البث المباشر

تفسير موجز للآيات 176 الى 187 من سورة الشعراء

الأحد 5 إبريل 2020 - 15:54 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- نهج الحياة: الحلقة 672

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم لك الحمد حمد الشاكرين، والصلاة والسلام على النبي الخاتم محمد وآله الأطهرين.

إخوة الإيمان أهلاً بكم في حلقة جدية من برنامج "نهج الحياة" وتفسير آيات أخرى من سورة الشعراء، نستهله بالآيات من المائة وست وسبعين الى المائة وثمانين:

كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ ﴿١٧٦﴾

إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ ﴿١٧٧﴾

إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ﴿١٧٨﴾

فَاتَّقُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُونِ ﴿١٧٩﴾

وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿١٨٠﴾

 

الأيكة، إسم منطقة كانت جنب مدينة مدين وهي المنطقة التي بعث فيها شعيب نبياً هادياً لأهلها وأهل مدين. والأيكة لغوياً، تعني المنطقة ذات الأشجار الكثيرة والكثيفة.

وكان أهلها مرفهين متنعمين بفضل ما رزقهم الله من المال والثراء، لكن كغيرهم من كثير من الأغنياء والميسورين كانوا قد ابتلوا بالجهل والغفلة والغرور والإستكبار.

ما ينقله القرآن عن شعيب عليه السلام، هو ما قاله سائر الأنبياء عليهم السلام لأقوامهم وسبق أن أشارت إليه هذه السورة، أي: الدعوة الى التقوى وتجنب المعاصي والمنكرات والى الطاعة والإمتثال لأوامر الله وما دعا إليه الناس عبر الأنبياء والرسل.

الآيات هذه تشير أيضاً الى اثنتين من خصوصيات الأنبياء المهمة: ماضيهم المشرف الذي عرفوا فيه بصدق الكلم، الأمانة وصالح والأعمال، وعدم توخيهم الأجر من الناس.

والآن نبقى مع الآيات من المائة وإحدى وثلاثين الى المائة وأربعة وثمانين:

أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ ﴿١٨١﴾

وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ﴿١٨٢﴾

وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴿١٨٣﴾

وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ ﴿١٨٤﴾

بعد الدعوة العامة الى الزهد والتقوى، يشير شعيب عليه السلام الى أهم انحراف اقتصادي كان شائعاً بين أبناء الأيكة آنذاك، قائلاً لهم ما مضمونه: لماذا تخسرون الميزان وتبخسون الناس حقوقهم؟ لماذا تطغون في الميزان و تنقصون الناس حقهم؟ لماذا تحطون من قيمة السلع وتعيبونها عند شرائها من الآخرين؟

في هذه الآيات وقد بينا سابقاً معنى (الأيكة) وقلنا أنها المنطقة ذات الأشجار الكثيرة والكثيفة والمرادة منطقة كانت على طريق الحجاز – الشام التجارية عرفت بطيب هوائها وتردد القوافل القادمة من كل حدب وصوب.

في سالف الزمن، لم يكن التعامل أو بيع وشراء السلع أو البضائع رائجاً بما يسمى العملة بل كان ذلك يتم بالمقايضة أي تبادل السلع... ما دفع أبناء الأيكة عند الشراء لأن يعيبوا سلع المسافرين ويحطوا من قيمتها وينقصوا لهم أيضاً الكيل ويخسروا الميزان ويبخسوا المسافرين حقهم.

وبالتالي، تشير الآيات للتلاعب بحقوق الناس لدى التعامل وما يترتب مع ذلك من شيوع الفساد والمنكرات في الأرض.

أفهمتنا الآيات:

  •  الإلتزام بالتقوى له مفاهيم موسعة بينها إيفاء حقوق الناس أيضاً، لذا فإن أي تساهل في أداء هذه الحقوق لا ينسجم مع التقوى أو الورع.
  •  التطفيف وهو عدم الإيفاء بالكيل والميزان، من المنكرات الإقتصادية الكبرى ولا يخص الكيل والميزان فحسب، بل يشمل كل المشاغل والمسؤوليات الإجتماعية أيضاً وأن أي تهاون أو قصور في أداء حقوق الآخرين هو أيضاً ضرب من التطفيف.
  •  سلامة نظام المجتمع إقتصادياً، تمثل أحد أهداف الأنبياء والرسل، فعدم استقرار المجتمع وفساده إقتصادياً، هو رأس كل انحراف وتفكك النظام الإجتماعي.
  •  العدالة، في كل الحقول والأقسام والمجالات هي من المسائل الإقتصادية، التي أكدتها الأديان ورسل السماء على مدى التاريخ.

والآن نصغي وإياكم مستمعينا الأعزاء الى الآيات من المائة وخمس وثمانين الى المائة وسبع وثمانين من سورة الشعراء المباركة:

قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ ﴿١٨٥﴾

وَمَا أَنتَ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ ﴿١٨٦﴾

فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِّنَ السَّمَاءِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴿١٨٧﴾

 

بعد نهي النبي شعيب القوم عن التلاعب بالميزان وعدم إيفاء الكيل والقصور في أداء حقوق الآخرين أجابه قومه (إنما أنت من المسحرين) يعني قد أصبت بسحر فقد عقلك فصرت يا شعيب لا تدري ما تقول، ثم أنت بشر مثلنا فلم صرت أولى منا بالنبوة، نحن نظنك من الكاذبين، لذا عليك أن تثبت أنك نبي وما تقوله من عند الله لا من عندك... وإلا اننا لا نقر ولا نعترف بأنك مرسل من جانب الله.. ثم قالوا:

(فأسقط علينا كسفاً من السماء) أي ائتنا بمعجزة وأسقط علينا حجارة كبيرة من السماء وابتلنا بالعقاب الذي توعدنا به إن كنت يا شعيب في عداد الصادقين.

ما تعلمنا من هذه الآيات:

  •  الإتهام، حربة من لا منطق له ميتعذر عليه الرد منطقياً على الكلام المنطقي.
  •  هناك من المناوئين من يرى كون الأنبياء عليهم السلام، بشراً، نقطة ضعف لهم... في حين أن هذا الأمر من نقاط قوة الأنبياء الذين يجانسون الإنسان ويماثلونه في الخلق. وهذا ما يتيح لهم ترك أكبر الأثر على الإنسان وأن يكونوا خير أنموذج عملي أو تطبيقي له في الحياة الدنيا.

انتهت الحلقة هذه من برنامج نهج الحياة وعلى أمل اللقاء بكم إخوتنا الأعزاء في حلقة جديدة من البرنامج نستودعكم الله.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة