البث المباشر

في ذكرى رحيل سيد شهداء المقاومة حسن نصر الله

السبت 27 سبتمبر 2025 - 22:25 بتوقيت طهران
في ذكرى رحيل سيد شهداء المقاومة حسن نصر الله

من الصعب جدا أن نتناول أي بعد من أبعاد شخصية الشهيد العظيم سماحة السيد حسن نصرالله، الذي تمر اليوم ذكرى استشهاده، فشهيدنا الأسمى جمع في شخصه الشجاعة والإقدام والقوة والذكاء والحكمة والبلاغة والكرامة والكبرياء والحلم والجلد والصبر والحنان والرأفة والرحمة والصدق والوفاء.

رغم صعوبة مهمة الكتابة عن الجبل الاشم شهيد القدس سماحة السيد، إلا اننا ومن باب الوفاء لذكراه التي لا يجب أن تمر دون أن يستذكره احرار العالم بمختلف مشاربهم وتوجهاتهم وقومياتهم ودياناتهم ومعتقداتهم، أن ندلو بدولنا في هذا البحر العميق لنغترف شيئا من معينه، ليكون لنا نبراسا في حياتنا التي تموج بالغدر والخيانة والعمالة والنذاله والتبعية والخنوع باقبح صورها.

عندما ألقت "اسرائيل الديمقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط" وفقا للسردية الغربية، 83 قنبلة زنة الواحدة منها طن، زودتها بها امريكا " زعيمة العالم الحر" وفقا لذات السردية، فوق منطقة سكنية مكتظة لاغتيال رجل واحد.

وقبل ذلك وقعت مجزرة البايجر، التي شارك فيها كل اجهزة المخابرات التابعة للدول "الغربية والاوروبية الديمقراطية ورافعة شعارات الدفاع عن حقوق الانسان"، كل ذلك كان كفيلا أن يزرع الياس والاحباط في نفوس انصار المقاومة وحاضنته الشعبية، لا سيما ان هذه الحاضنة تكالبت عليها بعض ادعياء الوطنية والسيادة، المدفوعين بالاحقاد والضغائن، والمتآمرين باوامر السفارات الغربية وفي مقدمتها السفارة الأمريكية، لكن الذي حدث جاء خلافا لكل التوقعات، فما الذي جعل الحاضنة الشعبية وفية لقائدها والمقاومين ونهجهم القويم، رغم ان أغلب من في هذه الحاضنة فقد اعزاء كثر في العدوان الاسرائيلي الامريكي على لبنان، وهدمت بيوتهم وهجروا عن مناطقهم؟!.

إن تجاوز بيئة المقاومة هذا الامتحان التاريخي الصعب، لم يأت من فراغ، او انه كان بمثابة لحظة عاطفية شدت اعضاء هذا البيئة على وقع خبر فقدان السيد الاسمى، فهذه اللحظة مازالت مستمرة حتى اليوم، الامر الذي اكد حقيقة ان ثبات الحاضنة الشعبية، جاء كنتيجة لعمل متراكم اشرف عليه السيد الشهيد على مدى ثلاثين عاما لقيادته الحكيمة والشجاعة والذكية للمقاومة الاسلامية في لبنان.

فقد تمكن سماحته أن يبنى الانسان المقاوم والانسان الحاضن للمقاومة، بناء روحيا ومعنويا، ويؤتي هذا البناء أكله اليوم، حيث ترك سماحته ارثا لا ينفد، وهذه الحقيقة أشار اليها قائد الثورة الاسلامية آية الله السيد علي خامنئي، عندما وصف السيد الاسمى بأنه إرث عظيم ليس للبنان بل للعرب والمسلمين، وهذا الارث الذي اشار اليه قائد الثورة هو الذي جعل المقاومة وبيئتها متماسكة وقوية، وتجاوزت الامتحان الاصعب المتمثل باستشهاد سماحة السيد والصف الاول من قيادة المقاومة، بعد ان تكالب الغرب وامريكا عليها بكل ما اوتوا من قوة.

إرث سيد شهداء المقاومة، بني على حقائق بديهية، منها ان الشعب الذي لايدافع عن نفسه لن يجد من يدافع عنه، حتى لو جاؤوا عن بكرة ابيه. وان الارض المحتلة لن تتحرر بالاحتجاجات وتقديم الشكاوى وانتظار العدالة الدولية، بل بسواعد رجالها وأهلها. ومن الخيانة ان ترى جريمة يجري تنفيذها ضد جارك او أخيك في الدين والقومية والانسانية، وان تتخذ موقف المتفرج. وان نصرة المظلوم هو واجب انساني وشرعي وديني واخلاقي، وليس هناك من مظلومية يراها العالم اليوم رأي العين كمظلومية الشعب الفلسطيني.

في البديهيتين الأولى والثانية يمكن الإشارة الى تجسيداتهما العملية التي تمثلت بتحرير المقاومة لجنوب لبنان من الاحتلال الاسرائيلي عام 2000 بعد ان انتظر لبنان اكثر من 20 عاما العدالة الدولية لانصافه ولكن دون جدوى.

أما البديهة الثالثة فجسدتها المقاومة الاسلامية المتمثلة بحزب الله عندما تدخلت في سوريا دفاعا عنها والتي كانت تواجه مؤامرة امريكية غربية اسرائيلية عربية رجعية، يتم تنفيذها عبر جماعات تكفيرية وارهابية، وكم كل هذا الوقوف المبدئي الى جانب سوريا، كوجود مكلفا لحزب الله، إلا أن ما وقع في سوريا بعد ذلك، وما يحدث الآن فيها بعد سقوط نظام الأسد، أكد صوابية موقف السيد الشهيد من أحداث سوريا.

أما البديهية الرابعة التي جسدها حزب الله بكل ما أوتي من قوة ومن أجلها دفع السيد روحه الطاهرة، فكان وقوفه الى جانب المظلومين في غزة، بوجه الحلف الأمريكي الغربي الإسرائيلي ضد أهلها، بعد أن تخلى العالم وفي مقدمتهم العرب عن نصرتهم.

الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد سيد المقاومة يجب أن تكون محطة انطلاق جديدة للمقاومة وجمهورها، من أجل تجديد العهد للسيد الشهيد على المضي في دربه، والتمسك بإرثه، وفي مقدمته، الحفاظ على الوحدة الوطنية وإفشال كل المخططات التي تسعى أمريكا و"إسرائيل وراءها في لبنان، الرامية لخلق فتن وقلاقل في لبنان تصب في صالح الاسرائيلي، بالاضافة إلى دعم المقاومة في غزة.

من أجمل ما قيل في شخص السيد الشهيد هو ما قاله رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني النائب والوزير السابق طلال إرسلان، الذي وصف سماحته بانه "شخصية لها مناقبية أخلاقية، من الصعب أن تجدها لدى أي كان، وأن الإنسانية خسرت شخصية لا تتكرر في كل عصر وفي كل زمان، واليوم، حين نتأمل رحيله، نكتشف أن حضوره صار أشد كثافة من أي وقت مضى. صار رمزا لا يمكن اغتياله، وصوتا لا يمكن إسكاته، وراية لا يمكن إنزالها.

فالشهادة التي منحها لنفسه ولأمته ليست ختاما لحياته، بل بداية لمرحلة جديدة تزداد فيها المقاومة تجذرا وتترسخ فيها قيم العزة والحرية في قلوب الأجيال القادمة وأن الوفاء الحقيقي له هو أن نحمل وصيته في عروقنا، أن نبقي فلسطين البوصلة، وأن نرفض الذل بأشكاله، وأن ندرك أن دماء الشهداء هي التي ترسم خط التاريخ".

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة