البث المباشر

همسات في شغاف القلب- الرياء

السبت 9 نوفمبر 2019 - 14:31 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- همساتفي شغاف القلب: الحلقة 9


الحمد لله رب العالمين وافضل الصلاة وازكاها على النبي الهادي الامين وعلى آله الهداة الكرام الميامين.
اخوتنا واعزتنا المستمعين الافاضل.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وحياكم الله في لقاء اخر وحديث حول صفة خطيرة مفسدة لاعمال المرء، ومسقطة لشخصيته تلك هي صفة الرياء.. فما هو يا ترى ذلك الرياء؟
الرياء ـ ايها الاخوة ـ هو عبارة عن اظهار وابراز شيء من الاعمال الصالحة او الصفات الحميدة، او العقائد الحقة الصحيحة لاجل الحصول على منزلة في قلوب الناس، والاشتهار بينهم بالصلاح والاستقامة والتدين بدون نية الهية صحيحة.
والرياء مشتق من الرؤية واصله طلب المنزلة باراءة الناس خصال الخير باعمال شتى منها العبادات وكل رياء شرك كما يقول الامام جعفر الصادق عليه السلام لانه لا يراد به وجه الله تبارك وتعالى خالصاً وان كان ظاهره عبادة او طاعة لله جل وعلا.. فتظهر على المرائي علامات تفضحه انه لم يكن ينوي مرضات الله عز شأنه.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "اما علامة المرائي فاربع: يحرص في العمل اذا كان عنده احد، ويكسل اذا كان وحده، ويحرص في كل امره على المحمد، ويحسن بجهده".
وقال امير المؤمنين علي عليه السلام: "للمرائي اربع علامات: يكسل اذا كان وحده، وينشط اذا كان في الناس، ويزيد في العمل اذا اثني عليه، وينقص منه اذا لم يثن عليه".
وقد جاء التنبيه من النبي صلى الله عليه وآله الا يغفل المرء فيرائي ويظن انه يحسن صنعاً.. فقال لابن مسعود:
ـ يا ابن مسعود وانت فيما بينك وبين ربك مصرٌّ على المعاصي والذنوب، يقول الله تعالى: "يعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور" (سورة غافر: ۱۹).
قد يتساءل احدنا ـ ايها الاخوة الاعزة ـ كيف النجاة من الرياء؟ والحقيقة ان الرياء مرة يكون امراً قد نقع فيه، فلابد من الحذر، ومرة نكون قد وقعنا فيه، فكيف الخلاص والعلاج منه؟ ان علماء الاخلاق يشيرون الى ناحيتين في العلاج: الاولى: علمية، بان نتصور مذمومية الرياء وسوء عاقبته، والثانية: عملية، بان نحذر من نية التظاهر ونمنع انفسنا وقلوبنا عن طلب المنزلة في قلوب الاخرين، ونصدق مع الله تعالى في نياتنا وعبادتنا، واقوالنا وافعالنا.
وهنا لابد ان نعلم جميعاً ـ ايها الاخوة الاكارم ـ ان الرياء صفة رذيلة، اذ يحاول المرء التمثيل يخادع من خلاله ربه، وفي الحقيقة انما يخدع المرء بذلك نفسه، فالله تعالى يعلم السرائر، وهو اقرب الينا من حبل الوريد، وسيحاسب كل مراء حساباً مراً.
يقول رسول الله صلى الله عليه وآله: "ان الملك ليصعد بعمل العبد مبتهجاً به فاذا صعد بحسناته يقول الله عز وجل: اجعلوها في سجين انه ليس اياي اراد به".
وقال صلى الله عليه وآله لابن مسعود يا ابن مسعود، اذا عملت من البر وانت تريد بذلك غير الله فلا ترج بذلك منه ثواباً فانه يقول: "فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً" (سور الكهف: ۱۰٥).
وقال صلى الله عليه وآله ايضاً: ان المرائي يدعى يوم القيامة باربعة اسماء: يا كافر يا فاجر يا غادر يا خاسر احبط عملك وبطل اجرك ولا خلاق لك اليوم، فالتمس اجرك ممن كنت تعمل له.
اجل.. ايها الاخوة الاحبة، تلك هي الحسرة العظمى، حيث يخيب المرء وتذهب نفسه على اعماله حسرات اذ هي هباء منثور، لم يرد بها وجه الباري تبارك وتعالى بل طلب بها الجاه والسمعة وشؤوناً اخرى من توافه الحياة الدنيا، ونسي الاخرة، وغفل ان الله سبحانه كان مطلعاً على سرائره ونواياه وخفاياه.
اذن.. كيف الخلاص.. سئل رسول الله صلى الله عليه وآله: فيما النجاة غداً؟
فقال: ان النجاة في: ان لا تخدعوا الله فيخدعكم فانه من يخادع الله يخدعه ويخلع منه الايمان، ونفسه يخدع لو يشعر، فقيل: يا رسول الله وكيف يخدع المرء الله تعالى؟ قال: يعمل بما امر الله به ثم يريد به غيره.
وقال الامام الصادق عليه السلام: يجاء بعبد يوم القيامة قد صلى فيقول: يا رب صليت ابتغاء وجهك فيقال له: بل صليت ليقال: ما احسن صلاة فلان، اذهبوا به الى النار.
فالحذر ـ ايها الاخوة ـ كل يذكر نفسه واخوته من الرياء الذي يفسد اعمالنا، ويسيء عواقبنا ويفضحنا في آخرتنا ودنيانا فما احرانا ان نتعلم الاخلاص ونحسن النية، ونتخفى في اعمال البر والاحسان وجميع عباداتنا ما امكننا.
يقول رسول الله صلى الله عليه وآله: اعظم العبادة اجراً اخفاها.
ويقول الامام علي عليه السلام: من كنوز الجنة اخفاء العمل والصبر على الرزايا وكتمان المصائب.
ويقول الامام الصادق سلام الله عليه: اذا كان يوم القيامة نظر رضوان خازن الجنة الى قوم لم يمروا به، فيقول: من انتم؟ ومن اين دخلتم؟ قال: يقولون: اياك عنا فانا قوم عبدنا الله سراً فادخلنا الله سراً.
الراوي: ان لكتاب "منازل الآخرة" قصة مهمة تكشف عن اخلاص الشيخ عباس القمي رضوان الله عليه وبعده عن الرياء فهو مؤلفه.
فعندما الَّف هذا الكتاب وطبعه، ووصل الى مدينة "قم" المقدسة، وقعت نسخة منه بيد الشيخ الخطيب عبد الرزاق.. وكان هذا الشيخ غالباً ما يبين الاحكام الشرعية كل يوم قبل صلاة الظهر، وذلك في دار حرم السيدة المعصومة "فاطمة بنت الامام موسى الكاظم عليهما السلام".
وكان والد الشيخ عباس القمي، وهو المرحوم محمد رضا، من مريدي الشيخ عبد الرزاق والمعجبين به، وكان يحضر مجلسه يومياً.
وذات يوم اخذ الشيخ عبد الرزاق يفتح كتاب "منازل الاخرة" ويقرأ منه مقاطع حول الموت وحياة البرزخ ومنازل الرحيل الى عالم الاخرة، والناس وفيهم والد الشيخ القمي "محمد رضا" كلهم خشوع وانصات وتوجه:
الشيخ عبد الرزاق: ضغطة القبر، صعبة جداً تذكرها وحدها يضيق الدنيا على الانسان، قال امير المؤمنين عليه السلام: يا عباد الله ما بعد الموت لمن لا يغفر له اشد من الموت.. القبر فاحذروا ضيقه وضنكه وظلمته وغربته، ان القبر يقول كل يوم: انا بيت الغربة انا بيت الوحشة انا بيت الدود.
القبر روضة من رياض الجنة او حفرة من حفر النار "بخشوع".
الراوي: ويخشع الحضور كله، بعد ان يستمعوا الى ما يقرأه الشيخ عبد الرزاق من كتاب "منازل الاخرة" دون ان يذكر اسم مؤلفه ويعود محمد رضا الى بيته في حال اخرى، وقد تأثر كثيراً بما سمع فنادى على ولده الشيخ عباس وهو لا يعلم انه مؤلف هذا الكتاب:
محمد رضا: يا شيخ عباس.
الشيخ القمي: لبيك يا ابه.
محمد رضا: يا ليت انك يا ولدي مثل هذا الشيخ.. الشيخ عبد الرزاق تصعد المنبر وتقرأ لنا من هذا الكتاب حول منازل الاخرة.
الشيخ عباس: ان شاء الله يا ابه، تكرم عليَّ بالدعاء لي ليوفقني الله تعالى ان اقرأ في مثل هذا الكتاب على مسامعكم الكريمة.
محمد رضا: ما زلت موفقاً مؤيداً رزقك الله ذلك.
الراوي: وكان في امكان الشيخ عباس القمي رضوان الله عليه ان يستثمر فرصة اعجاب الناس بكتابه "منازل الاخرة" فيعلن انه من تأليفاته ونتاج براعه .. الا انه آثر الاخلاص على الرياء.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة