على الرغم من أن حجم محيطات الأرض لا يتغير بشكل كبير على المدى القصير، وأن أي تغييرات تحدث هي بسبب العمليات الجيولوجية التي تستغرق ملايين السنين ليكون لها تأثير ملحوظ، فإن الثابت هو أن كوكب الأرض كوكب ديناميكي متغير باستمرار، وأن محيطاته هي أكثر من مجرد مسطحات مائية شاسعة، ولكنها مجموعة من التفاعلات التي تستمر في تشكيل عالمنا.
ويرجع التغيير في حجم المحيطات إلى عامل رئيسي هو الصفائح التكتونية التي تُكون القشرة الأرضية، حيث ينقسم سطح الأرض إلى عدة صفائح تكتونية تتحرك باستمرار على الرغم من أننا لا نشعر بها عادة.
يمكن للصفائح التكتونية أن تتحرك باتجاه بعضها بعضا أو بعيدا أو بجانب بعضها بعضا. وعندما تتحرك الصفائح مبتعدة عن بعضها فإنها تخلق سلسلة من التلال أو ما يسمى "الصدع المحيطي"، وعندما تتحرك تجاه بعضها يمكن أن يؤدي ذلك إلى انغماس صفيحة تحت أخرى لتشكل منطقة اندساس.
لماذا يتسع المحيط الأطلسي؟
بالنسبة للمحيط الأطلسي فهو كتلة مائية شاسعة على كوكبنا تستوعب أكثر من 20% من سطح الأرض. وعلى الرغم من كونه ثاني أكبر محيط في العالم ويغطي مساحة 106.5 ملايين كيلومتر مربع فإنه ما زال يزداد اتساعا، وذلك بمعدل 4 سنتيمترات كل عام.
ويرجع ذلك بالأساس إلى أن بعض أجزاء قاع المحيط الأطلسي تتباعد عن بعضها بعضا، ويكمن مفتاح هذا التوسع، وفقا لبحث نشر عام 2021 في دورية "نيتشر"، في ما يحدث تحت سلسلة جبال كبيرة تحت الماء في وسط المحيط تعرف باسم سلسلة جبال وسط الأطلسي.
ووجد الباحثون من جامعة ساوثهامبتون، أن المواد الموجودة في أعماق الأرض ترتفع إلى السطح تحت سلسلة جبال وسط المحيط الأطلسي، مشكلة بذلك قشرة محيطية جديدة، فالصهارة ترتفع من وشاح الأرض وتتصلب على السطح، مما يؤدي إلى دفع الصفائح بعيدا عن بعضها.
وتعد سلسلة جبال وسط المحيط الأطلسي أكبر حد تكتوني للكوكب، فهي تمتد لمسافة 16 ألفا 93 كيلومترا من المحيط المتجمد الشمالي إلى الطرف الجنوبي من أفريقيا، وتفصل بين لوحين تكتونيين هما صفيحة أميركا الشمالية والصفيحة الأوراسية وتفصل كذلك صفيحة أميركا الجنوبية عن الصفيحة الأفريقية.
وفقا لموقع "لايف ساينس"، فإن سلسلة جبال وسط الأطلسي هي المكان الذي تتحرك فيه ألواح أميركا الجنوبية وأميركا الشمالية بعيدا عن الألواح الأوراسية والأفريقية بسرعة حوالي 4 سنتيمترات في السنة متسببة في توسع المحيط الأطلسي.
ووفقا لما نشره موقع جامعة ساوثهامبتون، فإن المجموعة البحثية توصلت إلى أن الصهارة والصخور يمكن أن تشق طريقها إلى السطح من مسافة 410 أميال تحت القشرة. وأن هذا التدفق من المواد هو ما ينشر الصفائح التكتونية والقارات في الأعلى بمعدل 4 سنتيمترات في السنة.
وقد وجدت الدراسة أن سلسلة جبال وسط المحيط الأطلسي هي نقطة ساخنة للحمل الحراري، مما يجعل المنطقة أرق فترتفع مواد الصهارة إلى قاع المحيط بسهولة أكبر من أي أجزاء أخرى من الأرض.
وعادة تتم إعاقة المواد التي تحاول شق طريقها من الوشاح السفلي إلى العلوي بواسطة شريط من الصخور الكثيفة المعروفة باسم منطقة الوشاح الانتقالية الواقعة بين 255 ميلا و410 أميال تحت أقدامنا. ويشير البحث إلى أن صعود المواد من أعماق الوشاح يمكن أن يكون المحرك لهذا التوسع في المحيط الأطلسي.
وتقول كاثرين ريشرت، عالمة الجيوفيزياء من جامعة ساوثهامبتون والمؤلفة المشاركة في الدراسة، لموقع إنسايدر إن هذه العملية بدأت قبل 200 مليون سنة، ولكن في يوم من الأيام قد يتسارع معدل التوسع.
لماذا يتقلص المحيط الهادي؟
بالنسبة للمحيط الهادي، فهو آخذ في الانكماش بحوالي خُمس ميل مربع سنويا على الرغم من كونه أكبر محيط في العالم، حيث تبلغ مساحته حوالي 30% من سطح الأرض ويعتقد بعض العلماء أنه بعد ملايين وملايين السنين من الآن قد يختفي تماما.
ويرجع هذا التقلص، كما جاء في موقع "ساينس إيه بي سي"، إلى دفع صفيحة المحيط الهادي، وهي أكبر صفيحة تكتونية على الأرض، أسفل الصفائح الأخرى في عملية تُعرف باسم الاندساس. وتنكمش صفيحة المحيط الهادي كلما تحركت أعمق في وشاح الأرض، مما يتسبب في تقلص المحيط فوقها.
إضافة إلى ذلك، يشهد المحيط الهادي تفاعلات معقدة بين حدود الصفائح التكتونية المتقاربة والمتباعدة المختلفة ويتقلص حجمه في النهاية. في حين أن بعض أجزاء صفيحة المحيط الهادي تتحرك نحو صفائح أخرى مثل صفيحة أميركا الشمالية وصفيحة بحر الفلبين، إلا أن هناك أيضا مناطق تتحرك فيها الصفائح بعيدا عن الصفائح الأخرى مثل الحدود الشرقية لصفيحة المحيط الهادي مع صفيحة نازكا.
يعتقد كذلك أن المحيط الهادي هو المكان الذي تحدث فيه معظم الزلازل، بالإضافة إلى أنه يوجد به الكثير من البراكين في العالم. كل ذلك يسبب الكثير من الاهتزاز فتتحرك الصفائح وتتدمر الأجزاء القديمة من القشرة الأرضية. ولا يمكن لقاع المحيط أن ينمو بسرعة كافية ليحل محل تلك الأجزاء التي يتم تدميرها.
في النهاية فإنه يتم تحديد حجم محيطات الأرض من خلال العمليات الجيولوجية طويلة المدى المتعلقة بتكتونية الصفائح، وأي تغييرات في حجم المحيطات تحدث على فترات زمنية جيولوجية وليس خلال فترة حياة الإنسان. هذه العمليات الجيولوجية مستمرة وتشكل العالم كما نعرفه منذ ملايين السنين.
فقبل 300 مليون سنة، لم يكن كوكبنا يتكون من 7 قارات، بل كان يضم محيطا واحدا وقارة واحدة سماها العلماء "بانجيا". وبمرور الوقت، وفقا لموقع "برايت سايد"، بدأت هذه القارة في الانهيار ببطء.
وفي مرحلة ما، كانت أميركا الجنوبية والقارة القطبية الجنوبية وأستراليا وأفريقيا وحدة واحدة، وكانت أميركا الشمالية وأوراسيا وحدة أخرى. وبمرور الوقت انقسمت هذه القارات أيضا وكل منها اتجهت في اتجاهها الخاص.