في أقل من شهر، قدّمت سوريا للعالم صورتين متناقضتين تمامًا عن نفسها:
الأولى: رئيس ذو خلفية إرهابية يرتدي بدلة رسمية ويُعلن استعداده للصلح مع إسرائيل.
والثانية: مبنى في قلب دمشق لم يتبقَّ منه سوى الركام والدخان.
هذا التناقض يكشف عن حقيقة مريرة: وهي أن في منطق الاستعمار، لا يُعدّ السلام بحد ذاته ضمانًا لنهاية العنف.
ما إن وصل "أحمد الشرع" إلى الحكم، حتى أظهر رغبته في اتباع نهج مختلف عن بشار الأسد، إذ دعا إلى التفاوض مع إسرائيل، وأكّد إنهاء الحرب الأهلية، وتخلّى عن شعارات "المقاومة".
كانت هذه رسائل واضحة موجهة إلى واشنطن، وتل أبيب، والدول العربية:
"الحكومة الجديدة مستعدة للتعاون".
لكن بعد أيام فقط، شنت إسرائيل واحدة من أعنف غاراتها على دمشق؛ لم تستهدف فقط مواقع عسكرية، بل طالت أيضًا مباني سيادية، منها وزارة الدفاع والقصر الرئاسي.
السؤال هو:
لماذا؟
لماذا تُستهدف حكومة قدّمت كل تلك التنازلات مسبقًا؟
لو نظرنا إلى الملف السوري من زاوية أوسع، سنجد نمطًا مألوفًا:
في ليبيا، سلّم القذافي جميع أسلحته المحرّمة، وقبل بمسار "السلام"، فكان مصيره السقوط والقتل.
وفي العراق، سمح صدام حسين بتفتيش دولي شامل، لكن الحرب لم تتوقف.
والآن سوريا، عاشت في فترة وجيزة التجربتين معًا:
بشار الأسد المدعوم من إيران وروسيا، وأحمد الشرع المدعوم بالضوء الأخضر الغربي.
لكن إن راقبنا خريطة الضربات، نجد أن الذي سلك طريق "السلام" هو الذي تعرّض لهجماتٍ أشد، لا أقل.
وبالنسبة للشعب الإيراني الذين لم تمر سوى أيام قليلة على تعرّض بلادهم لهجوم مباشر من إسرائيل، فإن تجربة سوريا لم تعد مجرد "خبر خارجي"، بل رؤية مستقبلية:
"بلدٌ قدّم كل شيء، ومع ذلك تمت تسوية المبنى الرئاسي فيه بالأرض".