هذا هو احباءنا القسم الثاني والاخير من هذه القصة التي وقعت لاحد الصالحين رحمه الله قبل نحو مائة عام كان يومها فتى يانع وقد عرفنا انه استغرب في احدى الليالي من والده الشيخ الجليل ان يدعوه الى مرافقته في ذهابه سحراً الى مرقد الامام علي عليه السلام والانتظار عنده حتى الفجر لاقامة صلاته فيه وهذا امر اعتاده الوالد منذ سنين طويلة، الوالد رفع استغراب ولده عندما اخبره بانه دعاه الى هذه الرحلة السحرية لكي يرى شخصاً طريفاً عز عليه ان لا يراه، نتابع ما جرى في هذه الرحلة السحرية.
خرج الفتى مع والده يسيران باتجاه الحضرة العلوية المقدسة والتفكير في هوية الشخص الذي ينتظر رؤيته شغله عن التحدث لوالده الذي كان هو الآخر مشغولاً باذكار توحيدية يرددها في نفسه بخشوع واقبال واما ان لاحت القبة السامقة لمرقد امير المؤمنين ومولى الموحدين عليه السلام انقطعت سلسلة افكار الفتى وذهل عن الاحتمالات التي كان يستعرضها في ذهنه لهوية ذلك الشخص الموعود لقد احس الفتى بنورانية خاصة تغمر قلبه وروحه وكل كيانه وهو ينظر الى القبة العلوية كان يأنس دوماً برؤيتها كلما لاحت له وهو يذهب لزيارة حرم المولى في النهار ولكن ما يشعر به في هذه الرحلة السحرية شيئاً آخر يفوق حد التصور احس بلذة روحية لم يذق نظيرها من قبل قط لذة شغلته بالكامل عن كل ما حوله وطفق يسبح في بحر العشق لهذا المولى الكريم الذي استجمع مكارم الاخلاق ومحامد الاولين والاخرين.
غرق الفتى في التسبيح والتهليل والتحميد للاله العظيم الذي ربى مثل هذا المولى ومن به على العباد شعر بانه في هذا السحر المبارك ذاق للمرة الاولى لذة معرفة الله واولياء الله المخلصين اعانته على ذلك رؤية الوجوه النيرة لتلك الثلة الطيبة من الاخيار الذين خرجو في ذلك السحر البارد للتهجد والقيام لربهم في جوار مرقد وليه ووصي رسوله وحبيبه صلوات الله عليهما والهما.
انست تلك الاجواء السحرية النورانية فتانا الشخص الذي خرج لرؤيته ابتداء ولم يتذكره الا بعدما سمع والده وهو يقول له: هذا يا ولدي هو الشخص الذي اردت ان تراه، التفت الفتى صوب الشخص العتيد فتفجر فيه العجب مقروناً بألف سؤال كان المشهد مثير للعجب حقاً فلم ير الفتى سوى متكد جلس بالقرب من باب الحرم العلوي المطهر يستعطي الناس اعطاه الوالد ما قسم الله له ومر سريعاً من امامه وبقي الفتى يتابعه بنظراته لعله يجد فيه ما يبرد دعوة الوالد له للقيام بهذه الرحلة السحرية من اجل رؤيته ولم يعثر على شيء فسأل والده بما يقرب من الاستنكار لم اجد في هذا الرجل ما يميزه عن غيره من المتكدين الذين التقيهم يستعطون الناس قرب ابواب الحرم فما الذي يميزه عن غيره لكي اخرج في هذا السحر لرؤيته؟
اجاب الوالد: ان ما يميزه يا ولدي خروجه في هذا السحر رغم مرضه وتحمله المشاق وتركه لذة النوم في هذه الهداة وكل ذلك من اجل دراهم معدودات يحصل عليها من ثلة من الاخيار يخرجون للزيارة في هذا السحر فكم هو مغبون من يتقاعس عن تحمل بعض هذه المشاق وقد وعده الله صادق الوعد بخير الدنيا والاخرة للتهجد في الاسحار وجعل في اقامة صلاة الفجر في حرم مولى اوليائه عليه السلام ما لا يحصى من البركات، غرق الفتى هذه المرة في التدبر في هذه الموعظة الصادقة التي انطلقت من قلب والده الشفيق وقد بعثت فيه همة عالية للاعراض عن لذة النوم والقيام في هداة الاسحار المباركة والتهجد في مناجاة الحبيب سمع الفتى والده يردف موعظته بالقول: انا ذاهب الى الحرم يا ولدي فان شئت فارجع الى الدار واسترح ولكن الفتى لم يرجع الى الدار بل رافق والده الى الحرم العلوي المطهر ووقف خلف بابه يناجي ربه في جوار مرقد وليه ويستنزل بركاته الشاملة لزوار اوليائه لم يامره والده بعدها بمرافقته ابداً ولكن الفتى لم يتخل عن هذه السنة الحسنة الى اخر حياته مستقيماً عليها غارفاً من بحر بركاتها ما لا يقدر على وصفه الواصفون.
*******