البث المباشر

طوفان الأقصى وخصائص العمل المقاوم

الثلاثاء 21 نوفمبر 2023 - 17:56 بتوقيت طهران
طوفان الأقصى وخصائص العمل المقاوم

إن طوفان الأقصى بقدسيته قد أضاف بُعداً جديداً إلى العمل المقاوم، وأحدث نقلة نوعية في مجاهدة العدو، وسجل نقطة تحول جوهرية في أفق التحولات العالمية.

لقد صرحت قوى المقاومة الفلسطينية منذ اللحظة الأولى لعملها المقاوم على تبيان فرادة موقفها في اتخاذ قرار الطوفان واستقلاليته، تأكيداً منها على خصوصية عملها الجهادي، وحرصاً منها على سرية ونجاح خطة الهجوم؛ وهذا ما أكدت عليه قوى المقاومة لجهة عدم علمها بخطة الهجوم وتوقيته، فهو حدث استراتيجي متميز بطابعه الفلسطيني، إعداداً وتنسيقاً وتنفيذاً، ما يؤكد لنا تمايز قوى المقاومة بخصوصية العمل الجهادي لإحداث التحولات المناسبة في العمل المقاوم لتحقيق الأهداف بحيث يعود الاهتمام إلى القضية الفلسطينية بعد أن تلهى كثير من العرب والمسلمين بإجراءات السلام والتطبيع مع العدو الصهيوني!.

وهذا ما يرى كثيرون أنه ينطوي على إشكالية في الموقف والرؤية، وذلك من منطلق أن خصوصية العمل لا ينبغي أن تؤول بالموقف المقاوم إلى التشظي في فهم المعطيات والتداعيات والأهداف؛ لأن معنى الخصوصية ينسحب على كل قوى المقاومة التي لها من ذلك ما يجعلها تتوقف ملياً عند النتائج المترتبة على كل خيار في الأفق الاستراتيجي لكل حدث مقاوم.

فإذا كانت المقاومة حقاً مشروعاً، فهذا لا يعني مطلقًا مجافاة أو مجانبة المعطيات العالمية في السياسة والاقتصاد والإعلام، فضلاً عن حقيقة التحالفات العسكرية القائمة لخدمة العدو بل لا بد من مراعاة ذلك والتدبر فيه ليكون الحدث على مستوى ما تتطلبه المرحلة من وعي وتحول في الرؤية والهدف.

فقولنا: إن طوفان الأقصى هو حدث فلسطيني خالص، لا يجرده عن واقعه المقاوم، ليكون منفصلًا عنه أو متناقضًا معه؛ إذ كيف يكون كذلك وعنوانه فلسطين في فلسطين!؟.

فالعمل المقاوم يختلف بين أن يكون عملًا تكتيكيًا هادفًا لتحريك الواقع وإعادة الاهتمام للقضية الأساس، وبين أن يكون عملًا عسكريًا استراتيجيًا تترتب عليه تداعيات وتبعات ومسؤوليات شرعية وإنسانية، وهذا ما يفترض مسبقًا إعداد العدة اللازمة والشاملة له، وقد سبق للمقاومة اللبنانية في لبنان عام 2006م أن أقدمت على خطوة مماثلة وكانت النتيجة الإعلان عن خطأ تكتيكي في رؤية وخصوصية الموقف رغم ما نتج عنه من انتصار في الفعل المقاوم.

فالعدو ليس مجرد عدو محتل ومغتصب للأرض، وإنما هو في جوهر وجوده مشروع استعماري وقاعدة عسكرية لحلف الناتو، وهو مصدر لعزة الغرب المستعمر ورفاهيته في ما يؤديه من وظائف سياسية وعسكرية لحماية مشاريع الغرب في منطقتنا.

وانطلاقًا من ذلك، فإنه لا ينبغي أن تكون حسابات المقاومة مجردة عن واقع التحولات العالمية، ولا عن خصوصيات قوى المقاومة التي لها من الحسابات والمعطيات والوقائع ما يأخذ بها إلى مزيد من التحسب والتوقع في مواجهة الغرب المستعمر وعدوانيته.

ولهذا نلاحظ كيف أن محورية السياسة المقاومة قد اكتفت بممارسة الضغط والتهديد والوعيد وإثارة المخاوف من توسع الحرب دون أن يكون لها من عوامل الردع ما يكفي لإيقاف القتل والجريمة في فلسطين! فأهل المقاومة هم أهل دين ووعي ورؤية ويعلمون كم هو الفارق كبيرْ بين أن يكون الفعل عملًا جهاديًا واقعيًا،و بين أن يكون وقوعًا في التهلكة، كما قال تعالى:"ولا تُلقوا بأيديكم إلى التهلكة…".

فإذا كانت المقاومة قد لحظت واقع العدو في ما هو عليه من ترهل للنيل منه، فأهلها لا بد أنهم حسبوا حسابًا واقعيًا ومنطقيًا لكل تداعيات الهجوم والانتصار فيه، سواء على مستوى ردات فعل العدو أو على مستوى جاهزية قوى المقاومة، وقد أوضحت قوى المقاومة في فلسطين أنها لم تقف على معطيات الإقليم والمحور التي تنتمي إليه تحت عنوان وحدة الساحات في حدث جاء بمثابة النبأ العظيم!.

ولا ندري ما إذا كانت المقاومة في فلسطين قد أحسنت التوقع لردة فعل العدو، وهذه كلها أسئلة مشروعة لا تنفي قدسية الطوفان،ولا تسقط شرعيته وواقعيته، لأنه عمل دفاعي عن الشعب والأرض والمقدسات.

والحق يقال: إن طوفان الأقصى بقدسيته قد أضاف بُعداً جديداً إلى العمل المقاوم، وأحدث نقلة نوعية في مجاهدة العدو، وسجل نقطة تحول جوهرية في أفق التحولات العالمية، وهو ما كان ليُحدث ذلك لو لم تكن له قدسية القدس وهوية فلسطين.

فطوفان الأقصى بقدر ما كشف عن ترهل العدو في عمق وجوده المزيف، بقدر ما أعطى الآمال في إنهاء كل ما تم التأسيس له من مشاريع في الخيانة والتطبيع! كما أنه كشف عن عجز الأعراب في أن ينتصروا لقضايا الإنسانية والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وقد جاءت القمة الملتبسة في جمعها وتوقيتها، لتظهر معنى أن يجتمع العرب والمسلمون دون أن تكون لهم قيمة الفعل والحضور في زمن هم أشد الناس حاجة للحضور فيه قبل أن تأخذ بهم رياح التقسيم والتوطين في كل اتجاه!؟.

فالعرب ومعهم الكثير من الترهل الإسلامي من طنجة إلى جاكرتا، هم عاجزون عن أن تكون لهم فاعلية الموقف بما كسبته أيديهم طيلة عقود من الزمن، ويبقى على المقاومة أن تكمل مسيرتها طالما هي مستوية على حق وجودها بالرغم من كل المآسي والآلام التي تعصف بها في الطريق إلى القدس وفلسطين.

والسلام.

 

بقلم الأكاديمي والباحث اللبناني في الدراسات الاجتماعية

"د . فرح موسى"

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة