البث المباشر

الكوارث الطبيعية.. عقاب من الله أم سنة طبيعية؟

الأربعاء 8 فبراير 2023 - 19:46 بتوقيت طهران
الكوارث الطبيعية.. عقاب من الله أم سنة طبيعية؟

إنَّ الادّعاء بأنَّ المرض أو الكوارث، كالزلازل والفيضانات، عقابٌ من الله للإنسان ليس له أصلٌ عندنا.

لأنَّ الأمراض الَّتي تصيب الإنسان أو الزلازل أو الفيضانات أو الصَّواعق، وكلّ الأمور التي لا يدَ للإنسان فيها من الناحية السلوكيَّة، هي من سنن الله في الكون، بمعنى أنّه سبحانه وتعالى خلق الكون على نظام وأساس ينتج مرضاً هنا من خلال بعض العناصر الموجودة في الكون، وينتج خوفاً أو موتاً هناك من خلال السنّة الطبيعيَّة العامّة، فهي موجودة، سواء آمنّا بالله أو لم نؤمن، وإلَّا فماذا يقول المادّيون؟.

فطبيعة الوجود تفرز هذه الأمور، فنظام التناسل ـــ مثلاً ـــ بما فيه من عوامل وراثيَّة، تجعل أحدنا مشوّهاً والآخر سويّاً، وهكذا، فليس معنى ذلك أنَّ الله غضب على هؤلاء، فهو تعالى أجرى الكون، من خلال حكمته، على قانون معيّن. فلربّ سائل يسأل: لماذا لم يخلق الله دنيا بلا أمراض، وبلا خوف وبلا مشاكل وبلا أزمات، أليس هو قادراً على كلّ شيء؟.

ولقد قلنا في إجابات سابقة عن مثل هذا السؤال، إنّ الله قادرٌ على ذلك، ولكنّ الأشياء ليس لها قابليَّة لذلك، فلو قلت لأعظم مهندس في العالم ابنِ لي ناطحة سحاب في سنتيمتر واحد، فإذا قال لك لا أقدر على ذلك، فهل هو عجز منه، أم أنَّ السنتيمتر لا قابلية له؟ فأساس الوجود الماديّ ليس مطلقاً، فالله وحدهُ هو المطلق، فلا حدَّ لعلمه، ولا حدّ لحكمته، ولا حدّ لقدرته، أمّا في المادَّة، فالأمر مختلف، فإذا أردت أن تحصل على شيء، فلا بدَّ أن تخسر شيئاً.

وكما مثَّلت سابقاً، فلو كانت هذه القاعة التي نحن فيها بلا جدران ولا سقف، لكانت كميَّة الهواء والنّور أكثر، لكن كميَّة الحماية من الحرّ والبرد والأخطار الأخرى أقلّ، فإذا أردنا حمايةً من كلّ ذلك، فلا بدَّ أن نخسر شيئاً من كميَّة النور وكميَّة الهواء، فالله يوازن بحسب حكمته، فإذا كان الإنسان يربح من الوجود 70% ويخسر 30%، فهل يعقل أن يغلّب الله سبحانه وتعالى الــ 30% على الــ 70%؟! فالمسألة هي محدوديَّة الوجود الَّذي لا يمتلك القابليَّة لأن تكون كلّ الأمور الإيجابيَّة متوفّرة فيه. فالأمراض والزلازل وما شاكل، هي ممّا تقتضيه طبيعة الكون وليست عقاباً من الله.

نعم، قد يجعلها الله تعالى بلاءً بمعنى الاختبار، فشأنه ـــ سبحانه ـــ الرَّحمة، حيث يقول: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ}[الأنعام: 54]، فهو "الرَّحْمـن الرَّحِيم"، واستمرار وجودنا برحمته، فقد تكون هذه الأشياء السلبيَّة مظهراً لرحمته، بلحاظ ما يحصل لنا من نتائج خفيَّة جرّاءها.

فالفكرة الَّتي تقول إنَّ الله يعاقبنا بالأمراض غير صحيحة، لكنَّه يعاقبنا بأعمالنا {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا}[الروم: 41]. فعندما تعمل عملاً سلبيَّاً ينتج نتائج سلبيَّة، فإنّ تلك عقوبة طبيعيَّة {لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا}، فأنت تحصد ما تزرع: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ}[الأنفال: 53].

 

* من كتاب "النَّدوة"، ج 3.

 السيد محمد حسين فضل الله

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة