البث المباشر

رأس القلم

الأربعاء 18 ديسمبر 2019 - 13:15 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- مدائح الانوار: الحلقة 665

بسم الله والحمد لله الذي جعلنا من أمة وشيعة حبيبه المبعوث رحمة للعالمين وآله الطيبين الطاهرين – صلوات الله عليهم أجمعين -.
السلام عليكم أيها الإخوة والأخوات ورحمة من الله وبركات.
أهلاً بكم في لقاء اليوم مع مدائح الأنوار الإلهية نقرأ لكم فيه مقاطع من قصيدة ذات صبغة فلسفية لأديب مسيحي بليغ هو الأستاذ خليل فرحات المولود في بيروت سنة ۱۹۱۹ والمتوفى سنة ۱۹۹٤، بعد عمر قضى شطره في مهنة التعليم.
هذه المقاطع نختارها من ديوانه الذي يحمل عنوان (في محراب علي) وهو يضم قصيدة طويلة قدم لها صديقه القديم الأديب اللبناني الأستاذ نجيب جمال الدين ونقل فيها سر إنشاء هذه القصيدة عن الأستاذ خليل فرحات إثر شفائه ببركة التوسل إلى الله بأمير المؤمنين – عليه السلام – حيث قال محدثاً صديقة نجيب جمال الدين:
“بقيت يا صاحبي عشرة أيام، ورجلي هذه، وأشار إلى اليسرى، مرفوعة إلى العلاء بحبل، بعد أن احتبس فيها الدم واعتصم، وأبى أن يدور، وذلك بسبب انخفاض السكر أو ارتفاعه لا أدري... وتهدّد الجسد كلّه، لا الرجل، عندها اجتمع الأصدقاء من الأطباء إليّ في البيت، وكان القرار بالقطع...
ولم أعترض إنما قلت : لديّ مشوار إلى عليّ، فإن قطعتم، فكيف أمشي؟
ولم يفهموا.. إلا جورجيت -يعني السيدة قرينته- فقد قالت : كفى بربك ! ودعنا الآن من الشعر، فالمسألة فيها حياتك، يعني نحن جميعًا!
وأجبتها : ولأنها كذلك، فهذا موقفي !
وأكمل :
ثم انصرفوا، وبعد يوم واحد، فككت رجلي من المشنقة، وقمت ولم أعُدْ بعدها للفراش... أفلا ترى أن الإمام هو الذي أمرني بالرحلة، فكيف أتخلّف ! ثم إلا ترى أنه كان كما يجب، فكيف لا أكون كما يُحبُّ، وبخاصة كما يجب ؟!
وأضاف: يا أبا فيصل، لن توحش الطريق، ما دام فيها ذلك الرفيق!..
ثم كتب بعد ذلك ديوانه (في محراب علي).
أيها الإخوة والأخوات، إشتمل ديوان هذا الأديب المسيحي على ثمانية عشر مقطعاً يحمل كل مقطع على عنوان مستقل، فيقول في أولها تحت عنوان (رأس الرقم):

دريت وكل الناس مثلك لم تدر

فقد صبت الاعصار عندك في عصر

وكنت امير الحدث تسبر غورها

وتسبر اخفاها العصي على السبر

وتنشر مطواها وتفجر خيرها

كما يفجر الحفار نجناجة البئر

وحاشاه أن يعيا حصانك طافرا

على قمم المجهول أو مارج الغمر

كأن خيول العقل حبس بقفرة

ووحدك خيال على الارحب النضر

تظل المفاهيم التي انشق غمدها

إذا أنت لم تشهر حراماً على الشهر

كأنك اشرعت البحار وصنتها

فما مبحر يجري اذا انت لم يجر

كأن ثدي الوحي عندك أمرها

فان شئتها أمرت وان شئت لم تمر

كأنك رأس الرقم ما حد حده

وفيه يصف الناس صفرا الى صفر


أيها الأفاضل وقبل أن نتابع قراءة ما اخترناه من قصيدة الأستاذ خليل فرحات تشير إلى معاني بعض مفردتها، فمعنى (نجناجة البئر) هو البئر التي لم ينفجر ماؤها ومعنى البيت هو أن أمير البلاغة – عليه السلام – قد كشف من القيم والمعارف الإلهية التي إستعصى إدراكها على الآخرين من أسرار الرسالة المحمدية الغراء، ومعنى خيول العقل الحبس هو المحبوسة، ومعنى (أمرت) أي فاضت بالمعارف.
ومن مفردات المقطع اللاحق نشير إلى أن (الهجاهج) هو الأشرار الذين لا ينتفعون من المعارف الحقة، ومعنى (التباريج) هو الأزاهير، والغدر جمع الغدير، والبرى هي وسائل الزينة كالسوار والقرط والخلخال، يعني أن الأفكار الصائبة تتزين بالأقوال الحيدرية، أما معنى (الفجر) فهو الفجور، والأذن الحشر هي الأذن التي تسمع أدق الأصوات.
وبعد هذه التوضيحات نقرأ لكم من المقطع الثاني من قصيدة (في محراب علي) قول هذا الأديب المسيحي تحت عنوان (لغز الوجود):

تهب على البيضان عنك مسائل

وأخرى على السودان و الحمر و الصفر

مسائل إعجاب مسائل حيرة

مريج بلا عد كمنهمر القطر

ترق لحاليها قساة خواطري

وتلقى سويدائي الهجاهج بالهجر

كأني بها يوما تباريج جنة

و يوما كآس الهم في المنزل القفر

يقولون خلاق يهيم بخلقه

كما هامت الأنسام بالنسج في الغدر

ومن انصفوا قالوا يهيم بك الورى

هيام حداة الحب بالقمر البدر

و لكنك النقاد تختارها البرى

فما زان في الأزناد ما زان في النحر

وربة أحجار يروق بريقها

و لكنما الأعلاق تعرف بالصهر

يزجي إليك الناس أغلى نذورهم

و ما همك المنذور بل صاحب النذر

ترفع من تابوا فتبت عليهم

و تهلك إذ تشجى عمالقة الفجر

و قالوك سحارا تري العين ما تشا

فتذهل عرافا و تدهش ذا سر

و تسمع إن شئت الأصم الذي انتهى

أمالي قد عزت على الأذن الحشر

كأن جذور الشيء ليست جذوره

ولكنها الأعراض تطغى على الجذر


وكما تلاحظون أيها الإخوة والأخوات فإن هذه الأبيات تشتمل على إشارات معرفية بليغة جديرة بالتأمل تعبر عما إقتنصه الأديب المسيحي الأستاذ خليل فرحات من بحر المعارف العلوية، وهذا ما سنتابعه بإذن الله في حلقة مقبلة من برنامجكم (مدائح الأنوار) يأتيكم دوماً من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، شكراً لكم وفي أمان الله.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة