البث المباشر

مختارات من كتاب "أدب الكاتب"

الأحد 22 سبتمبر 2019 - 14:56 بتوقيت طهران
مختارات من كتاب "أدب الكاتب"

اذاعة طهران - برنامج : عبارات و اشارات - فقرة : مختارات من كتاب "أدب الكاتب"

 

يمضي ابن قتيبة الدينوري في رائعته ادب الكاتب في استقصاء واستقراء مواطن بلاغة، وجمال، وتشعب اللغة العربية محاولاً ان يزود الكتّاب بثروة لغوية يستطيعون معها ان يحسنوا اساليبهم، ويتجنبوا الاخطاء الشائعة، والاستعمالات المغلوطة.
فيقول في معرض حديثه عن الاوقات والتسميات الصحيحة لها:
(يقال: مضى هزيع من الليل، وهُدْءٌ من الليل، وذلك من اوّله الى آخره، وجَوْز الليل: وسطه، والبُلْجَةُ: آخرهُ وهي مع السحور، والسُّدْفَةُ مع الفجر، والخيط الابيض: بياض النهار، والخيط الاسوط: سواد الليل، والضحى: من حين تطلع الشمس الى ارتفاع النهار وبعد ذلك الضّحاء الى وقت الزوال...).
ويذكر ابن قتيبة بعد ذلك ان الهاجرة من الزوال الى قرب العصر، وما بعد ذلك فهو الاصيل، ثم الطّفْلُ والجُنُوح: اذا جنحت الشمس للمغيب، وهما شفقان: الاحمر، والابيض، فالاحمر: من لدن غروب الشمس الى وقت صلاة العشاء ثم يغيب ويبقى الابيض الى نصف الليل.
وحول التقسيمات الزمنية يقول ابن قتيبة ان الحقب هي السنون، الواحدة: حِقْبة: والحُقُب: الدهر وجمعه احقاب، والقَرْنُ يقال هو ثمانون سنة، ويقال: ثلاثون.
وفي باب ما يعرف واحده ويشكل جمعه يذكر صاحب كتاب ادب الكاتب امثلة ذلك منها: الدُّخان وجمعه دواخن، وامرأة نُفَساءُ وجمعها نفائس، على حين ان جمع رؤيا رؤى، ودنيا دُنىً، والكَرَوان جمعها كِرْوان، والمرآةُ جمعها مَراءٍ، والحِدَأةُ الطائر جمعها حِدَأٌ وحِدْآن.
وعلى العكس من ذلك، يذكر الدينوري جموعاً تخطئ عامة الناس عادة في افرادها منها أفواه الازقة والانهار واحدها فُوَّهة، والغرانيق طير الماء واحدها: غُرْنَيْقٌ، واذا وُصِفَ بها الرجال فواحدهم غُرنوق وغِرْنوق، وفرادى جمع فرد، وآونة جمع أوانٍ، وفلان من علّية الرجال واحدهم عَليُّ مثل صبيّ وصبية، والشمائل واحدها شمال بدليل قول الشاعر:

ألم تَعْلَما انّ الملامة نَفْعها

قليل، وما لومي اخي من شِمَالِيا

ومن المواضيع الطريفة الدقيقة التي يلجها ابن قتيبة في كتابه موضوع الفروق في تسميات اولاد الحيوانات المختلفة، وكيف ان لكل ولد تسميته الخاصة في اللغة العربية الامر الذي يدلل على دقتها وتشعبها، وضرورة ان يحيط الكاتب بها لكي يرتفع بمستوى جودة كتابته.
ويقرر مؤلف الكتاب في هذا المجال ان ولد كلّ سبع جَرْوٌ، وولد كل ذي ريش فَرْخ، وولد كل وحشيّة: طفل، ثم يفصّل فيقول:
(ثمّ وَلَدُ الفرس مُهْرٌ وفَلُوٌّ، وولد الحمار: جَحْش، وتَوْلَبٌ، وولد البقرة: عجل، وولد الضائنة حين تضعه امّه ذكراً كان او انثى سَخْلة وجمعه سِخالٌ، فاذا بلغ اربعة اشهر وفُصِلَ عن امّه فهو حَمَلٌ، وخروف، وولد الناقة في اول النتاج: رُبَع، وفي آخر النتاج: هُبَع...).
ومن جملة التسميات الاخرى التي ذكرها ابن قتيبة لصغار الحيوانات، الشِبْل: ولد الاسد، والفُرْعُلُ: ولد الضبع فان كان من الذئب فهو: سِمْعٌ، وولد الدُّبّ: الدَّيْسَمٌ، وولد الثعلب: الِجْرِس، والفيل: دَغْفل، وولد الارنب: خِرْنِق.
ويزيدنا المؤلف ابوابا اخرى طريفة في باب التسميات الخاصة بالاشياء والافعال لانملك ازاءها الا الاذعان بفصاحة، وبلاغة العربية وسرّ اختيار الباري عزوجل لها لغة لوحيه الكريم، ففي باب الفروق بين الاصوات نلحظ جمهوة هائلة من المفردات والمصطلحات نختار لكم منها –اعزتنا المستمعين- الطائفة التالية:
الجَرْسُ: صوت حركة الانسان، والرّكْزُ: الصوت الخفيّ، ونحو ذلك: الهمس، والخرير: صوت الماء، والوَسْواس: صوت الحُليّ، والشّخير من الفم، والنّخير من المِنْخَرين، والكرير من الصدر، قال الاعشى:

