البث المباشر

أنشودة المطر لبدر شاكر السياب ۱

الأحد 21 يوليو 2019 - 11:43 بتوقيت طهران

خبير البرنامج: الدكتور سعد الشحمان
المحاورة: بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا الكرام في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته تحية والود والمحبة والإخاء نبعثها اليكم محملة بنفحات الشعر وعبير القصائد وشذى القوافي ونحن نلتقيكم عبر محطة اخرى من محطات استراحة الأرواح والنفوس عند واحات الشعر والأدب، ندعوكم لمتابعتنا احبتي في حلقة جديدة من برنامجكم الأسبوعي سير القصائد.
المحاورة: أيها الأحبة نحن في إنتظار ضيفنا الكريم الأستاذ الدكتور سعد الشحمان ليدلي لنا بحديثه الذي ستكون له تتمة في حلقة الأسبوع المقبل إن شاء الله حول شخصية شاعر هذه الحلقة الشاعر العراقي المعاصر بدر شاكر السياب والخصوصيات التي ميزته بقوة عن الشعراء العرب المعاصرين وإرتقت به الى قمة الإبداع في الشعر الرمزي. أهلاً ومرحباً بكم أستاذنا الفاضل وشكراً لهذا الحضور.
الشحمان: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أهلاً ومرحباً بكم وبالمستمعين الكرام
المحاورة: دكتور في حلقة هذا الأسبوع سنتحدث عن الشاعر العراقي المعاصر بدر شاكر السياب، بداية نبذة عن حياته لو سمحتم.
الشحمان: في الحقيقة بالنسبة لحياة بدر شاكر السياب الجميع يعلم انه شاعر من مدينة البصرة في العراق ولد في قرية بإسم جيكور في جنوب شرق البصرة عام ۱۹۲٦ ولم يمهله الأجل كثيراً فقد توفي عام ۱۹٦٤ ميلادية طبعاً. درس الدراسات التقليدية من الإبتدائية والثانوية في مدينته البصرة بعد ذلك شدّ الرحال الى مدينة بغداد لإكمال دراساته العليا في دار المعلمين العالية سنة ۱۹٤۳ وإلتحق بفرع اللغة العربية أولاً ثم فرع اللغة الإنجليزية او في الحقيقة الأدب الإنجليزي حيث تعرف من خلال هذه الدراسة على كبار الشعراء خاصة الشاعر الكبير اليوت. بعد هذه النبذة المختصرة عن حياته بدر شاكر السياب الذي أعتبر بحق المؤسس او الرائد الأول لما عرف فيما بعد بالشعر الحر وتوظيف الرموز الأسطورية في الشعر يمثل شخصية أسهمت عدة عوامل في تشكيلها وتقديمها لنا بالصورة التي نشاهدها في شعره. بدر شاكر السياب عاش طفولة سعيدة ولكنها كانت قصيرة حداً ولم يكتب لها أن تستمر على هذا المنوال، الأحداث المأساوية سرعان ما بدأت تعصف بحياته لتترك آثارها وبصماتها الواضحة على شخصيته وعلى شعره لتصنع منه شاعراً انسانياً من الدرجة الأولى. من هذه الأحداث التي سلبت منه سعادة الطفولة وفاة امه التي كان متعلقاً بها الى حد كبير، هذا الحدث الأول الذي هزّ كيانه وعصف بشخصيته وقد أشار الى هذه الحادثة في شعره في قصيدته التي نحن بصددها
المحاورة: أنشودة المطر
الشحمان: أنشودة المطر عندما يقول:

تثائب المساء والغيوم ما تزال

تسح ما تسح من دموعها الثقال

كأن طفلاً بات يهذي قبل أن ينام

بأن أمه التي أفاق منذ عام

فلم يجدها ثم حين لجّ في السؤال

قالوا له بعد غد تعود

لابد أن تعود

وإن تهامس الرفاق أنها هناك

(في جانب التل تنام نومة اللحود )

يشير الى هذه الحادثة الكبيرة التي حدثت في حياته. بعد ذلك اخذت الحوادث المأساوية تتوالى في حياته الواحدة تلو الأخرى وكأنها تحالفت على أن تعصف بشخصية شاعرنا منها أن والده سرعان ما تزوج من امرأة اخرى حيث رحل الى دار جديدة وترك ابنه بدراً وأخويه وهذه الحادثة أسهمت في حرمانه لعطف الأب بالإضافة لفقده حنان الأم وهو ما يشير اليه السياب في قوله:

أبي منه جردتني النساء

وأمي طواها الردى المعجل

ومالي من الدهر إلا رضاك

فرحماك فالدهر لايعدل


والحادثة الثالثة التي هزت كيان السياب هي فقدانه لجدته التي كانت قد حلت محل والدته ووالده في تزويده بالعطف والحنان إلا أنها سرعان ما إلتحقت بالوالدين وفقد بذلك الشاعر ينبوع العطف والحنان من جهة أبويه حتى أنه رثاها في قوله:

جدتي من أبث بعدك شكواي

طواني الأسى وقلّ معيني

أنت من فتحت قلبك بالأمس

لحبي أوصدت قبرك دوني

فقليل عليّ أن أذرف الدموع

ويقضي عليّ طول أنيني


المحاورة: نعم شكراً جزيلاً لك دكتور على هذه المعلومات القيمة حول شاعرنا لهذا الأسبوع بدر شاكر السياب ونرجو أن تكملوها في القسم الثاني من هذا الحديث في حلقة الأسبوع المقبل بإذن الله.
الشحمان: إن شاء الله سوف نكمل الحديث ونحاول أن نركز إن شاء الله على قصيدته أنشودة المطر.
المحاورة: نعم والآن مستمعينا رافقونا في فقرات البرنامج لنعيش أجواء قصيدة الشاعر أنشودة المطر.
المحاورة: مستمعينا الكرام بعيوني أرض الوطن يبدأ الشاعر انشودتها المطرية المبللة بدموع اللوعة ليجلس أمامها بخشوع ليتغزل بمحبوبته الأزلية هذه، بعيونها حيث ضوء القمر يداعبهما وبشفتيها حيث أوراق الكروم تزهر وحيث الأنوار تسطع فوق الأنهار لتنعكس على غابات النخيل ولتتناهى عن سمع الشاعر المنتحي جانباً يراقب من بعيد هذا المنظر الساحر أصوات الأطفال الغافلين عن كل شيء. هكذا يحدثنا الشاعر عن وطنه ساعة السحر.

عيناك غابتا نخيل ساعة السحر

او شرفتان راح ينئى عنهما القمر

عيناك حين تبسمان تورق الكروم

وترقص الأضواء كالأقمار في نهر

يرجه المجداف وهناً ساعة السحر

كأنما تنبض في غوريهما النجوم

وتغرقان في ضباب من أسى شفيف

كالبحر سرّح اليدين فوقه المساء

دفء الشتاء فيه وإرتعاشة الخريف

والموت والميلاد والظلام والضياء

فتستفيق ملأ روحي رعشة البكاء

كنشوة الطفل اذا خاف من القمر

كأن أقواس السحاب تشرب الغيوم

وقطرة فقطرة تذوب في المطر

وكركر الأطفال في عرائش الكروم

ودغدغت صمت العصافير على الشجر


(أنشودة المطر)
المحاورة: ها هو ذا المساء يحل والشاعر لايزال متسمراً في موضعه يتلقى بقامته النحيفة المتهالكة زخات المطر العنيدة واذا بشريط ذكريات طفولته ينتصب أمامه، طفولته الحبلى بالذكريات الأليمة، ذكريات اليوتمي وفقدان الأم التي تحولت اليه الآن الى رمز للأرض واذا برعشة البكاء تسري في جسده ليسح الدموع كما تسح الغيوم المطر، المطر المرتبط عنده بالذكريات، المطر الذي يذكره بالوحدة والضياع فلنستمع أيها الأحبة الى الشاعر وهو يروي لنا مع صوت واقع المطر أحداث طفولته.

تثائب المساء والغيوم لاتزال

تسح ما تسح من دموعها الثقال

كأن طفلاً بات يهذي قبل أن ينام

بأن أمه التي أفاق منذ عام

فلم يجدها، ثم حين لجّ في السؤال

قالوا له بعد غد تعود

لابد أن تعود

وإن تهامس الرفاق أنها هناك

في جانب التل تنام نومة اللحود

تصف من ترابها وتشرب المطر

كأن صياداً حزيناً يجمع الشباك

وينثر الغناء حيث يأفل القمر

مطر، مطر، مطر

أتعلمين أي حزن يبعث المطر؟

وكيف تنشج المزاريب اذا إنهمر؟

وكيف يشعر الوحيد فيه بالضياع؟


( بلا إنتهاء، كالدم المراق، كالجياع كالحب كالأطفال كالموتى
هو المطر )
المحاورة: مستمعينا الكرام في حلقة الأسبوع المقبل سنكمل تجوالنا في هذه الملحمة المطرية التي سطرتها يد الشاعر المرتجفة تحت شلالات المطر فحتى ذلك الحين كونوا في إنتظارنا راجين أن تكونوا قد قضيتم معنا أوقاتاً مفيدة وممتعة، في أمان الله.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة