البث المباشر

قيمة وأهمية كتاب نهج البلاغة

الثلاثاء 24 سبتمبر 2019 - 13:16 بتوقيت طهران

إذاعة طهران - على خطى النهج: الحلقة 1

أحبّتنا المستمعين الأفاضل في كلّ مكان!
سلام من الله عليكم ورحمة منه وبركات ، وكلّ المراحب بكم.
يسرّنا أن نلتقيكم عبر هذا البرنامج الجديد الذي يقدّمه لكم قسم الثقافة والأدب والفن في إذاعة طهران ، صوت الجمهورية الإسلامية في إيران ، والذي يتوفّر علي دراسة واستعراض الجوانب الأدبيّة والبلاغية والفنية من كتاب نهج البلاغة من خلال الاستعانة بالأساتذة والخبراء في هذا المجال ، راجين أن يحظي بإعجابكم وحسن متابعتكم ، حيث سنبدأ المحطّة الأولي من هذا البرنامج بتسليط الضوء علي نهج البلاغة وأهميته ومكانته علي مرّ العصور ، ندعوكم لمرافقتنا ...
لاشك - إخوتنا المستمعين - في أن نهج البلاغة بخطبه ووصاياه وعهوده وكتبه وكلماته القصار وحكمه هو الآية الكبري بعد القرآن والأحاديث النبويّة للبلاغة وجمال التصوير والبراعة في البيان وقوّة التأثير في نفس المتلقّي وذهنه ، بل إن البعض من علماء البلاغة ، والمتبصّرين في دقائقها وأسرارها تجاوز ذلك في جوّ من الدهشة والانبهار أُخِذ به فأعلن قائلاً إن كلامه عليه السلام دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوق ؛ فهو البحر الزاخر من الأدب والبلاغة ، وهو الجامع الذي لم يكد يغفل جانباً من جوانب الحياة الدينية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية ، كلّ ذلك عرضه لنا بأسلوب يطغي عليه الجانب الأدبي والبلاغي المُعجِز ولذلك لم يجد جامعه الشريف الرضيّ رحمه الله بدّاً من تسميته نهج البلاغة فهو النهج الذي يسير علي خطاه كل أديب وبليغ وخطيب علي مرّ العصور ، وهو البحر الخضمّ الذي لاتنتهي عجائبه ، ولا قرار للجّته ، ولا سواحل لامتداداته ....
وهكذا فإن هنالك علاقة مشتركة بين الدلالة الجمالية من جهة وبين نهج البلاغة من جهة أخري ، وهذه العلاقة لايمكن أن يتجاوزها كل من كان له أدني معرفة بخفايا الكلام وأسراره ومكنوناته الجماليّة ؛ فالجمال مودَع في رحاب هذا الكون العجيب المدهش ، متدفّق في مظاهره المختلفة من أنواع الخلق الإلهي ، ولايتسنّي لنا استنطاقه إلا بقدرة فريدة علي الوصف البديع لا تتأتّي إلّا لأفراد قلائل قادرين علي إدراك وتذوّق مواطن الجمال تلك أولاً ثم التعبير عنها بأسلوب بيانيّ مبدع ثانياً .
ومن هنا كان نهج البلاغة بمثابة التصوير والتجسيد لكل تلك المعالم ، حيث أبرز كلَّ ما في هذا الكون بلمسات بيانية تطفو علي سطح من الإبداع والتصوير الفني المتقن بدءاً من وصف الجمال المطلق وما يرتبط به من توحيد وتنزيه وعبودية وانتهاءً بأكرم خلقه في هذا الكون دون أن يغفل الإحاطة بعلوم الطبيعة وعالم الغيب بتجلّياته المختلفة ، كلّ ذلك تمّ تصويره في النهج بتراكيب لها دلالاتها بعمق المقصد وإيضاح المطلب المنسجم كلّ الانسجام مع المعني المصوّر .
أحبّتنا المستمعين الأفاضل!
إكمالاً لهذا الموضوع الصعب المستصعب الذي اخترناه لهذا البرنامج ، وإيفاءً لحقّه من البحث والدراسة ، فسوف ندأب اعتباراً من هذا اللقاء علي استضافة مجموعة من الخبراء الذين سيسهمون مشكورين في إغناء هذا الموضوع ألا وهو تسليط الضوء علي الجوانب الجمالية والفنية والبلاغية في نهج البلاغة ، وسنبدأ الحلقة الأولي من برنامجكم علي خطي النهج باستضافة الشيخ حاتم ابو دية علي الهاتف ، نرحّب بكم كلّ الترحيب ضيفنا الكريم شاكرين لكم مشاركتكم هذه في البرنامج ، راجين منكم أن تحدّثونا :
۱- حول كتاب نهج البلاغة وقيمته وأهميته ومكانته من الناحيتين التاريخية والأدبية .
۲- نظرة عامة علي الموضوعات والمضامين التي تناولها أمير المؤمنين عليه السلام بأسلوبه البياني المبهر في نهج البلاغة .
ابودية:بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على صفوة الخلق محمد وآله الهداة المهديين الميامين.
لاشك أن هذا الكتاب العظيم، كتاب نهج البلاغة كتاب جليل القدر فيه من الوصايا والرسائل والكلمات التي وجهها امير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام الذي إمتاز بصفات لم يمتاز بها أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بمكانته وصفاته الكمالية التي إمتاز بها استطاع أن يقدم للأمة وللعالم أجمع ولكل انسان في هذه الأرض ارث عظيم، هو ما سمي وما سماه السيد الشريف الرضي رضوان الله تعالى عليه بكتاب نهج البلاغة. هذا الكتاب الذي عرف من خلال قوة بيانه والذي استطاع امير المؤمنين عليه السلام أن يبرز بها ذلك النفح اللهي والالهام القدسي والذي استطاع من خلاله أن يقدم وجوه البيان فوق مستوى المخلوقين ودون مستوى الخالق. وكلام امير المؤمنين عليه السلام والذي عرف بأعنة الكلام وأسمى المعاني وأكرمها. وكان له أشرف المواقف والخطب الرائعة والرسائل الجامعة والوصايا والنافعة والكلمات الطيبة النيرة المنيرة التي استطاع أن يتركها بالخير للعالم والناس الى يوم القيامة. لاشك أن هذا الكتاب الذي حاول العلماء والدارسون أن يشرحوه ويقدموا تبياناً لكلماته ومقاصده. قال المسعودي والذي حفظ الناس عنه من خطبه أربعمئة خطبة ونيف، كما أوردها الكثير من العلماء وذكروها، كانت كلمات امير المؤمنين عليه السلام محفوظة في الصدور مروية على الألسن حتى كان عصر التدوين والتأليف فإنتثرت خطب ورسائل امير المؤمنين في كتب التاريخ وكتب السير والمغازي والمحاضرات والأدب على الخصوص. وكذلك انتشرت كلمات امير المؤمنين ومأثور حكمه ووضع في الكثير من الأبواب وحاول الكثير من الكتاب والعلماء والعظماء عبر التاريخ أن يذكروه وأن يحفظوه.
المحاورة:وعن نظرة عامة عن الموضوعات والمضامين التي تناولها امير المؤمنين علي عليه السلام في نهج البلاغة قال سماحة الشيخ حاتم ابو دية حول هذا الموضوع:
ابودية:لعل أغراض نهج البلاغة اذا تفحصنا ودقننا فيما جمعه وقسمه السيد الشريف الرضي بطريقة منظمة نرى أنه اولاً يذكر ما وراء الطبيعة، في ذكر صفات الله، في ذكر ذات الله سبحانه وتعالى، في أسماءه الحسنى، في القرآن الكريم. وقسم ايضاً في الماورائيات في عالم الملائكة، رأي القرآن في الملائكة، كيف هم الملائكة. قسم الرسل والأنبياء والإخبار عما سيكون في أحداث سياسية وما سيأتي على الأمم وما سيحل بالبشرية جمعاء. لذا نلاحظ أن هناك أقسام، اذا أردنا أن نختصر لأن الوقت لايسمح أن نذكر كلما ذكر وإنما نلاحظ أنه بوب في أبواب مثلاً الايمانيات، الرسائل، الوصايا، الحكم والمواعظ، ماحصل في زمن امير المؤمنين سلام الله عليه. ولعل أفضل شرح من الشروح التي يمكن أن نعود اليها لنلخص كل ما ذكره امير المؤمنين عليه السلام هو ما ألفه عزالدين أبو حامد بن هبة الله بن محمد بن محمد بن الحسين بن أبي الحديد المدائني الذي كان هو أحد جهالبة العلماء والمؤرخين وكان له نجم قوي في العصر العباسي واستطاع أن يجلي العصور الاسلامية في انتاج وتأليف في الكثير من الكتب وكان من اهم ما كتبه هو شرح نهج البلاغة. فهذا الكتاب العظيم نقول إنه جامع اكثير من الأمور التي يحتاج اليها الانسان، من حيث المواعظ والارشادات، يوم القيامة وماسيحصل، الرسائل والخطب، الأوامر، الكتب، الحكم والمواعظ التي استطاع امير المؤمنين عليه السلام من خلال مواعظه القصيرة أن يوصل الكثير من الحكم والأمور التي يحتاجها الانسان في سير حياته أن يرى حقيقة هذه الدنيا وما بعد هذه الدنيا وكيف يمكن له أن يصل الى الكمال الانساني في حياته فضلاً عن تحصيل السعادة في الدارين، في الدنيا والآخرة.
المحاورة:كل الشكر والتقدير نقدمه لضيفنا فضيلة الشيخ حسن ابو دية الباحث الاسلامي من لندن على المعلومات التي تفضل بها وندعوكم للعودة الى حديثنا التمهيدي حول اهمية نهج البلاغة ومكانته وخلوده على مر الزمان.
مستمعينا الأحبّة ، كلّ الشكر والتقدير نقدّمه لضيفنا علي الهاتف الشيخ حاتم ابو دية علي المعلومات القيّمة التي تفضّل بها ، والآن نعود بكم إلي حديثنا التمهيدي حول أهميّة نهج البلاغة ومكانته وسرّخلوده علي مرّ الزمان،تابعونا ...
إخوتنا ، أخواتنا المستعين والمستمعات !
وهكذا فقد توفّرت في نهج البلاغة كل عوامل التعبير الفنّي الجميل ، والتصوير البلاغي المقتدر ، والإحاطة بأسرار البيان حتي وصفه أرباب البيان - كما قلنا - بأنه فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق ، فلقد ضمّ وجمع مظاهر الجمال في العربية في الماضي والمستقبل، وعليه فلا بدّ من أن يكون محمّلاً بخصائص فريدة تبعث علي التفكير في مزاياها الجمالية باختلاف التنوّع الخطابي من خطب ورسائل ووصايا وحكم وما فيه من مشاهد وصور ترتبط بما يجول في نفس المتكلّم وما يطفح علي لسانه ، فنهج البلاغة مرآة لصاحبه وقد تمثّل فيه الجمال والأسلوب والمزج بين الفكرة والعاطفة والخيال إلي الحد الذي بهر فيه أصحاب الذوق وأمراء البيان .
وكلّ ذلك ليس ببعيد عن الإمام علي (ع) الذي كان يتمتع بهاجس جمالي من نوع خاص هو مزيج من نهج القرآن والتأثّر ببلاغة الرسول (ص) ، ومن بينهما كانت صورة الإمام الآسرة المتفرّدة في حكمها وأخلاقها وموسيقاها تحتلّ مساحة واسعة في التنقّل بين التصوير والمشاهد المراد وصفها من الطبيعة بما فيها من جمال وإبداع في الخلق إلي وصف الآخرة بنعيمها وعذابها ومراحل الوصول إليها إلي رسم مخلوقات الله و عبوديّتها المطلقة من الملائكة وعباد الله الصالحين وصولاً إلي مفردات كثيرة ذات علاقة وطيدة بهذا الخلق المعجز في التدبير والإتقان كالسماء والنجوم والأرض والإنسان والحيوان وغير ذلك كما يصوّر لنا ذلك الإمام نفسه في قوله في خلق السماوات :
" فَمِنْ شَوَاهِدِ خَلْقِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ مُوَطَّدَاتٍ بِلَا عَمَدٍ قَائِمَاتٍ بِلَا سَنَدٍ دَعَاهُنَّ فَأَجَبْنَ طَائِعَاتٍ مُذْعِنَاتٍ غَيْرَ مُتَلَكِّئَاتٍ وَلَا مُبْطِئَاتٍ وَلَوْ لَا إِقْرَارُهُنَّ لَهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ وَإِذْعَانُهُنَّ بِالطَّوَاعِيَةِ لَمَا جَعَلَهُنَّ مَوْضِعاً لِعَرْشِهِ وَلَا مَسْكَناً لِمَلَائِكَتِهِ وَلَا مَصْعَداً لِلْكَلِمِ الطَّيِّبِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ مِنْ خَلْقِهِ جَعَلَ نُجُومَهَا أَعْلَاماً يَسْتَدِلُّ بِهَا الْحَيْرَانُ فِي مُخْتَلِفِ فِجَاجِ الْأَقْطَارِ لَمْ يَمْنَعْ ضَوْءَ نُورِهَا ادْلِهْمَامُ سُجُفِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ وَلَا اسْتَطَاعَتْ جَلَابِيبُ سَوَادِ الْحَنَادِسِ أَنْ تَرُدَّ مَا شَاعَ فِي السَّمَاوَاتِ مِنْ تَلَأْلُؤِ نُورِ الْقَمَرِ...
مستمعينا الأكارم!
حديثنا التمهيدي حول آية الفصاحة والبلاغة علي مرّ الدهور نهج البلاغة سيتواصل في لقائنا القادم بإذن الله ، حتي ذلك الحين نستودعكم الله شاكرين لكم طيب المتابعة .

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة