أظهرت المواجهة الأمريكية الأخيرة مع الجيش اليمني أن حاملات الطائرات الأمريكية، التي تبلغ قيمة كل منها مليارات الدولارات، معرضة للتهديد بسهولة بأسلحة رخيصة مثل الطائرات بدون طيار (المسيرات) والصواريخ.
هذه الأسلحة، التي لا يتجاوز سعر بعضها بضعة آلاف من الدولارات، أصبحت الآن قادرة على إلحاق أضرار جسيمة بحاملات الطائرات، طائراتها وأطقمها. وهو حدث لم يسبق له مثيل منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، إذ كانت هذه السفن رمزاً للتفوق العسكري والهيمنة البحرية الأميركية لمدة ثمانية عقود على الأقل.
فرضت العملية العسكرية الأميركية في اليمن، سواء خلال رئاستي بايدن أو ترامب، تكاليف مادية ولوجستية باهظة على واشنطن. وأقرت البحرية الأمريكية في 29 أبريل/نيسان الماضي، بإسقاط طائرة مقاتلة من طراز إف-18 خلال العمليات العسكرية اليمنية على حاملة الطائرات "يو إس إس هاري ترومان".
وإثر هذه العملية النادرة، أعلن مسؤول أميركي أن الطائرة المقاتلة، التي بلغت تكلفتها أكثر من 60 مليون دولار، غرقت في البحر الأحمر. وبحسب بيان للبحرية الأميركية، فإن جندياً أميركياً أصيب أيضاً خلال الهجوم اليمني.

وبعد أسبوع واحد فقط من هذه الحادثة، فقدت البحرية الأميركية طائرتها المقاتلة الثانية من طراز إف/إيه-18 "سوبر هورنت" في البحر الأحمر. وأصيب أيضًا الطيار وضابط أنظمة الأسلحة خلال تحطم هذه المقاتلة.
حذر الجيش اليمني مراراً وتكراراً خلال العمليات العسكرية الأميركية ضد اليمن في عهد بايدن وترامب، حاملات الطائرات الأميركية من وجودها في البحر الأحمر، مؤكداً أن وجودها لن يمنعها من استهداف إسرائيل أو السفن الإسرائيلية.
وفي هذا الصدد، نفذت القوات المسلحة اليمنية هجوماً بطائرات مسيرة وصواريخ على حاملة الطائرات "أيزنهاور" في مايو/أيار 2024، كما أعلنت في نوفمبر/تشرين الثاني من ذلك العام عن شن هجوم على حاملة الطائرات "أبراهام لينكولن" في بحر العرب.

هل انتهى عصر هيمنة حاملات الطائرات الأميركية؟
تتزايد نقاط ضعف حاملات الطائرات في الحروب الحديثة، وهو رأي يتفق معه الخبراء. ومع التقدم التكنولوجي وتطور المركبات الجوية غير المأهولة (UAVs)، مثل القوارب والغواصات (UUVs)، وكذلك الطائرات (UAVs)، الصواريخ الباليستية المضادة للسفن (ASBMs)، مثل "قاتل حاملة الطائرات" الصيني، والصواريخ الأسرع من الصوت (هايبرسونيك)، واجهت حاملات الطائرات، التي كانت في يوم من الأيام رمزا للسلطة البحرية والهيمنة، تحديات كبيرة وأصبحت عبئا على أصحابها، بما في ذلك الولايات المتحدة.
في حين كانت حاملات الطائرات الركيزة الأكثر أهمية لقوة البحرية الأمريكية لعقود من الزمن، فإن الأسلحة الهجومية الجديدة مثل الطائرات بدون طيار والصواريخ المتقدمة تشكل الآن تهديدًا قاتلا لها.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن تقنيات الأسلحة الناشئة مثل الصواريخ الأسرع من الصوت (هايبرسونيك) ذات السرعات العالية ودون أن يتم اعتراضها، والتي هي أيضا في حوزة الجيش اليمني، يمكن أن تشكل تهديدا كبيرا لهذه السفن وحاملة الطائرات الأمريكية.
يقول خبراء أميركيون إن دور حاملات الطائرات التي يصفها الأميركيون بـ"أسياد البحار" و"حاملات الراية للقيادة الأميركية" أصبح غير فعال في مواجهة هذه التهديدات، ما يتطلب من الولايات المتحدة إعادة النظر في استراتيجيتها في استخدامها لمنع أي خسائر فادحة محتملة في الصراعات المستقبلية.
لقد أصبحت حاملات الطائرات العملاقة التي كانت تشكل الركيزة الأساسية للقوة البحرية الأميركية لمدة ثمانية عقود هي النقطة الأكثر عرضة للخطر اليوم، وهذا هو السبب الذي يجعل الكثيرين يتساءلون عما إذا كانت التكلفة العالية للتصنيع، الصيانة والإصلاح تبرر استمرار خدمتها.

ثلاثة أسلحة يمنية كلفت السفن الحربية الأمريكية العملاقة خسائر جسيمة
نجح الجيش اليمني في تدمير حاملات الطائرات الأميركية في الحرب الأخيرة والتي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات بثلاث أسلحة رخيصة فقط، لينتهي عصر هيمنة هذه السفن على البحار.
الغواصات غير المأهولة
يمكن استخدام الغواصات غير المأهولة في مهام مختلفة، بما في ذلك الاستطلاع، جمع المعلومات الاستخباراتية، ومراقبة تحركات الأساطيل البحرية. وتتمتع الغواصات أيضًا بالقدرة على العمليات الهجومية، وهذا هو السلاح الذي تتزود به القوات المسلحة اليمنية بشكل متزايد، ويمكنه إلى جانب الأسلحة غير المأهولة الأخرى (UUV) استخدامه بسهولة ضد حاملات الطائرات الأمريكية.
يكون من الصعب على السفن السطحية اكتشاف ومواجهة الأسلحة غير المأهولة (UUV)، مما يزيد من مستوى التهديد لحاملات الطائرات. إن التهديد الذي تشكله الأسلحة غير المأهولة، سواء كانت غواصات أو قوارب أو طائرات بدون طيار، يعني أن التهديد لحاملات الطائرات في أي منطقة متوترة أو متنازع عليها، بما في ذلك في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، وحتى مضيق هرمز ومضيق تايوان، يشكل تهديداً خطيراً.

المسيرات والطائرات غير المأهولة
زادت في السنوات الأخيرة، مخاطر الطائرات بدون طيار على الرغم من مرور أكثر من عقدين على إنتاجها وتواجدها في مختلف الأصعدة والمجالات. إن سهولة تصنيعها وانخفاض تكلفتها أدى إلى زيادة استخدامها بشكل كبير، وأصبحت تشكل تهديدا خطيرا في المجال العسكري، بما في ذلك السفن السطحية، خاصة وأن اكتشافها واحتواؤها أمر صعب بالنسبة للسفن السطحية.
بعد هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وفي خطوة غير مسبوقة أرسلت الولايات المتحدة، حاملتي طائرات، "يو إس إس جيرالد فورد" و"يو إس إس دوايت أيزنهاور"، إلى البحر الأحمر، حيث تعرضتا لهجمات متكررة من طائرات بدون طيار تابعة للجيش اليمني، لإظهار مدى خطورة التهديد الذي يمكن أن تشكله طائرة بدون طيار تكلف عدة آلاف من الدولارات على السفن التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات.
صواريخ مضادة للسفن
يمكن للصواريخ، مثل الطائرات بدون طيار، استهداف السفن العملاقة بسهولة وإلحاق أضرار جسيمة بها. وفي الحرب الأخيرة أثبت الجيش اليمني أنه نجح في تحقيق تقدم كبير في مجال الصواريخ، وخاصة في مجال الصواريخ الباليستية المضادة للسفن والكروز، واستهدافها مرارا وتكرارا، ما شكل خطرا جديا عليها.

وفي نهاية المطاف، لا بد من القول إن الجيش اليمني نجح في كسر الهيمنة البحرية الأميركية التي استمرت ثمانية عقود، بعدد من الزوارق، الطائرات المسيرة والصواريخ المضادة للسفن، ما أجبرتها على إعادة النظر في استراتيجياتها، بما في ذلك استراتيجية استخدام حاملات الطائرات التي كانت تتباهى بامتلاكها لعقود.
وفي واقع الأمر، نجح اليمنيون في تحقيق ما لم تتمكن العديد من الدول الكبرى من تحقيقه على مدى ثمانية عقود من كسر هذه الهيمنة الهشة.