فنفسي فِداؤك يوم النّزال

اذا كان دعوى الرجال الكريرا

ويقال للفرس: يَصْهِل، ويُحمحِم: اذا طلب العلف، والحمار يسحِلُ وينهق، والجمل يرغو او يَهْدِر، والثور يخور ويجأر، والثعلب يَضْبَح، والافعى تَفُحُّ بفيها، وتكِشُ بجلدها قال الشاعر:

كَشِيشُ افعى اجمعت لعضّ

فهي تَحُكُّ بعضها ببعض

ومن اصوات الطيور التي يذكرها ابن قتيبة في هذا الباب صوت النّسر وهو الصفير، والحمام وهو الهدير والهديل، والصّأْي للفرخ، والنّق للفراريج، والعِرار للنعام، والزَّقْو للديك، والنّغق للغراب وكذلك النّعْب.
ويفرد صاحب ادب الكاتب باباً خاصاً اطلق عليه عنوان (تسمية المتضادين باسم واحد)، وهو باب طريف من ابواب اللغة العربية اختصت به، وتميزت من خلاله عن سائر اللغات.
ومن هذه المتضادات التي يذكرها ابن قتيبة (الجَوْن) ويطلق على كل من الابيض والاسود، والصّريم لليل والصّبح، والسُّدْفة للظلمة والضوء، والجَلَل للشيء الصغير والكبير، والنّاهل للعطشان والريّان، والصّارخ: اي المستغيث، والمُغيث، والهاجد: المصلّي بالليل، وهو النائم ايضاً، والتّلْعة: مجرى الماء من اعلى الوادي، وهي ايضاً ما انهبط من الارض.
ومن هذه الكلمات الظنّ يطلق لليقين والشك، والاهماد: السرعة في السير، وهو الاقامة، ووراء تكون قدّاماً، وتكون خَلْفاً، قال تعالى: «وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصباً» (الكهف، 79)، وكذلك (فوق) تكون بمعنى دون، قال الله عزوجل: «ان الله لا يستحيي ان يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها» (البقرة، 26) اي: فما دونها، واسررت الشيء: اخفيته واعلنته، وبعت الشيء، بعته واشتريته، وشريت الشيء: اشتريته وبعته.
ويورد لنا ابن قتيبة بعد ذلك طائفة من نوادر الكلام التي يخطئ في استعمالها عامة الناس عادة من باب الفرق بين (التفريط) و(التأبين) حيث ان الاول هو مدح الرجل حيّاً، والثاني مدحه ميْتاً، وتقول غضبت لفلان اذا كان حيّاً، وغضبت به اذا كان ميّتاً.
وتقول: دوّم الطائر في الهواء: اذا حلّق واستدار في طيرانه، ودوّى السّبع في الارض: اذا ذهب.
وكل شيء من قبل الزوج مثل الاخ والاب فهم الاحْماء واحدهم حَمَى، وحماة المرأة أمّ زوجها، وكل شيء من قبل المرأة فهم الاختان، والصّهر يجمع هذا كله.
وبات فلان يفعل كذا: اذا فعله ليلاً، وظلّ يفعل كذا: اذا فعله نهاراً، ولا يقال: راكب الاّ لراكب البعير خاصة، ويقال: فارسٌ، وحمّار، وبغّال، ويقال: بَرَك البعير، وربضت الشاة، وجثم الطائر، وهذه مَبارِك الابل، ومَرابِض الغنم.
نكتفي بهذا القدر من تجوالنا في رحاب تحفة الادب والبلاغة ادب الكاتب لابن قتيبة الدينوري.

*******

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة