البث المباشر

الشاعر أبوالحسن علي بن حماد العبدي البصري

السبت 28 سبتمبر 2019 - 15:27 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- نور من كربلاء: الحلقة 6

السلام عليكم أيها الإخوة والأخوات ورحمة من الله وبركات.. أزكى التحيات نهديها لكم في مطلع حلقة اليوم من هذا البرنامج، فأهلاً بكم ومرحبا.
أيها الأفاضل؛ المستفاد بوضوح من الأحاديث الشريفة أن البكاء على الحسين عليه السلام والتفاعل الوجداني الصادق مع قيم نهضته القدسية، هما أقوى وسائل إنقاذ المؤمنين من الفتن المضلة بحفظ حركتهم وسيرهم على الصراط الإلهي المستقيم والتمسك بالعروة الوثقى المنجية من كل ضلالة أي القرآن الكريم والعترة المحمدية الطاهرة كما نص على حديث الثقلين المتواتر.
والبكاء على الحسين عليه السلام يقوي ارتباط المؤمن بوارث الحسين والآخذ بثاراته قائم المحمديين إمام العصر المهدي الموعود، ويجعله بذلك في حركة مستمرة للتقرب الى الله للتمهيد لظهور بقيته وخليفته المهدي عجل الله فرجه؛ وبذلك تكون النجاة من ميتة الجاهلية.
وهذا ما يتجلى في الإشعار الحسينية لأحد كبار العلماء المحدثين رضوان الله عليه وعنه يحدثنا الأستاذ الأديب الحاج إبراهيم رفاعة قال حفظه الله تحت عنوان إشراقة شمس كربلاء:
صوت من القرن الرابع اخترقت قلبه رزية واقعة الطف وجرحته، فأوقدت أحزانه وأسالت دموع عينيه، ويبدو أن صاحب هذا الصوت شديد الإحساس، قريب الإنفعال، سريع إستجابة القلب لفجائع آل محمد.. لا سيما فجائع كربلاء.
إنه أبو الحسن علي بن حماد العبدي البصري الذي كان – الى جوار شاعريته – من حفظة أحاديث أهل البيت عليهم السلام، ومن الفياضين بالمودة لهم والمعتزين بالإنتماء إليهم وهذا مما نقرأه في قصائده المتعددة التي ما تزال مائلة حاضرة الى اليوم.
شعر ابن حماد العبدي في الإمام الحسين سلام الله عليه، وفي تعاطيه مع فاجعة عاشوراء.. تتجلى من ثناياه عدة إشراقات تلخص موقفه ونوع إستجابته القلبية للحدث الدامي الكبير المتشعشع في كربلاء.
وأبرز ما يومض في شعر هذا الشاعر من إشراقات: حزنه الشديد ولوعته المستمرة، وانجذابه الى كربلاء الحسين زيارة واستلهاماً، ونفوره من الناصبين للحسين ولأهل البيت العداء، ورجاؤه الأخروي بالفوز والفلاح، ثم انتظاره ليوم الثأر ملتحقاً بركاب الآخذ بثارات الحسين وآل الحسين صلوات الله عليهم.
أول إشراقة لإبن حماد من شمس كربلاء: توهجه بالأسى والبكاء الذي صبغ بلونه أيام حياته، وأدخله – رضوان الله عليه – في مآتم عاشورائية لا يعذر نفسه إذا تخلى عنها، إنه يرى هذه المشاركة الروحية البكائية حقاً في عنقه لآل محمد الأطهار، لن يصغي في شأنها الى لوم اللائمين:

أفي يوم عاشور ألام على البكا

ولو أن عيني من دم دمعها يجري؟!

إذا لم أقم في يوم عاشور مأتماً

ولم أندب الأطهار فيه.. فما عذري؟

سأبكيك عمري يا ابن بنت محمد

وأسعد من يبكي عليك مدى عمري


حتى في أيام الأعياد لا ينسى قلبه المتعلق بمولاه الحسين لا يدعه ينسى، وإن عيد الناس من حوله وأقاموا مجالس الأفراح، إنهم يجددون في العيد ثيابهم، وهو أيضاً يجدد، لكنه يجدد لوعته وزفرات فؤاده، فكل يوم يرى ابن حماد أنه يوم عاشوراء:

هن بالعيد – إن أردت – سوائي

أي عيد لمستباح العزاء؟!

إن في مأتمي عن العيد شغلاً

فاله عني، وخلني بشجائي

فإذا عيد الورى بسرور

كان عيدي بزفرة وبكاء

وإذا جددوا ثيابهم جد

دت ثوبي من لوعتي وضنائي


وهو حاضر الجواب لمن يستكثرون عليه هذا، ويبلغ ذروة من رهافة الحس الأخلاقي الجميل إذ يستشعر الحياء من الحسين؛ لأنه ما يزال عائشاً في الدنيا التي قتل فيها الحسين:

وقليل لو مت هماً ووجداً

لمصاب الغريب في كربلاء

أألذّ الحياة بعد قتيل الـ

طف ظلماً؟! إذن لقل حيائي!


ولعل شوق علي بن حماد هذا الى المزار الحسيني في كربلاء الشهادة فرع لهذه الأحزان الطافحة وللاعج الحنين، وهذا الشوق هو الإشراق الثاني الذي عبر عنه في عدة مواضع من شعره، نكتفي منها بقوله:

مودتكم أجر النبي محمد

عليه، فآمنا بذلك وصدقنا

فنحن مواليكم تحن قلوبنا

إليكم إذا إلف إلى إلفه حنا

نزوركم سعياً، وقل لحقكم

لو انا على أحداقنا لكم زرنا

ولو بضعت أجسادنا في هواكم

إذن لم نحل عنه بحال ولا زلنا


إن إيمان الشاعر ويقينه بنقاء خط آل محمد مما هو جلي واضح في كثير من أشعاره، ويرى أن الخير والفوز في الدنيا والنجاة في الآخرة إنما يؤتاه من اهتدى بهدى آل محمد ولامس قلبه قلوبهم، فصار يفرح لفرحهم ويحزن لحزنهم:

أنا مولاكم ابن حماد أعدد

تكم في غد ليوم جزائي

ورجائي أن لا أخيب لديكم

واعتقادي بكم بلوغ رجائي

وهو موقن كل اليقين أنه

سينال ما أمل، ويبلغ بآل محمد ما رجائي

 

سيعطي ابن حماد من الآل سؤله

ويعلوه ظل في الأنام ظليل

فآمل آل الله ينجو، وغيره

يتاه بهم عن قصده ويميل


أما المعاندون الذين اختاروا الإنزلاق الى الدرب الأسود الوعر الذي يفضي بسالكيه الى باب الجحيم.. فهم من نصبوا العداء لأحباء الله آل محمد سلام الله عليهم، وهم من يواجههم الشاعر – في إشراقه الرابع – بالبراءة والخصام، قال يخاطب أهل البيت:

وما ذنبنا عند النواصب ويلهم

سوى أننا قوم بما دنتم دنا

فإن كان هذا ذنبنا فتيقنوا

بأن عليه لا انثنينا ولا نثنى

ولما رفضنا رافضيكم ورهطهم

رفضنا وعودينا، وبالرفض نبزنا


وفي معنى قريب من هذا، قال في قصيدة عينية:

فإن عاب النواصب ذاك مني

فلا أعدمت ذَ يّاك المعابا

وإن يك حب أهل البيت ذنبي

فلست بمبتغ عنه متابا


الى جوار التفجع الباكي الذي يشيع في شعر ابن حماد.. ثمة أمل كبير يراوده بين الوقت والآخر، هو أمل ظهور صاحب الثأر الذي ادخره الله تعالى لهذه المهمة المنقذة، وهذا خامس إشراقات كربلاء في قلب علي بن حماد العبدي:

فيا غائباً في خطة القدس حاضراً

ويا ناظراً من حيث ندري ولا ندري

متى ينجز الوعد الذي قد وعدته

وتأتي به الأوقات من زاهر العصر؟

حقيق على الرحمن إنجاز وعده

وتبليغه.. حتى نرى راية النصر

لعل ابن حماد يجرد سيفه

ويقتص من أعداء سادته الغر

فإن قصرت كفي بيومي فإنني

سأقتلهم باللعن في محكم الشعر


وهكذا نلاحظ – مستمعينا الأفاضل – ومن خلال هذه الرحلة في الأشعار الحسينية للعالم الأديب والمحدث الحافظ الشيخ علي بن حماد البصري، كيف تتكامل آثار أنوار النهضة الحسينية في قلوب المؤمنين الباكين على الحسين – عليه السلام – لتجعلهم في حركة دؤوبة في السعي للتمهيد لظهور الإمام المهدي الموعود – عجل الله فرجه – وإنهاء كل ظلم وجور؛ وبهذا السعي الإيماني الدؤوب يتقربون الى الله وينجون من كل ضلالة ومن ميتة الجاهلية وهم يجسدون صدق تمسكهم بإمام زمانهم المهدي المنتظر – أرواحنا فداه -.
ختاماً تقبلوا منا جزيل الشكر لحسن متابعتكم لحلقة اليوم من برنامج (نور من كربلاء) قدمناها لكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، دمتم في رعاية الله.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة