البث المباشر

قصيدة الطين للشاعر ايليا أبو ماضي

الأحد 21 يوليو 2019 - 11:40 بتوقيت طهران

خبير البرنامج: الدكتور سعد الشحمان
المحاورة: بسم الله الرحمن الرحيم وبه تبارك وتعالى نستعين مستمعينا محبي الأدب ومتذوقي الشعر أينما كنتم السلام عليكم. ها نحن ذا نلتقيكم من جديد عبر جولة اخرى في رحاب القصائد العربية حيث الكلمة الجميلة والمضمون الرائع والصور الفنية الحافلة بالسحر والشاعرية، نرحب بكم أجمل ترحيب وندعوكم للمتابعة.
المحاورة: أحبتي من بين القصائد التي تخلدت في ذاكرة الشعر العربي المعاصر القصيدة التي عرفت بإسم الطين للشاعر المهجري المبدع ايليا أبو ماضي، الشاعر الذي عرف بإتجاهاته الرومانسية والانسانية والذي سيحدثنا عنه وعن هذه الإتجاهات ضيف البرنامج الدائم الأستاذ الدكتور سعد الشحمان. بداية أرحب بك دكتور أهلاً ومرحباً بك
الشحمان: حياكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وعلى المستمعين الأعزة
المحاورة: وعليكم السلام ورحمة الله
الشحمان: في هذا اللقاء الذي يسرني أن يجمعني بكم وبالمستمعين
المحاورة: هذا شرف لنا دكتور. دكتور كما تعلمون أن الإتجاهات والنزعات الانسانية تكاد تكون هي السائدة في قصائد أبي ماضي فأرجو من حضرتك أن تحدثنا عن مظاهر هذه الإتجاهات والنزعات وتجلياتها بالطبع فيما خلفه لنا هذا الشاعر من نتاجات شعرية غزيرة.
الشحمان: في الحقيقة يطول الحديث عن النزعات الانسانية عند الشاعر اللبناني وشاعر العرب والانسانية ايليا أبو ماضي، فهو شاعر الانسانية من الدرجة الأولى وبإمتياز وهذا هو الإتجاه الغالب على شخصيته وعلى أشعاره. في الحقيقة هناك عدة عوامل أسهمت في تشكيل شخصيته الشعرية النزاعة الى الإتجاهات الانسانية، أول عامل أسهم في تشكيل شخصيته هو عامل الطبيعة حيث كان شاعرنا أبو ماضي يعيش في احدى قرى لبنان الخضراء المحاطة بملامح وأشكال الجمال، والأنهار والجداول المترنمة بالجمال ومن هذه الطبيعة في الحقيقة تعلق بحبها ومناجاتها. لذلك هذه الطبيعة الجميلة سكبت الكثير من جمالها في شخصية أبي ماضي وترجمها شعراً فإمتاز شعره بعشقه للطبيعة، وعشقه اللامتناهي للطبيعة كما نلاحظ ذلك في قوله:

ياليتني لص أسرق في الضحى

سر اللطافة في النسيم الساري

وأجس مؤتلق الجمال بأصبعي

في زرقة الأفق الجميل العاري


الشحمان: ومن بين العوامل الأخرى التي ساهمت في تشكيل شخصيته الانسانية وأشعاره الانسانية أن ايليا أبو ماضي عاش في بيئة فقيرة، عانى قسوة الفقر مما جعله رسولاً للفقراء في أشعاره وتحدث في أشعاره دائماً عن المساواة الاجتماعية ورفض الفروق التي يضعها الانسان بينه وبين أخيه الانسان كما نلاحظ في قصيدة الطين التي سوف تتفضلون بإنشاد أبيات منها. لذلك لم ينس في أشعاره نظراً لأنه عانى مرارة الفقر فأنه لم ينس آلام الفقراء وأوجاعهم وكتب لهم الشيء الكثير في أشعاره ومن جملة ذلك يقول:

وإن هم لم يقتلوا الأشقياء

فياليت شعري من يقتلون؟

ولا يحزنك موتهم

فإنهم للردى يولدون

وقولوا كذا قد اراد الإله

وإن قدر الله شيئاً يكون


الشحمان: ايضاً عانى شاعرنا أبو ماضي من محنة الهجرة ومحنة الإغتراب كما نعلم أنه يعتبر من شعراء المهجر، وعانى التشرد في الغربة وهذا التشرد أسهم في صقل شخصيته وأسهم في تنمية المشاعر الانسانية في نفسه. ومن التشرد في بلاد الغربة تعلم الوفاء للوطن وجاءت أشعاره يعبر من خلالها عن حبه وحنينه للوطن وكان تشرده بمثابة فرصة أن يلتقي برواد النهضة العربية وقادة الفكر التحرري فأفاد منهم كثيراً وزود أشعاره بكثير من هذه الأفكار. كما نعلم أبو ماضي هو شاعر الأمل والتفاؤل، نكاد نجزم أنه لايوجد شاعر في العصر الحاضر على الأقل دعا الى الأمل والتفاءل ودعا الى الصعود الى قمة الأمل والتفاؤل وتجاوز المحن والآلام كما فعل شاعرنا أبو ماضي، عبر بذلك في طائفة كبيرة من أشعاره ومن ضمن هذه الأشعار الجميلة التي يقول في مقدمتها للأناس العابسين المتبرمين عن الحياة، يقول:

قال السماء كئيبة وتجهما

قلت إبتسم يكفي التجهم في السما

قال الصبا ولّى فقلت له إبتسم

لم يرجع الأسف الصبا المتصرما


الشحمان: وهي قصيدة طويلة وتعتبر من عيون الشعر العربي المعاصر. وتغنى كما قلنا بالوطن وحبه للوطن وخاصة وطنه لبنان وبعد ذلك وطنه الأكبر يعني العالم العربي، ومن بين أشعاره التي عبر فيها عن حبه لوطنه وترجم حنينه الى أسرته والى أرضه يقول في احدى قصائده:

