البث المباشر

تفسير الآيات الثالثة و الرابعة من سورة البقرة المباركة

الإثنين 20 يناير 2020 - 09:01 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- نهج الحياة: الحلقة 5

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين، السلام عليكم مستمعينا الأفاضل ورحمة الله وبركاته، أحييكم أجمل تحية وأدعوكم لمتابعة الحلقة الخامسة من برنامج نهج الحياة حيث سنتناول تفسير الآيتين الثالثة والرابعة من سورة البقرة، فتابعونا.

الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ﴿٣﴾

وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ﴿٤﴾

الآية الثانية من سورة البقرة مستمعينا الكرام تشير أن الهداية هي للمتقين والآيات التالية لها في هذه السورة تذكر خصائص وصفات المتقين، لنستمع أولا الى الآية الثالثة وهي قوله تعالى: (الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون) نعم مستميعنا الكرام القرآن الكريم يقسم الوجود الى قسمين: 1- عالم الغيب الذي لا تدركه حواسنا وغائب عن أبصارنا. 2- العالم المشهود أو عالم المحسوسات والطبيعة المادية.

بعض الناس لا يصدقون إلا بما يرونه ويسمعونه ويدركونه بالحواس الخمس، أي: السمع والبصر والشم والتذوق واللمس، ولكن حواسنا الإعتيادية عاجزة عن درك كل ما في الوجود، خذ على سبيل المثال قوة الجاذبية على الرغم من أنها خاصية مادية بيد أن الحواس لا تدركها؛ إننا نفهم مثلا أن للأرض قوة جاذبية حينما نرى الأشياء تسقط نحوها إذاً علمنا بالجاذبية عن طريق آثارها لا عن طريق الإدراك المباشر لها.

 

إن المتقين والباحثين عن الحقيقة الطالبين لها لا يرون أن حدود معرفتهم محدودة بالعالم المادي، فهم يؤمنون كذلك بعالم الغيب والواجد الله سبحانه وتعالى ووجود الملائكة والآخرة، وكل هذا خفي عن الحواس الظاهرية، وبالطبع فإن الإيمان مرحلة العلم والمعرفة، إنها مرحلة يشهد فيها قلب الإنسان وروحه بوجود الأشياء ومرتبطان وجدانيا بها. ومن الواضح مستمعينا الكرام أن مثل هذه العقيدة تكون مشفوعة بالعمل الصالح والخالص وبشكل عام فإن الإسلام يرى أن الإيمان من دون عمل لا يقود الى كمال الانسان وتعاليه؛ وتصف الآية الكريمة المتقين أيضا، بأنهم يقيمون الصلاة وينفقون في سبيل الله، فالصلاة وهي ذكر الله توفر لهم حاجاتهم الروحية وتأخذ بأيديهم نحو الطمأنينة، أما الإنفاق على المحرومين فيسد جزءاً من حاجات المجتمع وهو خطوة على طريق وصول المجتمع بأكمله الى مرحلة الرفاه؛ والصلاة بمفردها ليست كافية فلابد أن يكون الانسان المؤمن التقي مصليا وداعية الآخرين الى الصلاة، والمتقي يقيم الصلاة في أول وقتها وفي المسجد جماعة، وهذه الأمور رغم استحبابها وعدم وجوبها تقوم بتركيز أركان الصلاة في المجتمع، أما الإنفاق أعزائي المستمعين فلا ينحصر من وجهة نظر الاسلام في الأمور المادية ولا يكون محدوداً بالمساعدات المالية، ذلك لأن الله تعالى يقول (ومما رزقناهم ينفقون) والرزق الإلهي يشمل الثروة والقوة والعلم وكل الإمكانات والمواهب التي يهبها الباري جلت عظمته.

 

مستمعينا الكرام، مازلتم تستمعون الى برنامج نهج الحياة نقدمه لحضراتكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، والآن لنخلص دلالات الآية الكريمة بما يلي:

  •  العالم والوجود برمته غير محدود بحدود المادة، حيث توجد أمور لا ندركها بأبصارنا، إنما نعيها بقلوبنا، فعلينا إذاً الايمان بها.
  •  الإيمان لا ينفك عن العمل، والمؤمن عامل وبالطبع فإن عمله هو طبقا لأوامر الله تعالى ونواهيه.
  •  الصلاة هي محور اعمال الناس المؤمنين.
  • إن كل ما عندنا هو من نعم الله وفضله، إذاً لابد أن ننفق جزءاً منه في سبيل الله، والله تعالى سيعوضنا به خيراً في الدنيا والآخرة.
  •  الإسلام دين جامع فيه كل ما يلزم لإدارة المجتمع وهو كما يدعو للإرتباط بالخالق، يدعو الإرتباط بالمجمتع والإهتمام بحاجته؛ ولنستمع الى الصفات الأخرى، مستمعينا الكرام، للمتقين حيث الآية الرابعة من سورة البقرة تقول: (والذين يؤمنون بما أنزل اليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون).

نعم، مستمعينا الكرام؛ إن الوحي هو من سبل المعرفة والمتقون يؤمنون به، فإن طرق المعرفة أمام الإنسان غير محدودة بالحواس وأن هناك عالم وراء عالم المحسوسات يشهد العقل بوجوده، إلا أن العقل بمفرده عاجز عن معرفة هذا العالم معرفة دقيقة، فجاء الوحي الإلهي ليكمل هذه المعرفة. العقل يقول لنا أن العالم له خالق، أما الوحي فيذكر صفات الخالق وخصائصه، العقل يقول لابد أن تقام محكمة عالمية ليجزى فيها الناس عن أعمالهم والوحي يقول إنها القيامة، إذاً العقل والوحي يكمل أحدهما الآخر. الوحي ليس من مختصات نبي الإسلام بل أن كل الأنبياء قد أوحي لهم، والمتقون يؤمنون بكل الأنبياء صلوات الله عليهم، وما أوحي إليهم وعالم الآخرة هو من الأمور الغيبية، والتعرف الصحيح عليه إنما يكون بواسطة الوحي، والمؤمنون يوقنون بالقيامة ولا يرون الموت هو النهاية.

أما الدروس التي نتعلمها من هذه الآية فهي:

  •  جميع الأنبياء (سلام الله عليهم) كان لهم هدف واحد، إذاً الواجب هو الإيمان بكل الكتب السماوية.
  •  الأمة الإسلامية هي وارثة الكتب السماوية السابقة وعليها الحفاظ عليها.
  • لليقين بالقيامة نتائج كثيرة، حيث تصغر في عين المؤمن الدنيا وهذا اليقين يصون الإنسان أمام المعاصي ويوجه عمل الإنسان الوجهة الصحيحة في الحياة.

 

مستمعينا الكرام هكذا انتهت الحلقة الخامسة من برنامج نهج الحياة، قدمناها لحضراتكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، نشكركم على حسن المتابعة والإصغاء وحتى الملتقى في حلقة قادمة إن شاء الله، نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة