في القمة الافتراضية الاستثنائية لرؤساء مجموعة بريكس، عُقد اليوم الاثنين، لمناقشة الوضع العالمي الراهن، مع التركيز على البيئة الاقتصادية والنظام متعدد الأطراف، اعتبر الرئيس الايراني مسعود بزشكيان بأن إعادة بناء النظام العالمي الحالي تتطلب إصلاحًا جذريًا في هيكل الحوكمة العالمية، بدءًا من مراجعة تشكيل مجلس الأمن وأدائه وصولًا إلى إصلاح النظام المالي والنقدي الدولي.
وأوضح:
"في هذا المسار، تقع على عاتق مجموعات مثل بريكس ومؤسسات أخرى في دول الجنوب مسؤولية خاصة في توجيه عملية الانتقال إلى نظام متعدد الأقطاب، ديمقراطي وعادل؛ نظام تُسمع فيه أصوات جميع الدول، وخاصة الدول النامية".
وقال بزشكيان:
"يمر عالمنا بمرحلة عصيبة. فقد رسمت الضغوط المتزايدة الناجمة عن التدابير القسرية الأحادية الجانب، وفرض العقوبات غير القانونية، واتساع الفجوات الاجتماعية والاقتصادية، صورةً مقلقة للنظام القائم. وفي الوقت نفسه، عرّضت التوترات الجيوسياسية وأزمة تغير المناخ المتفاقمة، ليس فقط النمو الاقتصادي، بل أسس السلام والأمن الدوليين للخطر أيضًا".
وأضاف:
"إن النفوذ غير المتناسب لعدد قليل من الدول، والإجراءات الأحادية الجانب، وتسييس الأدوات الاقتصادية، لم يُضعف الثقة بين الدول فحسب، بل أضعف أيضًا فعالية الحوكمة العالمية بشكل كبير. تُبطئ هذه الأساليب مسار التنمية المستدامة من خلال خلق حواجز تجارية، وزيادة تكاليف المعاملات، وإضعاف سلاسل القيمة العالمية".
واعتبر التعددية الأطراف والتجارة الحرة وجهان لعملة واحدة. فبدون آليات متعددة الأطراف، تصبح التجارة الحرة أداة في خدمة القوى العظمى، وبدون الوصول إلى نظام تجارة حرة، ستُفرغ التعددية من معناها ووظيفتها.
وقال:
"يُعدّ تزايد الإجراءات الأحادية الجانب واستخدام العقوبات والقيود الاقتصادية من أكبر التهديدات للعدالة والاستقرار في النظام الدولي المعاصر. فهذه السياسات لا تُهدد المصالح الوطنية للدول المستقلة فحسب، بل تُعطّل أيضًا التعاون العالمي وتجعل التنمية المستدامة مستحيلة".
وأضاف:
في بيئة كهذه، يُمكن لمجموعة بريكس، بل يجب عليها، أن تلعب دورًا محوريًا وقياديًا في مواجهة هذا الاتجاه المُقلق. هذا التحالف الديناميكي والمؤثر، القائم على التنوع والتضامن، لديه القدرة على أن يكون صوتًا واحدًا وقويًا في الدفاع عن السيادة الوطنية والاحترام المتبادل وحل الخلافات من خلال الحوار والتعاون متعدد الأطراف".
ومضى الرئيس الايراني:
"لقد كشفت التطورات الأخيرة في الشرق الأوسط مرة أخرى عن عدم كفاءة النظام الحالي. إن العدوان العسكري للكيان الإسرائيلي والولايات المتحدة الأميركية على الجمهورية الإسلامية الايرانية في يونيو 2025، واستمرار قتل الشعب المضطهد والأبرياء في غزة والإبادة الجماعية العلنية في هذا القطاع، وقتل الشعبين الأعزل في لبنان واليمن، والضغط والتهديد غير المقبول من الولايات المتحدة الأميركية ضد فنزويلا، تحت ذرائع مختلفة، دليل واضح على فشل النظام العالمي في ضمان السلام والعدالة والأمن الدوليين".
وأردف يقول:
"إذا ضعفت الإرادة السياسية للالتزام بميثاق الأمم المتحدة ومبادئ نظام التجارة المتعدد الأطراف، فإن خطر انزلاق العالم إلى عدم الاستقرار الاقتصادي والأمني سيزداد. هذه الظروف تنذر بأننا بحاجة إلى تعددية أطراف أكثر شمولاً وتوازناً وكفاءة مما كانت عليه في الماضي".
وأضاف:
"اعادة البناء هذه تتطلب إصلاحاً جوهرياً في هيكل الحوكمة العالمية؛ بدءاً من مراجعة تشكيل مجلس الأمن الدولي ووظائفه، ووصولاً إلى إصلاح النظام المالي والنقدي الدولي. وفي هذا المسار، تتحمّل مجموعات مثل "بريكس" ومؤسسات الجنوب العالمي الأخرى مسؤولية خاصة في قيادة الانتقال نحو نظام متعدد الأقطاب، ديمقراطي وعادل؛ نظام يُسمع فيه صوت جميع الدول، وخاصة الدول النامية".
ولأداء هذا الدور التاريخي، تُقدم جمهورية إيران الإسلامية المقترحات التالية:
1- إصلاح الهيكل المالي الدولي:
ينبغي أن تكون مجموعة بريكس رائدة في الإصلاح الشامل للمؤسسات المالية الدولية، بما في ذلك صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، بحيث تعكس هذه المؤسسات الواقع الاقتصادي العالمي وتُقدم دعمًا أكبر لمشاريع البنية التحتية والتنمية في الاقتصادات الناشئة.
كما يُعد تعزيز دور وموارد بنك التنمية الجديد خطوةً ضروريةً في هذا الاتجاه. ويُقترح أن تُولي الدول الأعضاء في مجموعة البريكس، بالإضافة إلى إصلاح الهياكل المالية العالمية، اهتمامًا بإنشاء أنظمة دفع مستقلة. فهذا النهج من شأنه أن يُقلل من هيمنة بعض العملات العالمية واستخدامها كأداة.
2- تعزيز التعددية الشاملة والعادلة:
ينبغي لمجموعة بريكس أن تُساعد في تعزيز الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية الأخرى حتى تُسمع أصوات الدول النامية. ويُعدّ منع استخدام العقوبات الاقتصادية كوسيلة ضغط سياسي ضرورةً مُلحّةً لاستعادة الثقة العالمية في التعددية. إن التعاون بين مجموعة بريكس ومؤسسات الجنوب العالمي الأخرى، بما في ذلك منظمة شنغهاي للتعاون ومنظمة التعاون الاقتصادي، من شأنه أن يعزز الصوت المشترك للعالم النامي.
3. تعزيز التعاون من أجل المنافع العامة العالمية:
ينبغي ضمان حصول جميع الدول على اللقاحات والتقنيات الطبية والمعدات الأساسية بشكل عادل، لا سيما في أوقات الأزمات. ومن شأن إنشاء منصة مشتركة لمجموعة بريكس للاستجابة السريعة للأوبئة وحالات الطوارئ أن يُسهّل التنسيق وتعبئة الموارد. وسيعزز ذلك مصداقية مجموعة البريكس كمؤسسة أخلاقية ومسؤولة في النظام العالمي.
4. وضع إطار عمل مشترك لمواجهة العقوبات الأحادية:
يمكن لمجموعة بريكس تصميم آلية دعم مشتركة لحماية أعضائها من العقوبات غير القانونية، بما يُمكّن الاقتصادات من مواصلة نموها وتطورها دون ضغوط سياسية جائرة.
5. توسيع نطاق الابتكار والتنمية المستدامة:
ينبغي لمجموعة بريكس تعميق التعاون لتطوير سلاسل توريد مرنة، وتوسيع نطاق الاقتصاد الأخضر والرقمي، وتعزيز الابتكار التكنولوجي. ومن شأن إنشاء صندوق مشترك للبحث والتطوير في مجال التقنيات الصديقة للبيئة أن يُسرّع الانتقال إلى استقلال الطاقة والتنمية المستدامة. ويجب على مجموعة البريكس الدفاع عن الحق المشروع للدول النامية في استغلال مواردها الطبيعية. ولا ينبغي أن تُصبح سياسات المناخ أداة ضغط جديدة على منتجي الطاقة. نحن بحاجة إلى نموذج متوازن يعزز أمن الطاقة والتنمية المستدامة.
من الضروري أن تُنشئ دول بريكس مركزًا مشتركًا للابتكار في مجالات كالذكاء الاصطناعي، والطاقة الجديدة، والتقنيات الطبية، وصناعات الفضاء. سيضمن هذا المركز تكافؤ فرص الوصول إلى المعرفة والتكنولوجيا، ويمنع احتكار بعض القوى في هذه المجالات.
وأضاف:
تؤكد إيران التزامها بالتعاون البنّاء والفعال مع جميع أعضاء مجموعة بريكس لتحقيق هذه الأهداف. ونعتقد أن التصدي الفعال للأحادية وتعميق التعاون في إطار بريكس سيعود بالنفع ليس فقط على أعضاء هذا التحالف، بل على المجتمع الدولي بأسره.
واختتم الرئيس الايراني كلمته بالتأكيد على أن تعزيز التعددية، واستعادة نظام التجارة الحرة، والالتزام بمبادئ التنمية المستدامة لن تكون أدواتنا لإدارة أزمات اليوم فحسب، بل ستضمن أيضًا عالمًا أفضل للأجيال القادمة، ويمكن لمجموعة بريكس أن تكون نموذجًا يُحتذى به في تعزيز هذا النهج والنهوض به.