البث المباشر

تفسير موجز للآيات 1 الى 5 من سورة الأحزاب

الإثنين 13 إبريل 2020 - 05:11 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- نهج الحياة: الحلقة: 757

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين .احبائنا القرانيون السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نحط رحالنا عند سورة مباركة أخرى هي سورة الأحزاب التي نزلت بإجماع المسلمين في المدينة المنورة ومجموع آياتها (73) آية، ولمّا كان جزء مهمّ من هذه السورة يتحدّث عن أحداث غزوة الأحزاب أوالخندق فإنّ هذا الإسم قد اختير لها.

قبل كل شئ أيها الأكارم ننصت خاشعين إلى تلاوة مرتلة للايات الأولى حتى الثالثة من هذه السورة المباركة الأحزاب:

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّـهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ ۗ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴿١﴾

 وَاتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۚ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ﴿٢﴾ 

وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّـهِ وَكِيلًا ﴿٣﴾

جاء في أسباب نزول هذه الآيات أنها نزلت في شأن أبي سفيان وبعض آخر من رؤوس الكفر والشرك الذين أخذوا الأمان من الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) بعد معركة أُحد ودخلوا المدينة، وأتوا مع عبدالله بن أُبي وجماعة من أصحابه، إلى النّبي (صلى الله عليه وآله)، وقالوا: يامحمّد، لا تذكر آلهتنا اللات والعزى ومناة بسوء وقل: إنّ لها شفاعة لمن عبدها ؛ وندعك وربّك، فشقّ ذلك على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال الصحابي عمر بن الخطّاب: ائذن لنا ـ يارسول الله ـ في قتلهم، فقال النّبي (صلى الله عليه وآله): «إنّي أعطيتهم الأمان» وأمر فأُخرجوا من المدينة ونزلت الآية: (ولا تطع الكافرين) وأمرته بأن لا يصغي لمثل هذه الإقتراحات بل اتّبع الوحي الإلهي فقط .

مستمعينا الكرام لقد بذل مشركو مكّة ومنافقو المدينة كلّ ما في وسعهم ليحرّفوا الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) عن خطّ التوحيد من خلال تقديم مقترحات السلام والإتّفاق، ومن جملتها ما ذكرناه في سبب النّزول، إلاّ أنّ أُولى آيات هذه السورة نزلت فأبطلت مؤامراتهم، ودعت النّبي (صلى الله عليه وآله) إلى الإستمرار في اُسلوبه الحاسم في خطّ «التوحيد» بدون أدنى تراجع وتنازل ومسالمة.

تعلمنا الأيات الأولى من هذه السورة أمورا نذكر منها ما يلي:

  •  إن أية محاولة للتطبيع والصلح مع أعداء دين الله و التي تؤدي إلى تلبية رغباتهم فهي لا تنسجم مع مراعة حالة التقوى الإلهي .
  •  إن هناك انسجاما وتوافقا فيما بين المنافقين في الداخل مع الأعداء البارزين ؛ الأمر الذي يستدعي أخذ جانب الحيطة والحذر في التعامل معهم .
  • بدل السعي وراء إرضاء العدو الكافر الظالم ، ينبغي بذل الجهود من أجل تطبيق التعاليم والأوامر الدينية حتى وإن كان ذلك لا يرضي الأعداء .
  •  لا شك أن اتباع تعاليم القران الكريم و رفض الانقياد لما يمليه الأعداء ستتبعهما مشاكل و مصاعب ولكنها ستسهل لمن توكل على الله تعالى وصبر وقاوم . و من توكل على الله فهو حسبه .

 

والان نصغي إلى تلاوة الأية الرابعة من هذه السورة المباركة.

 مَّا جَعَلَ اللَّـهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ۚ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ ۚ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ۚ ذَٰلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ ۖ وَاللَّـهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ﴿٤﴾ 

تعقيباً للآيات السابقة التي كانت تأمر النّبي (صلى الله عليه وآله) بأن يتّبع الوحي الإلهي فقط، ولا يتّبع الكافرين والمنافقين، تعكس هذه الآية عاقبة اتّباع هؤلاء ، وقد ذكرت هذه الآية أوّلا: (ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه). فمن المسلّم به أنّ شخصيّة الإنسان السليم شخصية واحدة، وخطّه الفكري واحد، ويجب أن يكون واحداً في وحدته وإختلاطه بالمجتمع، في الظاهر والباطن، في الداخل والخارج، وفي الفكر والعمل، فإنّ كلّ نوع من أنواع النفاق و إزدواجية الشخصية أمر مفروض على الإنسان وعلى خلاف طبيعته. وقد قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في تفسير هذه الآية: «لا يجتمع حبّنا وحبّ عدوّنا في جوف إنسان، إنّ الله لم يجعل لرجل قلبين في جوفه، فيحبّ بهذا ويبغض بهذا، فأمّا محبّنا فيخلص الحبّ لنا كما يخلص الذهب بالنار لا كدر فيه، فمن أراد أن يعلم فليمتحن قلبه، فإن شارك في حبّنا حبّ عدوّنا فليس منّا ولسنا منه»

ثمّ تتطرّق الاية إلى خرافة اُخرى من خرافات الجاهلية، وهي خرافة «الظهار»، حيث أنّ المشركين كانوا إذا غضبوا على نسائهم، وأرادوا أن يبدوا تنفّرهم وعدم إرتياحهم، قالوا للزوجة: أنت عليّ كظهر اُمّي فيعتبرها بمثابة اُمّه، وكان يعدّ هذا الكلام بمنزلة الطلاق .

ثمّ تطرّقت الآية إلى الخرافة الجاهلية الثالثة، فقالت: (وما جعل أدعياءكم أبناءكم).بحيث كان من المتعارف في زمن الجاهلية أنّهم كانوا ينتخبون بعض الأطفال كأولاد لهم، ويسمّونهم أولادهم، وبعد هذه التسمية يعطونه كلّ الحقوق التي يستحقّها الولد من الأب، فيرث الولد من تبنّاه، كما يرث المتبنّي الولد، ويجري عليهما تحريم امرأة الأب أو زوجة الإبن.

وقد نفى الإسلام هذه العادات غيرالمنطقية والخرافية أشدّ النفي، فقد قام النّبي (صلى الله عليه وآله) بمحاربة هذه السنّة المغلوطة في قضية زواجه (ص) من زوجة ولده الذي تبناه «زيد بن الحارثة» و ذلك بعد أن طلّقها زيد، ليتّضح من خلال هذه السنّة النبوية أنّ هذه الألفاظ الجوفاء لا يمكن أن تغيّر الحقائق والواقع، لأنّ علاقة البنوّة والاُبوّة علاقة طبيعية لا تحصل أبداً من خلال الألفاظ والإتّفاقيات والعقود .

ترشدنا الاية إلى تعاليم منها:

  •  إنّ الإنسان بحكم إمتلاكه قلباً واحداً يجب أن يكون له كيان عاطفي واحد، وأن يخضع لقانون واحد ولا يدخل قلبه إلاّ حبّ معشوق واحد .
  •  إن العلاقة التي تربط بين الأباء والأبناء هي علاقة حقيقية وطبيعية و ليست علاقة تبنى على أساس الموافقات والعقود البشرية و عليه فانها لا تنقطع حتى بعد الممات .
  •  إن الوحي هو أساس تحديد الحق والباطل في تحديد القوانين الإجتماعية والأسرية . لذلك فإن العادات والتقاليد التي تتعارض مع روح الوحي والشريعة فإنه يجب إبطالها وإزالتها .

 

و الان أيها الأحبة ننصت إلى تلاوة مرتلة للأية الخامسة من هذه السورة المباركة:

ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّـهِ ۚ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ ۚ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَـٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ۚ وَكَانَ اللَّـهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴿٥﴾

تؤكد هذه الأية المنهج الصحيح والمنطقي للإسلام بالقول "ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله " ولا يخفي أنّ التعبير بـ " أقسط " لا يعني أنّهم إن دعوهم بأسماء المتبنّين لهم فإنّه عدل، وإن دعوهم بأسماء آبائهم الواقعيين فإنّه أعدل، و لا يخفي علي المستمع الكريم إنّ صيغة "أفعل التفضيل" لا تدلّ في جميع الحالات على التفضيل بين امرين فمثلا نقول: من الأفضل أن يحتاط الإنسان ولا يلقي بنفسه في الخطر، فلا يعني هذا أنّ إلقاء النفس في الخطر والتهلكة حسن، إلاّ أنّ الإحتياط أفضل منه، بل إنّ المراد المقارنة بين الحسن والقبح.

وتقول الآية لإزالة جميع الأعذار والحجج: "فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم" أي إنّ عدم معرفة آبائهم لا يكون دليلا على أن تضعوا اسم شخص آخر كأب لهذا الإبن، بل يمكنكم أن تخاطبوهم كإخوانكم في الدين أو أصدقائكم ومواليكم. وقد ذكر المفسّرون معاني عديدة لمفردة الموالي، فالبعض فسّره هنا بمعنى الصديق والصاحب، والبعض الآخر بمعنى الغلام المعتق والمحرّر، لأنّ بعض الأدعياء كانوا عبيداً يُشترون ثمّ يتحرّرون، ولمّا كان أصحابهم قد اهتّموا بهم وأحبّوهم فإنّهم كانوا يدعونهم كأبناء لهم .

و تشير الاية إلى غفران الله تعالى و أنّه يغفر لكم ما قد سبق، ويعفو عن السهو والنسيان ، أمّا بعد نزول هذا الحكم فإنّ الله عزّوجلّ سوف لا يغفر لكم مخالفتكم إن صدرت عن عمد وقصد، فتدعون أفراداً بغير أسماء آبائهم، وتستمرّون على اتّباع هذا العرف السيء بالدعوة لغير الأب.

تشير الأية إلى تعاليم منها:

  •  يجب حفظ علاقة الأولاد بآبائهم في إطار العلاقة النسبية و ينبغي التعامل بكل ود واحترام مع اولئك الذين لم يعرف أبوهم و لا يجوز إيصال إي أذي كلامي أو سلوكي بحقهم .
  •  في بعض الأحيان فإن معرفة مسؤولي القضاء عن دوافع ارتكاب الجريمة من قبل المجرم أمر ضروري و هذا ما يرمز إليه قوله تعالى " وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ ".

ايها الأكارم مع انتهاء وقفتنا عند تعاليم الأية السادسة من سورة الأحزاب وصلنا وإياكم إلى نهاية هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة إلى أن نلقاكم مجددا نستودعكم الرعاية الإلهية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة