البث المباشر

خمريات إبن الفارض

الأحد 21 يوليو 2019 - 11:45 بتوقيت طهران

خبير البرنامج: الدكتور سعد الشحمان
المحاورة: بسم الله الرحمن الرحيم وبه تبارك وتعالى نستعين مستمعينا مستمعاتنا في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته يسرنا أن نلتقيكم من جديد على ضفاف عيون الشعر العربي عبر رائعة اخرى من روائع هذا الشعر حيث سنلتقيكم في حلقة هذا الأسبوع عند رائعة سلطان العاشقين شرف الدين إبن الفارض وقصيدته الخالدة التي إستهلها بقوله:

شربنا على ذكرِ الحبيبِ مدامة ً

سَكِرْنا بها، من قبلِ أن يُخلق الكَرمُ

فأهلاً ومرحباً بكم احبتنا المستمعين آماين أن تقضوا معنا دقائق مفعمة بكل ماهو مفيد وممتع.
المحاورة: مستمعينا الأفاضل معنا في حلقة هذا الأسبوع ضيف البرنامج الأستاذ الدكتور سعد الشحمان أهلاً ومرحباً بك دكتور
الشحمان: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلاً ومرحباً بكم في هذا اللقاء الذي يجمعنا معكم في هذه الحلقة.
المحاورة: دكتور نعيش في هذه الحلقة لدقائق طبعاً أجواء التصوّف والعرفان والحب الإلهي عبر التطواف في أرجاء قصيدة الشاعر الصوفي الكبير عمر بن الفارض الخمرية فنرجو منكم أن تصحبونا في جولة سريعة عبر أرجاء هذه القصيدة
الشحمان: بسم الله الرحمن الرحيم هذه القصيدة التي تعتبر من روائع الأدب العربي في مجال التصوّف والمسماة بالخمرية وتعرف ايضاً بالقصيدة الميمية والتي تكتسب أهميتها من كون إبن الفارض وضع الألف بائية الأولى للتصوّف في هذه القصيدة التي تركت تأثيراً كبيراً على شعراء التصوّف من بعد إبن الفارض في كل من الأدب العربي والأدب الفارسي وتعتبر هذه القصيدة سبباً لبناء الأدب العربي في مجال الأدب الرمزي الصوفي. تشتمل هذه القصيدة على واحد وأربعين بيتاً وتعتبر من اهم آثار هذا الشاعر الذي عاش في نهاية العصر العباسي. إبن الفارض تحدث فيها بلغة رمزية حول تجاربه الصوفية وفي الحقيقة عبّر إبن الفارض في قصيدته هذه الخمرية عن الحب الإلهي رامزاً الى هذا الحب بالمدامة والمدامة هو إسم من أسماء الخمرة والمراد هنا طبعاً الخمرة العرفانية كما يشير الى ذلك إبن الفارض إعتباراً من البيت الأول من القصيدة حيث يقول:

شربنا على ذكرِ الحبيبِ مدامة ً

سَكِرْنا بها، من قبلِ أن يُخلق الكَرمُ

المراد من الكرم هنا هو العنب والمراد من الخمرة التي يشير اليها إبن الفارض في هذه القصيدة كما يقول الذين شرحوا هذه القصيدة هو تحقق صفة المحبة في عالم الأرواح والمراد من السكر الذي أشار اليه هو الحيرة التي تصيب الأرواح الكمن أي الأرواح الكامنة عند مشاهدة جمال الحق وجلاله. وبسبب التشابه القائم بين المعرفة وبين المحبة والعشق الإلهي والفناء في الله مع شراب الخمر الذي عبر عنه الشاعر بالمدامة وبين حالة السكر فقد إستخدم الشاعر هذه الألفاظ لبيان مقصوده وغرضه من هذه الخمرة لذلك عبر إبن الفارض في هذه القصيدة عن المحبة الإلهية بالمدامة وسميت الخمرة بالمدامة لأن شاربها يديم عليها عندما يشربها يدمن على شرابها لذلك سميت بالمدامة ونسب اليها الكثير الكثير من الصفات ومن الفضائل، هذه الخمرة الإلهية نسب اليها صفات من مثل الصفاء والشفافية والنورانية والرائحة الطيبة والخفاء والتصاعد والقدم، هذه خصائص شراب المحبة الإلهية التي يريدها إبن الفارض كما نلاحظ ذلك في هذه الأبيات، يقول:

ولولا شذاها ما اهتديتُ لحانها

ولو لا سناها ما تصوَّرها الوهمُ

فإنْ ذكرتْ في الحيِّ أصبحَ أهلهُ

نشاوى ولا عارٌ عليهمْ ولا إثمُ

ولو نَضَحوا مِنها ثَرى قَبْرِ مَيتٍ،

لعادَتْ إليهِ الرُّوحُ، وانْتَعَشَ الجسْمُ


كأنه يريد أن يقول إن ذكر الله يحيي القلوب الميتة

ولو طرحوا في فئِ حائطِ كرمها

عليلاً وقدْ أشفى لفارقهُ السُّقمُ


ولو طرحوا في فيء حائط كرمها عليلاً وقد أشفى لفارقه السقم

ولوْ قرَّبوا منْ حلها مقعداً مشى

هنا ينسب بعض المعاجز التي نسبت الى السيد المسيح عليه السلام الى شراب المحبة الإلهية يقول:

