لا زلنا مع الدعاء الذي يقرأ في زمان الغيبة (غيبة امام العصر(ع)) حيث وصلنا في لقائنا السابق الى فقرات تتحدث عن نهينا عن الاسئلة المتصلة بتحديد زمان ظهوره(ع)، معللة ذلك بالقول (حتى لا احبَّ تعجيل ما أخرّت، ولا تأخير ما عجلت، ولا كشف ما سترت، ولا اقول لم وكيف وبال ولي الأمر لا يظهر وقد امتلأت الارض من الجور، وافوض اموري كلها اليك)...
هذا المقطع من الدعاء حدثناك عنه في لقاءات سابقة، واعدناه عليك لكي نربط بين حالة نفسية يحياها المنتظر وبين ما تتطلبه المصلحة الالهية حيث ان الحالة النفسية لقارئ الدعاء وهو يرى الدنيا قد امتلأت بالانحرافات المتنوعة في ميدان التعامل مع الجاه والمال والجنس، والعدوان على الآخرين، هذه الحالة قد تصبح لها مسوغاتها في حالة ما اذا لم يأمرنا الله تعالى بالصبر على ذلك، وعدم التساؤل عن الاسباب والظروف والنتائج، ولكن مع الامر بالصبر فحينئذ يحتم علينا الموقف ممارسة وظيفتنا بالنحو الذي ترسمه السماء لنا، وهذا ما تتكفل به المقاطع اللاحقة من الدعاء.
يقول المقطع الجديد من الدعاء (اللهم اني اسألك ان تريني وليَّ امرك ظاهراً نافذ الأمر مع علمي بان لك السلطان والقدرة والرهان والحجة والمشية والحول والقوة فافعل ذلك بي وبجميع المؤمنين حتى ننظر الى ولي امرك صلواتك عليه، ظاهر المقالة ...).
من الواضح ان هذا المقطع وما بعده من مقاطع الدعاء يتحدث عن وظائفنا نحن المنتظرين لامام العصر(ع) حيث ترسم لنا مبادئ محددة في ميدان المعرفة العقائدية بالنسبة الى التعامل مع الله تعالى وصلته بمتطلبات الظهور ... والمهم الآن هو ملاحظة هذه المبادئ ومنها قول الدعاء (اسألك ان تريني ولي امرك ظاهر نافذ الأمر، مع علمي بان لك السلطان ...)، ترى ما هو المقصود من فقرة "تريني ولي امرك ظاهر نافذ الامر"؟ اذا دققنا النظر بعمق لمعرفة معنى الولي ومعرفة معنى الأمر حينئذ نستطيع ان نتبين جانباً من الاسرار الكامنة وراء العبارة المتقدمة.
اما بالنسبة الى الولي فأمر لعله يرتبط بتوليه وادارة وتدبير الشأن سياسياً كان او اجتماعياً، واما بالنسبة الى الامر فيعني الشأن المذكور أي الممارسة السياسية او الاجتماعية او مطلق ما يرتبط بوظيفة الامام(ع) من حيث كونه يتولى ادارة المجتمعات الدولية عند ظهوره(ع)... بيد ان السؤال الاشد اهمية هو: ماذا نستخلص من فقرة الدعاء التي نتوسل فيها بالله تعالى بان (يرينا ولي امره ظاهراً نافذ الأمر)؟ أي: ما معنى ان نسأله تعالى بان يرينا ولي امره ظاهراً نافذ الامر؟ الم يمنعنا الدعاء قبل فقرات بان نصبر على مجهولية زمن الظهور وان نفوض امورنا الى الله تعالى؟
اذن ما معنى ان يرينا ولي امره ظاهراً نافذ الامر؟ في تصورنا ان المقصود من ذلك قد يكون هو ان يرينا الله تعالى فلسفة ظهوره، وليس تحديد زمان ذلك، او فلسفة تأخيره او تعجيله... ومن الواضح ان ثمة فروقاً بين معرفتنا بفلسفة الظهور أي ما يترتب عليه من الاصلاح وبين معرفتنا بالزمان والمكان وبايهما من الامور المرتبطة بما يراه الله تعالى من المصلحة في ذلك أي في جعله مستوراً لا سبيل الى معرفة اسراره.
من هنا فان معرفة فلسفة الظهور تظل هي الجوهر عبر تطلعنا الى ظهور الامام(ع) لانها ترتبط كما هو واضح بوظائفنا نحن المنتظرين لذلك، بصفة اننا مدعون للمشاركة في المعركة التي يديرها الامام(ع) ضد الانحراف.
اذن تبين لنا جانب من السر الكامن وراء الامر بمعرفة فلسفة الظهور، والنهي عن معرفة زمانه والاهم من ذلك هو ان نوفق نحن المنتظرين للظهور الى ممارسة وظيفتنا بالنحو المطلوب حيث نسأله تعالى ان يوفقنا الى ذلك انه ولي التوفيق.
*******