فوجئ الباحث النشيط الدؤوب محمود وهبة الذي كان قد أعدّ رسالة الدكتوراه في كلية التجارة في جامعة الأزهر في القاهرة بإصابته بالسرطان في 10 آب/أغسطس 2021.

بعد 5 أيام على التشخيص، خضع لجراحة دقيقة في عموده الفقري، وكذلك الغدد الليمفاوية، لانتشار السرطان بهما. مر عامان، ولم ينسَ وهبة حلمه في مناقشة رسالته. كان يظن أنها آخر أمنياته. وحتى يتمم فرحته، طلب من زملائه وعائلته التقدم بطلب لإدارة الكلية لمناقشته وإعطائه درجة الدكتوراه، لكن هذه المرة ليس في قاعة الجامعة، بل من داخل غرفة الرعاية المركزة التي يقيم بها بعدما اشتد عليه المرض.

حدث إنساني نادر
قبل أيام، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي في مصر برسائل حب ودعم وتشجيع لجامعة الأزهر وللباحث محمود وهبة، بعدما عدّوا تلك الخطوة دعماً يستحقه.

بالنسبة إلى الجامعة، تعد المناقشة سابقة هي الأولى من نوعها في مصر والعالم، إذ لم تتم مناقشة رسالة دكتوراه من داخل غرفة رعاية مركزة في المستشفى لأحد محاربي السرطان من قبل.

وبالنسبة إلى رفاق وهبة ووهبة نفسه، هي رسالة حب. وقد ذكر الكثيرون من تلاميذه وأصدقائه مواقف عديدة جمعتهم معاً، ومدحوه بصفته أفضل من درّسهم وعلمهم، وأثنوا على عزيمته وإصراره على مواصلة طريقه في طلب العلم.

هذا الحدث النادر يحدث للمرة الأولى في تاريخ جامعة الأزهر منذ إنشائها عام 970، وهي ثالث جامعة تم إنشاؤها على مستوى العالم بعد جامعتي الزيتونة التونسية والقرويين المغربية.

محمود صديق، نائب رئيس جامعة الأزهر للدراسات العليا، قال إنَّ أصدقاء الباحث وأسرته تقدموا بطلب إلى إدارة الجامعة من أجل تحقيق هدف إنساني للباحث الذي عمل على الدكتوراه وأنهاها عام 2021، لكن إصابته بالسرطان في 10 آب/أغسطس من العام نفسه، وإجراءه جراحة بعد 5 أيام في العمود الفقري، حالت دون مناقشته، ولم تتردد إدارة الجامعة في تلبية طلبه.

ارتدى وهبة زي المناقشة الرسمي وهو في سريره، واستعد للمناقشة التي تمت، بحسب صديق، على يد كل من عميد الكلية عادل ممدوح غريب ومدير الكلية يسري رشدي الصواف ولجنة المناقشة والحكم: عبد الحميد محمد ربيع غيضان عميد الكلية الأسبق مشرف ورئيس اللجنة، ومحمد الدسوقي حبيب وكيل الكلية الأسبق عضو من الداخل، والسيد أحمد الشربيني وكيل كلية الدراسات والبحوث الإحصائية السابق عضو من الخارج.

تجهيز غرفة العناية للمناقشة
وجود مريض في الرعاية المركزة هو أمر غاية في الصعوبة ويستلزم احتياطات صحية عديدة، لكن الأشخاص الذين حضروا التزموا كلهم بما طُلب منهم من إجراءات الوقاية، التي تمت، بحسب نائب رئيس جامعة الأزهر، على يد الدكتور مصطفى محمود مدير مستشفى المقاولون العرب، الذي لم يدخر جهداً لتهيئة غرفة في الرعاية المتوسطة لاستقبال الباحث محمود وهبة وأعضاء لجنة المناقشة، لتتحول الغرفة إلى امتداد غير رسمي لإحدى قاعات كلية التجارة في جامعة الأزهر.

تمت مناقشة الرسالة خلال 130 دقيقة. ورغم أن حالته الصحية لم تكن على ما يرام، إذ كان يتناول أدويته أثناء المناقشة لتسكن آلامه- بحسب صديق- فإن حالته النفسية ومعنوياته كانت مرتفعة في السماء. "كان في منتهى السعادة"، قال صديق. وقد كان يتناول مسكنات قوية كل نصف ساعة، ولكنه كان يجيب بتفوق عن أسئلة المشرفين.

لم تتم المناقشة بشكل صوري، لأن رغبة الباحث كانت المناقشة الفعلية. وبحسب صديق، لو كان قد تقدم بذلك، لكنا وافقنا على الفور، لكنه حريص على طلب العلم.

أما الدكتور أحمد زارع، المتحدث الرسمي باسم جامعة الأزهر، فقد أكد أن رئيس الجامعة ونائبه زارا وهبة بعد المناقشة، الأحد الماضي، ليهنئاه ويطمئنا إليه ويؤكدا تكفل الجامعة بكل مصاريف علاجه. جاء ذلك بعد مطالبات عديدة من أسرته ومناشدتهم لإنقاذه وعلاجه في الخارج على نفقة الدولة.

وفي تصريحات صحافية منسوبة إلى شقيق الباحث محمود وهبة، قال إن شقيقه يعاني تدهوراً في صحته، والأمر يزداد سوءاً. وقد حدثت له مضاعفات، منها كسر في الرقبة. وقد ظهر في الصور التي التقطت له وهو برباط داعم طبي حول رقبته، كما أنه يعاني صعوبة في البلع والكلام، لكن رغم ذلك استمر في مناقشة الرسالة لأكثر من ساعتين.