ياجارتي كان لي أهل وإخوان

فبّت الحرب ما بيني وبينهم

كما تقطع أمراس وخيطان

فاليوم كل الذي فيه مهجتي ألم

وكل ما حولهم بؤس وأحزان

وكان لي أمل اذا كان لي وطن


الشحمان: هذه تعتبر من القصائد التي عبر من خلالها عن حنينه الى الوطن وكذلك يعتبر أبو ماضي من الشعراء الرومانسيين، مرّ بتجارب عاطفية كثيرة في حياته وكان نصيبه منها الإخفاق في هذه التجارب ورغم كل ذلك إلا أنه داس على آلامه وجروحه وإحتفظ بالأمل الذي لم يفارق كتاباته أبداً وكان دوماً يخرج من كل تجربة صعبة ومن كل محنة وهو يحاول أن يبرر القسوة والإنكسار محولاً هذه القسوة والإنكسار الى قلعة من التفاؤل والى قلعة للتمسك بالحب، بالجملة نستطيع القول إن شاعرنا أبا ماضي هو شاعر انساني من الدرجة الأولى وشاعر انساني وله بعض الأفكار الفلسفية ولانستطيع أن نقول إنه كان شاعراً فيلسوفاً كما نرى ذلك عند أبي العلاء المعري لكنه أبدى بعض الملامح الفلسفية في اشعاره في السياسة والكون والمجتمع وفي الحب وشارك جبران خليل جبران مواطنه في الكثير من هذه الأفكار. نرجو أن نكون قد وفينا حق هذا الشاعر في هذا الحديث.
المحاورة: نعم شكراً جزيلاً لكم. حقاً هي معلومات قيمة ومفيدة زودتنا بها حضرة الدكتور ونشكرك
الشحمان: آمل أن تكون كذلك
المحاورة: شكراً جزيلاً لك، نرجو أن يتواصل اللقاء بكم عند شعراء آخرين بإذن الله تعالى. أما الآن ندعو المستمعين الكرام الى التواصل معنا عبر أرجاء هذه القصيدة المختارة وهي قصيدة الطين من شاعرنا لهذه الحلقة ايليا أبي ماضي. نعم مستمعينا الكرام صورة رائعة ومؤثرة يقدمها لنا الشاعر الانسان ايليا أبو ماضي ولوحة ملتهبة بالألوان الصارخة يرسمها لنا بريشته القديرة عن طغيان الانسان او قل الانسان وهو في أوج طغيانه وتكبره ومرحه لا لشيء إلا لأنه أصاب شيئاً من الدنيا فظن أنه تفوق على الآخرين بحطام هذه الدنيا وأن عليه أن ينتزع الاحترام بل الخضوع والتذلل من الناس ناسياً او متناسياً أنه ليس إلا حفنة من الطين وانه بشراً اولاً وأخيراً كالآخرين يجوع ويشبع ويعرى ويلبس وأن السماء تضم الناس كلهم والأرض تحتضن البشر كل البشر بما فيهم هو نفسه. فلماذا كل هذا التيه والخيلاء والغرور والتكبر؟ هكذا يرصد أبو ماضي ثورة الطغيان في النفس البشرية فيعلن بلهجة عتابية لاتخلو من التقريع قائلاً:

نسي الطين ساعة أنه طين

حقير فصال تيهاً وعربد

وكسى الخزي جسمه فتباهى

وحوى المال كيسه فتمرد

يا اخي لاتمل بوجهك عني

ما انا فحمة ولاأنت فرقد

انت لم تصنع الحرير الذي

تلبس واللؤلؤ الذي تتقلد

انت لاتأكل النضار اذا جعت

ولاتشرب الجمان المنضد

أنت في البردة الموشاة مثلي

في كساء الرديم تشقو وتسعد

لك في عالم النهار أماني

ورؤى والظلام فوقك ممتد

ولقلبي كما لقلبك أحلام

حسان فإنه غير جمد


المحاورة: نعم مستمعينا الكرام ويواصل الشاعر لغته الإحتجاجية التي أراد من خلالها كبح جماح النفس الانسانية في لحظات الإنتشاء بما تمتلك من مظاهر ثروة ونفوذ واذا بها تنظر الى الآخرين نظرة إستعلائية وكأنهم خلقوا من طينة اخرى أما هي فقد خلقت من الذهب المصفى، ولو أن هذه النفس تريثت وتأملت لرأت أن الآخرين مثلها تماماً من حيث الصفات البشرية فهم ايضاً تداعب الأماني مخيلتهم كما هي وهي ايضاً معرضة لشتى أنواع الأمراض والأسقام والعلل والبلايا كهم، وهم ايضاً يتميزون بالأحاسيس والمشاعر والعواطف التي تميز كل نفس انسانية فتهيج عبراتهم لذكرى الحبيب وتهزهم المصائب ويذرفون الدموع لفقدهم أحبابهم وأعزاءهم. فلماذا اذن أيها الانسان كل هذا الغرور والتعالي والإستعلاء؟
رويدك فإن هذا الغرور من شأنه أن يتسبب في سلب النعم منك فتهلكك الحسرة عليها وتندم على ما فرطت في جنب الله، ولات حين مندم !
المحاورة: وصلنا واياكم أيها الأحبة الى نهاية هذه الحلقة من برنامج من سير القصائد، كان برفقتي الأستاذ الدكتور سعد الشحمان. شكراً لحضورك دكتور في هذه الحلقة.
الشحمان: عفواً حياكم الله وحيا المستمعين الكرام
المحاورة: حتى الملتقى أطيب التحيات والمنى ودمتم في أمان الله.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة