وأولجايتو هو اسم أحد حكّام المغول (حفيد هولاكو خان وثامن ملوك الإلخانية) والذي اتخذ إسم محمد بعد اعتناقه الإسلام واتخذ "خدا بنده" أي عبد الله لقبا له ليشتهر بالسلطان "محمد خدا بنده" في التاريخ.
يضم جامع أصفهان التاريخي المعروف بالجامع العتيق، هذه الروعة الأثرية، ووفقا لكارغر فإن لهذا المسجد 8 مداخل و14 محرابا، 6 منها من البلاط و5 من الحجر و3 منها من الجص.
تم بناء جامع أصفهان من الطين الخام، ولكن نظرا لثبات وسرعة بناء الطوب وعوامل أخرى، فقد تم استخدام الطوب في إعادة بنائه. وقد تم إعادة بناء المسجد في العصر الحديث بعد تلقيه دمارا عام 1985 جراء حرب إيران والنظام البعثي.
ونظرا لعراقة وازدهار جامع أصفهان العتيق في العهد الإسلامي، فقد كان وما يزال مقصدا لكثير من السياح والرحالة، وقد ورد ذكره في العديد من الكتب القديمة ومنها: كتاب "صورة الأرض" لأبي القاسم محمد بن حوقل، وكتاب "أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم" لشمس الدين أبو عبد الله الشامي المَقدسي، وكذلك كتاب "الأعلاق النفيسة" لأبي علي أحمد بن عمر بن رُسته.
محراب أولجايتو ... جمال يأسر القلب والعين
هناك رواق صغير يقع في الجانب الشمالي من الإيوان الغربي بجامع أصفهان وفيه محراب فريد من نوعه وهو أحد أجمل المحاريب المزينة بزخارف الجبس، حيث يطلق عليه مسجد "الجايتو" وقد نقش في أعلى المحراب اسم السلطان محمد خدابنده إيلخاني.
يقع منبران خشبيان على جانبي المحراب يشبه تصميمهما للمحراب الأثري ويعود تاريخ المنبر الغربي الى القرن السابع الهجري فيما يرجع المنبر الشرقي الى العهد الصفوي.
يبلغ ارتفاع المحراب ستة أمتار وعرضه ثلاثة أمتار ودرجة الدقة في حفر الجص عالية جدا حيث يعد من أهم آثار العهد الإلخاني فنجد أن كل جزء من المحراب محفور في الجص على أكثر من مستوى. ويحتوي الإطار المستطيل للمحراب نقشا بالخط الثلث ، فيما النقش الإنشائي فهو في قلب المحراب. ويتضمن النقش اسم الفنان الخطاط وهو حيدر الذي هو أحد تلاميذ ياقوت المستعصمي أعظم فناني الخط العربي في القرن الثالث في بغداد.
وتحتوي زخارف المحراب التي نفذت بدقة وبراعة كبيرتين توليفة شديدة التأنق من الكتابات النسخية والزخارف النباتية المورقة اضافة الى شريط واحد من الكتابة الكوفية التي تنتهي هاماتها بزخارف هندسية بديعة وفريدة في نوعها.
ولهذا المحراب ازار زخرفي يحيط بعقدة الفارسي المدبب مؤلف من أرضية بها زخارف أنصاف مراوح نخيلية متصلة بفروع نباتية حلزونية وقد نفذت جميعها بالحفر البارز وفوق هذه الخلفية الزخرفية كتابة نسخية رشقية جاء فيها «بسم الله الرحمن الرحيم قال الصادق المصدق رسول الرحمن صلى الله عليه وآله من بني مسجدا كمفحص قطاه بني الله له بيتا في الجنة. وقال أمير المؤمنين على بن أبي طالب عليه سلام الله ورسوله وملائكته من اختلف الى المسجد أصاب احدى الثمان.. حباً مستفادا في الله وعلما مستطرفا وآية محكمة ورحمة ممطرة وكلمة..».
أما كوشتا عقد المحراب، والمحصورتان بين العقد والاطار الكتابي المزخرف فقد زخرفا بعناصر نباتية قوامها أنصاف مراوح نخيلية على الطريق التي صارت تعرف في تركيا العثمانية فيما بعد باسم زخارف الرومي. ويرتكز عقد المحراب الكبير على عمودين من الجص المزخرف برسوم نباتية مماثلة تقريبا لتلك التي نراها في كوشتى العقد، ولهذا المحراب اطار من كتابات نسخية تحتوي من جهة اليمين حديث نبوي شريف رواه جابر بن عبد الله الأنصاري عن فضل الصلاة على الرسول وآله، أما الجانب الأيسر من اطار العقد فيه نص قرآني أوله «يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم..»
وبداخل المحراب أسطر من الكتابة النسخية المنفذة على أرضية من زخارف التوريق العربية قوامها فروع حلزونية تخرج منها أنصاف مراوح نخيلية.أ ما النص الكتابي فيشير الى «سلطان محمد» وهو الخان أولجاتيو وأن المحراب أنشأ في عهده مع ذكر القابه «حامي حوزة الاسلام والايمان غياث الدنيا والدين ظل الله في الأرض..» وفي نهاية النص اشارة الى تاريخ الانتهاء من زخرفة المحراب في «صفر سنة عشر وسبعمئة».
وأسفل هذا النص تكرار مصغر لخطة زخرفة هذا المحراب فهناك ازار من الكتابات النسخية، ويضم الأزار محرابا صغيرا له عقد فارسي مدبب، زخرفت كوشتاه بزخارف التوريق بينما احتوى اطار العقد أسماء الأئمة الاثنى عشر. وفوق المحراب الصغير كتابة كوفية تنتهي هامات حروفها بزخارف هندسية متداخلة بحيث يتخلف عن ذلك أشكال نجمية متعددة ونص هذه الكتابة هو شهادة التوحيد «لا اله الا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم».
ان هذا المحراب يستحق عن جدارة ان ينظر اليه بوصفه أحد أبرز القطع الفنية التي أنتجها الفن الاسلامي في مرحلة نضجة، حيث جاء بزخارفه وأسلوب تنفيذها تجسيدا للتلاحم بين الفن الجميل وعقيدة الاسلام.