ولوْ قرَّبوا منْ حلها مقعداً مشى

وتنطقُ منْ ذكري مذاقتها البكمُ

ولوْ عبقتْ في الشَّرقِ أنفاسُ طيبها

وفي الغربِ مزكومٌ لعادَ لهُ الشَّمُّ


المحاورة: نعم دكتور لو تسمحون نكمل الحديث معكم ولكن بعد الفقرة التالية التي سنسلط الضوء فيها على جنبات من حياة الشاعر
الشحمان: إن شاء الله
المحاورة: مستمعينا الكرام نعود اليكم بعد فاصل قصير رافقونا
المحاورة: أيها الأخوة والأخوات إبن الفارض هو عمر بن علي الحموي الأصل المصري المولد والإقامة والوفاة الملقب بشرف الدين بن الفارض شاعر صوفي لقب بسلطان العاشقين ولد حوالي في منتصف القرن السادس الهجري وتوفي بعد نهاية الربع الأول من القرن السابع الهجري. عرف بإن الفارض وإشتهر بهذا اللقب لأن والده كان يثبت فروض النساء على الرجال بين يدي الحكام فلقب بالفارض. سلك إبن الفارض طريق التصوّف وجعل يأوي الى المساجد المهجورة وأطراف جبل المقطم في وادي كما يعرف بوادي المستضعفين، يختلف اليه المتجردون المحبون العزلى وحب إبن الفارض التردد على ذلك الوادي والإختلاء فيه فزهد ونجرد ولزم السياحة الروحية وسلوك طريق الحقيقة ولكن مسيرته هذه ما لبثت أن تغيرت حين قيض له رجل من الأتقياء أشار اليه بأن يشد الرحال الى مكة فقصدها وأقام فيها نحو خمسة عشر عاماً أكثر فيها من العزلة في وادي بعيد عن مكة. وهنالك بين المناسك المقدسة نضجت شاعريته وإكتملت مواهبه الروحية وفتحت عليه كما يقول أهم التصوّف.
المحاورة: بعد تلك اللمحات التي قدمناها لكم عن حياة الشاعر إبن الفارض نعود الان الى ضيف البرنامج الدكتور سعد الشحمان، اهلاً وسهلاً بكم مجدداً دكتور
الشحمان: اهلاً ومرحباً بكم
المحاورة: نعم نرجو منكم خلال الدقائق القليلة المتبقية من الوقت المخصص لحديثكم لأن تتفضلوا لإكمال جولتكم بين أبيات القصيدة.
الشحمان: يستمر الشاعر إبن الفارض في أبيات رائعة وتحمل صوراً أدبية وفنية رائعة نظمها الشاعر إبن الفارض بإسلوبه المعروف، الأسلوب الذي يجمع بين العذوبة والحلاوة وبين الفصاحة والجزالة. يستمر في إسناد سيل من الصفات والفضائل الى الخمرة الإلهية التي تحدث عنها وأشار اليها بالمدامة في البيت الأول من شعره، من ضمن هذه الفضائل التي ينسبها إبن الفارض الى الخمرة يقول:

ولوْ خضبتْ منْ كأسها كفُّ لامسٍ

لما ضلَّ في ليلٍ وفي يدهِ النَّجمُ


يعني لو تبللت من لمسها كف لامس وأن هذه الخمرة من صفاتها إحتواءها على النور والشفافية الإشراق فكأنها تضيء الطريق في الليل المظلم لمن يبغي الوصول الى هدفه. ويقول:

ولوْ جليتْ سرَّاً على أكمهٍ غداً

بصيراً ومنْ راو وقها تسمعُ الصُّمُّ


هنا ينسب بعض المعجزات الى سر هذه الخمرة يعني الى محبة الله سبحانه وتعالى وتأثيرها في القلوب. والأكمة هو الشخص الذي يولد أعمى من الولادة. والراووق هو المصفاة التي يستعملونها في إستخراج الخمرة، يقول صوت قطرات هذا الراووق يسمعه الصم.

ولو أنّ ركْباً يَمّمَوا تُرْبَ أرْضِها،

وفي الرَّكبِ ملسوعٌ لماضرَّهُ السمُّ


ولو أن قافلة قصدت التراب الذي يزرع فيه الكرم الذي تستخرج منه هذه الخمرة، واذا كان في هذا الركب شخص ملسوع بالعقرب لما أثر فيه هذا السم.

ولوْ رسمَ الرَّقي حروفَ اسمها

على جبينِ مصابٍ جنَّ أبرأهُ الرَّسمُ


يعني لو كتبت حروفها على جبين شخص مصاب بالجن فغن هذا الرسم او هذه الكتابة ستشفيه وتخرج الجن من جسمه. ويذكر بعض الآثار التهذيبية والتربوية للخمرة حين يقول:

تُهَذّبُ أخلاقَ النّدامى ، فيَهْتَدي،

بها لطريقِ العزمِ منْ لالهُ عزمُ

ويَكْرُمُ مَنْ لم يَعرِفِ الجودَ كَفُّهُ،

ويَحلُمُ، عِندَ الغيظِ، مَن لا لَهُ حِلْمُ


المحاورة: نعم شكراً جزيلاً لك دكتور نتقدم بالشكر الجزيل اليك على هذه الجولة الممتعة والمفيدة التي قمت بها في أرجاء القصيدة الخمرية لإبن الفارض.
الشحمان: وإن كانت هناك بقيت بعض الأبيات ولكن إن شاء الله نأمل أن تكون تلك الأبيات التي أوضحناها تكون كافية للتعرف على هذه القصيدة.
المحاورة: نعم شكراً لك دكتور وشكراً لكم مستمعينا الكرام لطيب متابعتكم لهذه الحلقة من برنامج سير القصائد التي قدمناها لكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران حتى الملتقى لكم أطيب المنى ودمتم في رعاية الله.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة