شهدت صناعة الفضاء الإيرانية نمواً ملحوظاً خلال العقدين الأخيرين وحققت العديد من الإنجازات في مجالات تصنيع الأقمار الصناعية، إطلاقها وأبحاث الفضاء. لكن هذه الصناعة، كما هو الحال بالنسبة للعديد من القطاعات الأخرى، تواجه العديد من التحديات، وأهمها العقوبات.
لقد كان للعقوبات الأميركية على صناعة الفضاء الإيرانية، بالإضافة إلى خلق عقبات سياسية واقتصادية، تأثيرات كبيرة على تطوير التقنيات المتقدمة، قدرات البحث، وتوسيع التعاون الدولي.
وسيتناول التقرير التالي العقوبات المفروضة على هذه الصناعة، آثارها، وإنجازات إيران في مجال الفضاء.
العقوبات الأميركية على صناعة الفضاء الإيرانية
كان للعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة، بهدف الضغط على إيران للحد من برامجها النووية والصاروخية، تأثير واسع النطاق على صناعة الفضاء في البلاد. ومن بين حجج الولايات المتحدة لفرض هذه العقوبات إمكانية الاستخدام المزدوج لتكنولوجيا الفضاء وحاملات الأقمار الصناعية في البرامج غير الفضائية. وقد أدت هذه القضية إلى فرض قيود خطيرة على صناعة الفضاء الإيرانية وإعاقتها عن تحقيق تقدم كبير على المستوى العالمي.
أعلنت وزارة الخزانة الأميركية في بيان صدر عنها، الثلاثاء 3 سبتمبر/أيلول 2019، أنه تمت إضافة منظمة الفضاء الإيرانية، مركز أبحاث الفضاء ومعهد أبحاث الفضاء الإيراني إلى قائمة العقوبات لمكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC).
العقوبات على منظمة الفضاء الإيرانية (ISA)
تعتبر هذه المنظمة مسؤولة عن تخطيط وتنفيذ مشاريع الفضاء في البلاد، وقد أدت عقوباتها إلى فرض قيود على توفير الموارد المالية والمعدات اللازمة لهذه المشاريع. ومهمتها الرئيسية هي التخطيط لاستخدام الفضاء وتوسيع تكنولوجيات الفضاء في البلاد، بالاعتماد على المعرفة المحلية والتعاون الدولي.
تشمل أنشطة منظمة الفضاء الإيرانية، تطوير تكنولوجيا الأقمار الصناعية والاتصالات الفضائية، الاستشعار عن بعد، الإطلاق والنقل الفضائي، فضلاً عن تطوير الموارد البشرية، المحطات الأرضية والبنية التحتية اللازمة لتوجيه الأقمار الصناعية والتحكم فيها.
فرض العقوبات على معهد أبحاث الفضاء الإيراني
تأسس معهد أبحاث الفضاء الإيراني في عام 2011م بإذن من المجلس الأعلى لتطوير التعليم العالي وتحت إشراف منظمة الفضاء الإيرانية لتلبية احتياجات البلاد في مجال علوم وتكنولوجيا الفضاء. وفي حقيقة الأمر فإنه يعد هذا المعهد، الذراع البحثي لمنظمة الفضاء ولديه خمسة معاهد بحثية رئيسية.
يعمل معهد أبحاث الفضاء الإيراني في مختلف مجالات علوم الفضاء، مثل تصميم وتصنيع أقمار الاتصالات والقياس، الملاحة، تحديد المواقع، والفضاء الحيوي، ويسعى جاهداً إلى تحقيق تقنيات فضائية جديدة وإنتاج المنتجات ذات الصلة.
بشكل عام، يعمل معهدان للأبحاث في أنظمة الأقمار الصناعية وأنظمة النقل الفضائي في طهران وثلاثة معاهد للأبحاث في المحافظات، تحت عناوين محركات الفضاء في تبريز، الميكانيكا في شيراز، والمواد والطاقة في أصفهان، لتلبية الاحتياجات الوطنية وتحقيق الاكتفاء الذاتي للبلاد في مجالات الفضاء.
ورغم أنه يدل تطور قطاع الفضاء خلال العقدين الماضيين على الجهود الحثيثة التي تبذلها هذه القطاعات، إلا أنها حرمت من الوصول إلى التقنيات المتقدمة والاتصالات الدولية بسبب العقوبات.
مركز أبحاث الفضاء الإيراني في ظل العقوبات
تأسس معهد أبحاث الفضاء الجوي في عام 1997م من قبل وزارة العلوم، والبحوثات والتكنولوجيا لإجراء أبحاث الفضاء الجوي. وسعي منذ إنشائه، إلى تلبية احتياجات البلاد البحثية في هذا المجال وإقامة علاقات فعالة مع الصناعات ذات الصلة.
تتضمن الأهداف الرئيسية لهذا المعهد البحثي تحديد وتقديم تقنيات الفضاء الجوي، التعاون مع المؤسسات ذات الصلة، تعزيز أنشطة البحث، وتطوير البحث في مجال الفضاء الجوي. ومع ذلك، فإن القيود الشديدة المفروضة على استيراد التقنيات المتقدمة، التعاون الدولي، وللتفاعل مع شركات تكنولوجيا الفضاء من بلدان أخرى كانت لها أيضًا التأثيرات السلبية على هذه الصناعة.
تأثير العقوبات على صناعة الفضاء الإيرانية
وبناء على ما قيل فإن العقوبات الأميركية، من خلال الضغط على البنية التحتية الاقتصادية والصناعية في إيران، كانت لها تأثيرات خطيرة على تطوير صناعة الفضاء في الجمهورية الإسلامية. ومن أهمها هو تقييد الوصول إلى تكنولوجيات الفضاء المتقدمة. وقد أدت هذه القيود إلى منع إيران من استخدام معدات إنتاج الأقمار الصناعية الحديثة، إطلاق الأقمار الصناعية، وتطوير حاملات الأقمار الصناعية المتقدمة.
ومن ناحية أخرى، أدت العقوبات إلى تقليص تعاون إيران الدولي في مجال الفضاء. ورفضت العديد من الدول التعاون مع إيران في المشاريع الفضائية بسبب الخوف من العقوبات الثانوية. وهذا ما حرم إيران من تبادل المعرفة والخبرات مع الدول المتقدمة في هذا المجال.
إنجازات إيران الفضائية خرجت من قلب العقوبات
تمكنت جمهورية إيران الإسلامية رغم العقوبات والقيود من تحقيق إنجازات كبيرة في بعض مجالات الفضاء . وتظهر هذه الإنجازات قدرة إيران العالية في الاستفادة من المعرفة المحلية والموارد البشرية المتخصصة.
تطوير حاملات الأقمار الصناعية المحلية
نجحت إيران في تطوير منصات إطلاق أقمار صناعية محلية قادرة على إطلاق الأقمار الصناعية إلى مدارات مختلفة. وتعد حاملتا إطلاق الأقمار الصناعية "سفير" و"سيمرغ" من أهم مشاريع إيران في هذا المجال. وتمكنت الجمهورية الإسلامية باستخدام هذه الحاملات من إرسال الأقمار الصناعية إلى مدارات مختلفة وإظهار قدراتها في هذا المجال.
ونفذت إيران في السنوات الأخيرة، عدة عمليات إطلاق ناجحة للأقمار الصناعية. تُستخدم هذه الأقمار الصناعية في مختلف المجالات العلمية، البحثية، العسكرية والتجارية.
مشاريع الأقمار الصناعية الوطنية والدولية
تمكنت إيران الإسلامية من إكمال بعض مشاريعها المتعلقة بالأقمار الصناعية وإيصالها إلى مرحلة التشغيل رغم القيود والعقوبات. كما لعب التعاون الثنائي والمتعدد الأطراف مع الدول الحليفة في هذا المجال دوراً هاماً في مواصلة تطوير صناعة الفضاء الإيرانية.
كما تم هذا العام إطلاق أول قمرين صناعيين خاصين وهما "هدهد" و"كوثر" لأول مرة وتم وضعهما في المدار بنجاح، ويتم نقل بيانات القياس عن بعد الخاصة بهما بانتظام إلى مركز استقبال البيانات.
وتظهر كل هذه الاتجاهات أن الجمهورية الإسلامية تمكنت بشكل عام من تحقيق تقدم كبير في مجال الفضاء ومواصلة تطوير قدراتها، على الرغم من القيود.