البث المباشر

تفسير موجز للآيات 7 الى 9 من سورة السجدة

الأحد 12 إبريل 2020 - 20:07 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- نهج الحياة: الحلقة 752

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وأفصل صلوات المصلين على سيدنا محمد وآله الطاهرين . أحباءنا الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته طابت أوقاتكم بذكر الله وتلاوة كتابه والتدبر في مقاصد آياته المباركة . وأهلا بكم إلى وقفتنا هذه عند الأيات 7 حتى 9 من سورة السجدة المباركة . بادئ ذي بدء لنصغ جيدا إلى تلاوة مرتلة للاية السابعة والثامنة من هذه السورة المباركة :

الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ۖ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ ﴿٧﴾

 ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ ﴿٨﴾

لقد تطرقنا في الحلقة الماضية إلى قضية خلق الارض والسموات وأن الذي يمسك بزمام إدارتهما هو الله عزوجل العليم القدير . وأما هذه الايات تؤكد على التالي للقران الكريم نقطتين أساسيتين هما : أولا أن جميع ما خلقه الله تعالى من الجمادات والنباتات والحيوانات والانسان فقد خلقهم الله على أحسن وأتم وجه ولا يجد النقص فيها أي طريق و النقطة الأخرى فهي أن الأيات تذكر خلقة الإنسان بشكل خاص وذلك لأن الله تعالى خلق أبا البشر آدم عليه السلام من تراب ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين تستقر في رحم الأم .

ما يجدر ذكره هو أن النطفة وبالرغم من أنها وصفت بسلالة من ماء مهين لا قيمة لها إلا أنها تحمل بناء و هيكيلية في غاية الدقة والغموض ولها جزيئات حية دقيقة لتكون من أكبر الأيات الإلهية التي تشير إلى عظمة وقدرة الله تعالى .

النقطة الأخرى هي أن الأية ترفض بكل وضوح النظرية التكاملية لداروين التي تعتبر الإنسان نموذجا متطورا و متكاملا لنوع من القرود ؛ فالاية تصرح بأن الإنسان خلق مباشرة من طين و ثمة فرق بينه وبين نسله من حيث الولادة . لأن آدم خلق من طين ولكن نسله خلقوا من النطفة . في حين أن داروين يرى أن آدم كان له أب وأم و خلق آدم من النطفة .

لا تنحصر إشارات القران الكريم لمسألة خلق آدم في الأية السابعة من سورة السجدة بل هناك آيات أخرى تشير الي هذا المعني و كمثال على ذلك الأية 59 من سورة آل عمران تقول :" إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب "فمثل النبي عيسى عليه السلام الذي خلق من دون أب كمثل النبي آدم عليه السلام الذي خلقه الله تعالى من دون اب و أم بل خلقه من تراب .

نستوحي من هاتين الايتين دروسا منها :

  •  إن النظام الذي يحكم الكون كله هو أحسن وأكمل نظام يمكن تصوره لانه بني على أساس علم الله وحكمته وقدرته اللامتناهية ولا شيئ يدل على وجود نقص فيه .
  •  إن الفنان الحقيقي هو الله الذي خلق من ماء مهين كائنا ثمينا مدهشا بمثل الإنسان الذي انطوى فيه العالم الأكبر .
  •  إن تذكير الإنسان بهذه الحقيقة أن الله خلقه من ماء مهين يجعله بمنأى عن التكبر والغرور والإعجاب بنفسه .

 

والان أحبائنا لنصغ إلى تلاوة الاية التاسعة من سورة السجدة ونرى ما فيها من دروس:

ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ ۖ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۚ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ ﴿٩﴾

تعني مفردة "سوى" أي جعله متعادلا متوازنا ومتناسبا أي أنه بعيد عن الإفراط والتفريط .

تشير هذه الاية إلى مراحل خلق الإنسان وبنيه وتؤكد أن الله تعالى خلق أعضاء جسم الإنسان في حالة من التوازن والانسجام والثبات . ثم ميزه عن سائر الكائنات عندما نفخ فيه من روحه . فآدم أبو البشر بعد أن خلقه تعالى من طين ، نفخ الله تعالي فيه من روحه وحظي بوجود متميز عن غيره من الكائنات و قد استمر نسل آدم إلى يومنا هذا . فالنطفة عندما تستقر في رحم الأم ستحظى بحياة متميزة عن سائر الكائنات خلال الأشهر التسعة التي تعيش فيه .

يجب الانتباه إلى أن المراد من الروح التي نسبت إلى الله تعالى في الاية المباركة هي الحياة الخاصة المتميزة التي وهبها الله عزوجل للإنسان وبها ميزه عن سائر الكائنات الحية . وهذا لا يعني حلول وجود الله تعالى في الإنسان كما يراه البعض و هذا ما يرفضه العقل أساسا .

تتمتع سائر الكائنات بالعين والإذن و لكن الروح التي يتمتع بها الإنسان هي التي تميز إدراكات الإنسان ووعيه واستيعابه عن غيره من الكائنات .

إلى الحواس الخمسة فقد منح الله تعالى الإنسان العقل وقوة الإدراك والفهم ليقوم باستخدامها في تحليل المعلومات والمشاهدات و ليكتشف بالتالي القوانين الحاكمة على الكون . وقد تمكن الإنسان من أن يكشف الكثير من القوانين الطبيعية في قالب علم الفيزياء والكيمياء والأحياء وسائر العلوم وقد استطاع أن يقوم بالكثير من الاكتشافات والاختراعات . وعليه فهو يسير في طريق الرشد والتنمية في حين لا أثر لوجود مثل هذا التطور في حياة سائر الكائنات على سبيل المثال فالنحل حاله كما كان في الماضي السحيق لم يجد أي تطور في إنتاجه للعسل .

هذه الاية تشير إلى أبرز أدوات المعرفة لدى الإنسان وهي العين والأذن والعقل . فقسم من هذه الأدوات ظاهرية وقسم منها باطنية غيبية . إن المعارف التجريبية يحصل عليها الإنسان من خلال حواسه كالعين والاذن وأما المعارف الكلية والاستدلالات المنطقية يحصل عليها الانسان من خلال توظيف العقل الباطني .

مما لا شك فيه إن هذه النعم الجلية تستوجب الشكر والحمد لله تعالى . إلا أن الكثير من الناس قد نسوا خالقهم و هم غفلوا عن شكر نعمائه .و حتى من وفق لحمد الله تعالى وشكره لا يؤدي حق الشكر والحمد تجاه كل تلك النعم التي وهبها الله تعالى للانسان .

نستوحي من الاية دروسا منها :

  • إن من دلائل الكرامة الإنسانية وشرافته على سائر الكائنات هو الروح الالهية التي منحها الله تعالى له .
  • إن المعرفة الصحيحة للنفس الانسانية ومعرفة الله تعالى مقدمتان على أداء شكر الله عزوجل . فمن لا يعرف الله ومن يجهل نفسه لا يتمكن من أداء شكر الله تعالى .
  • إن للانسان بعدين بعد مادي وبعد روحاني وهو البعد الذي يميز الانسان عن غيره . إن الانسان الفضيل هو الذي يستخدم البعد المادي من أجل تنمية البعد الروحاني وبالمقابل الانسان الوضيع هو الذي يترك البعد الروحاني وينشغل بالبعد المادي وقضاء حاجاته المادية فحسب .

 

إلى هنا و تنتهي حلقة اليوم من برنامج نهج الحياة سائلين الباري تعالى أن يوفقنا لمزيد من التأمل والتدبر في كتابه المجيد وأن نجعله حقا منهجا لحياتنا. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة