجل في الواقع للتحرر منها فلا نحصل سوى على سراب يبعث فينا الحزن والكمد لان الذي يغفر الذنوب هو الله عز وجل تابعت الحديث وقد شاهدت على محياه هذه المرة ولعلها المرة الاولى ملامح انصات المستفسرين، نحن نسعى لتحصيل اسباب التحرك للافاق العالية متكلين على انفسنا وعملنا في الواقع في حين ان المطلوب هو اياك نعبد واياك نستعين لذلك لا نحصل على شيء اذ ننسى ان علينا ان نتحرك ونعمل ولكن دون ان ننظر الى حولنا وقوتنا بل نرجو حول الله وقوته ونحن نقوم ونقعد.
عندها ختم صاحبي الحديث باشراقة علت وجهه وافعمت كلماته وهو يقول: اذن نحن نتوب ولا نتوب نتوب الى الله وننسى ان يتوب هو علينا نتحرك اتكالاً على حولنا وقوتنا وننسى ان الحول والقوة لله جميعاً هذه غفلة استغفر الله منها واطرق ابواب رحمته ليغفرها لي ويعينني على التحرك اليه بحوله وقوته لا بحولي وقوتي.
*******